القطاع الخاص جزء أساسي في عملية الإصلاح الاقتصادي بالمغرب

تتزايد القناعة لدى أوساط الأعمال في المغرب على أن القطاع الخاص بات ركيزة أساسية لتوسيع آفاق سوق العمل في البلاد لمواجهة تحديات البطالة وخاصة في ظل البرامج التي تطرحها الحكومة لتحفيز الشركات وأصحاب المشاريع الذاتية على تنمية أعمالها.
الرباط - يجمع خبراء التوظيف في المغرب على أن الاعتماد على القطاع الخاص لتوفير فرص العمل يشكل عنصرا لا يمكن الاستغناء عنه لتحقيق الأهداف الأساسية للإصلاحات التي تطمح إليها الحكومة للحد من البطالة والمساعدة في تجسيد برامج التنمية واقعيا.
ويعتقد يونس السكوري وزير الإدماج الاقتصادي أن العديد من الباحثين عن العمل أضحوا يفضلون خوض غمار ريادة الأعمال في القطاع الخاص لأن “هناك من لا يريد أن يكون أجيرا”.
وأوضح خلال ندوة نظمتها الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات حول “الشراكة بين القطاعين العام والخاص” أن الحكومة تعمل جاهدة على وضع سياسات قوية لسوق العمل واستباق حاجيات القطاعات والاستثمارات في ما يخص الموارد والكفاءات وإعدادها لمواكبة سائر التحولات التي تعرفها المنظومة الإنتاجية.

يونس السكوري: الحكومة تعمل على إعداد الكفاءات لمواكبة سائر التحولات
ولتشجيع الكفاءات على البحث عن فرص عمل بالقطاع الخاص أبرز السكوري أن التغطية الاجتماعية التي ستشمل أصحاب المشاريع الذاتية ستعزز هذا المنحى كما ستدعم إمكانية تطور هذه الشريحة إلى شركات صغيرة.
ومن الواضح أن جهود الدولة وحدها ليست كافية للنهوض بسوق العمل، إذ أن تدخل القطاع الخاص أمر لا محيد عنه في هذه المعادلة الداعمة للتكاملية في هذا المجال.
وتشير بيانات المندوبية السامية للتخطيط إلى أن عدد العاملين المصرح بهم في القطاع الخاص بلغ العام الماضي قرابة 3.47 مليون شخص، حيث تشكل صناعة النسيج النصيب الأكبر بتوظيف 189 ألف شخص. أما القطاع العام فيشغل أكثر من 570.7 ألف شخص باستثناء الجيش وبعض الإدارات التابعة لوزارة الداخلية.
ويرى محمد عشيق المدير العام للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات أن تحقيق هذا الرهان يكمن من خلال الانسجام بين السياسات التي تبلورها الدولة ومبادرات القطاع الخاص عبر خلق فرص عمل والثروة والقيمة المضافة.
وفي إطار دعم ريادة الأعمال، أطلق التجاري وفا بنك، أكبر مصرف بالبلاد، عرض “انطلاق المقاول” لتمويل أصحاب أفكار مشاريع أو أصحاب مشاريع خاصة أو شركات صغيرة تم إنشاؤها منذ أقل من 5 سنوات، من أجل دعم مشروعاتهم أو تطوير نشاطاتهم المهنية.
وتتجسد الشراكة مع القطاع العام هنا في أن الدولة ستصرف القسط المتبقي من أيّ قرض دون فوائد لمدة خمس سنوات إذا كان مبلغ القرض أقل من 300 ألف درهم (نحو 32 ألف دولار) مع الإعفاء من طلب أيّ ضمانة وتسديد دفعة واحدة.
لكن الخبير إدريس الفينة أكد لـ”العرب” أن هناك عددا من العوائق تعاني منها الشركات المتعثرة ما ينعكس على الاستثمار وخلق الثروة والتشغيل والتصدير وجني إيرادات بالعملة الصعبة.
1.7
مليون شركة بمختلف الاختصاصات تنشط في القطاع الخاص المغربي وفق الإحصائيات
وأوضح أن العراقيل تتلخص في السياسة الضريبية والمصارف التي لا تساند تمويل الشركات، إلى جانب ما هو مرتبط بغلاء العقارات التي “لم نتمكن إلى حدود اليوم من إيجاد الاستراتيجية الملائمة لجعله عامل جذب عوض عامل إعاقة ومجال مضاربة وعنصر تقويض للنشاط الاقتصادي وتوسع المدن” .
واعتمدت الحكومة السابقة الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، وكذلك مخطط للنهوض بسوق العمل خلال الفترة بين 2017 و2021، والذي وضعته بطريقة تشاركية من خلال التعاقد مع الإدارات المعنية بكامل مناطق البلد ومع القطاع الخاص لتسهيل تنفيذه.
كما أطلقت أيضا برامج مندمجة ومتكاملة لضمان ملاءمة أكبر لمنظومة التربية والتدريب مع سوق العمل، ولتوفير التأهيل والمواكبة للباحثين عن فرص وظيفية وإطلاق مبادرات في هذا الجانب مع دعم الشركات وتقوية حماية الوظائف.
ويناهز حجم شركات القطاع الخاص 1.7 مليون شركة أي بمعدل 5 شركات لكل مئة فرد. وهذا الوضع، يدفع الحكومة حسب خبراء، في إطار سياساتها العامة بشأن سوق العمل إلى دعم هذا القطاع للمساهمة في التخفيف من حدة البطالة.
وتؤكد الوكالة أنها حريصة على إطلاق مهمة تتعلق بعرض خدمات التشغيل الذاتي لفائدة أصحاب المشاريع في الوسط الريفي وبلورة بنود مرجعية من أجل ملاءمتها مع حاجيات أصحاب المشاريع المغتربين بشكل قانوني.
ولهذا يرى السكوري أنه من الضروري تمديد برنامجي “إدماج” و”تحفيز”، بعدما اقتربت مدة نهايتهما التي تتزامن مع نهاية 2021، موضحا أن برنامج “إدماج” يجب أن يبلغ 100 ألف شخص السنة المقبلة.
وإلى جانب ذلك، تظهر مسألة التعهيد (آوت سورسينغ) والتي تتضمن استخدام واستئجار كفاءات وقوى وأفراد ووسائل وخدمات من مؤسسات أو شركات أو جهات ثالثة أجنبية أو محلية، كأحد الخيارات المطروحة من أجل تنمية سوق العمل.

إدريس الفينة: السياسات الضريبية والبنوك وغلاء العقارات تعيق الشركات
ووفق التقديرات يبلغ رقم معاملات قطاع التعهيد بالبلد نحو 14 مليار درهم (1.5 مليار دولار)، ونظرا للتطور السريع الذي يعيش على إيقاعه القطاع الخاص يفترض توفير الكفاءات التي تحافظ على ريادته ومكانة المغرب في هذا المجال.
وفي خضم الأزمة الصحية وفّر القطاع الخاص قرابة عشرة آلاف فرصة عمل جديدة، ويبدو أنه مستعد الآن لمضاعفة هذا العدد، ولكن ما يلزم هو توفير الكفاءات لإدماجها في الشركات.
ويقول يوسف الشرايبي رئيس الفيدرالية المغربية لترحيل الخدمات إن استمرارية نشاط شركات القطاع الخاص ولكي تواجه التحديات، فإنّ عليها توفير المزيد من “الكفاءات القادرة على رفع التحدي”.
وثمة العديد من الشركات تقود قاطرة التوظيف في البلاد، فمثلا توظف مجموعة مناجم نحو 15 ألف شخص، وسيموتو اليابانية المتخصصة في صناعة قطاع غيار السيارات توظف 28 ألف شخص وشركة ستيلانتيس للسيارات توظف قرابة 4 آلاف شخص في إطار شراكتها مع أنابيك وجوميا المتخصصة في التجارة الإلكترونية، وأيضا ليديك التي توظف 3200 مستخدم.
واعتبر البلغيثي العلوي المدير العام لجوميا أن توسع مجموعته سيقتضي خلق فرص عمل عديدة بالمدن التي تراهن عليها هذه الشركة.
وترتبط تصورات أصحاب الشركات حول مستقبل سوق العمل في إطار الشراكات بين القطاعين العام والخاص بتطوير الكفاءات، وكيفية تجاوز التفاوت بين المناطق وتحفيز الإدماج أكثر.
ويرى الفينة أن نمو الاقتصاد المغربي يمر عبد تطوير القطاع الخاص وهذا لن يتم إلا من خلال تطوير مناخ الأعمال ووضع أهداف استراتيجية في هذا المجال.