القضاء على الإرهاب أكبر من نصر درامي على الإخوان

الأعمال الدرامية التي بثتها القنوات التلفزيونية المصرية في رمضان 2021 والتي تُجسّد نصرا على تنظيم الإخوان صفق له الجمهور، أعطت نتائج عكسية حيث لم تصل تلك الدراما إلى جمهور واسع وبدت وكأنها موجهة لفئة محددة فقط ما عزز قناعات قطاع واسع من باقي الجمهور الذي يُحرّم أصلا الدراما وهو ما يجعل من القضاء على الإرهاب هدفا أكبر من مجرد نصر درامي على تنظيم الاخوان.
القاهرة – أفرزت الأعمال الدرامية المصرية التي بُثت في رمضان وجسدت نصرا على تنظيم الإخوان المسلمين نتائج عكسية حيث ساهمت في تصاعد الكراهية مقابل تشبث المنتمين للتنظيم بأفكارهم.
وانتهت المسلسلات التلفزيونية في رمضان 2021 بنصر درامي على تنظيم الإخوان المسلمين، كما كانت أفلام ومسلسلات مصرية تنتهي بحرق علم إسرائيل، وسط هتافات درامية أيضا يتجاوب معها الجمهور، ويصفّق فرحا بالنصر الدرامي، في حين تظل الحقائق مأساوية في فلسطين المحتلة.
كان الجمهور يصدّق تلك الأفلام حسنة النية؛ لانطلاقها من صدق إيمان منتجيها بأنهم يؤدون دورا لا يملكون غيره، فليست في أيديهم سيوف ولا يمتطون دبابات. وأما دراما النصر على الإخوان فلا تحظى بمثل ذلك الإجماع، ويراها قطاع من الجمهور مجرد “تمثيليات” خيالية وأعمال موجّهة تنتجها السلطة بالأمر المباشر، في سياق احتكاري إقصائي، وتبقى الحقائق على الأرض لا تتغير.
القطاع غير المقتنع بصدق هذه الدراما ليس هينا، عددا أو عقيدة.
والسخرية مما يؤمن به، ونقْض رواية جماعته لوقائع أو سلوك، واستعداء قطاعات من الجمهور عليه، كل هذا يزيده ثباتا على ما تربّى عليه، وكلما زاد الابتلاء رآه جزءا من ضريبة الإيمان.
نتائج عكسية
ما يحدث أن السلطة في مصر تحارب الإرهابيين، وتترك الإرهاب يكتسب أرضا وأنصارا. لا فرق كبيرا بين الخطاب السياسي والخطاب الديني الرسمي والسلفي والإخواني، ربما الفرق في الدرجة.
تكفي ثغرة لتدفّق هذا السيل بما لا يمكن صدّه. هؤلاء الذين يعيشون بيننا يمكن الانتباه إلى كثافة تفاعلهم مع ما تنشره مواقع سلفية وإخوانية تستعصي على قدرات السلطة على الحجب.
ففي صفحات جماعة الإخوان في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يتأكد أن دراما النصر على الإخوان تخاطب جمهورا مضمونا، يزداد كراهية للإخوان، فتزداد كراهية الإخوان له.
هكذا تسهم الدراما في تصاعد الكراهية المتبادلة، فليس بالدراما الموجهة تتغير أفكار المتشددين؛ لأنهم لا يشاهدون الدراما، ويحرّمونها أحيانا، وخطابهم أقرب إلى المستضعفين المحاصرين في شِعب أبي طالب بمكة قبل الهجرة.
ومن منشوراتهم وتعليقاتهم الحالية التي تتخللها نقاط بين الحروف لتضليل رقابة فيسبوك على الكلمات المحظورة، “لا تيأسوا فإن اليأس ليس من عقيدتنا ولا من جماعتنا. اصبروا ورابطوا، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين. فالله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن دستورنا والج..ها..د سبيلنا والمو..ت في سبيل الله أسمى أمانينا”.
ودعا المحامي صبحي صالح عضو لجنة التعديلات الدستورية في مارس 2011 شباب الإخوان في مؤتمر للجماعة في مايو 2011 إلى الزواج من الأخوات قائلا “زواج الأخ من بنت غير إخوانية، ولو كانت محترمة ومتدينة ومن بيت طيب، يعطل النصر”.
وعزز كلامه بآية “أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير”، مؤكدا أن “الأدنى هو غير الأخوات”.
وفي ديسمبر 2012 تعرض لاعتداء ردا على أحداث قصر الاتحادية، وقال وهو يستقبل الموت “أنا فخور أنني من الإخوان. أشعر بشرف أنني من الإخوان. أطهر ناس في مصر الإخوان. الحمد لله. أسأل الله أن يتوفني على الإخوان”.
الرجل ذكر الإخوان في 15 ثانية أربع مرات، و”الله” مرتين!
هذا اليقين الإخواني يتوارثه أعضاء الجماعة ويعلنونه في فيسبوك حتى تحل الجماعة محل الدين. أحدهم يقول على سبيل المثال لا الحصر “الإخوان هم شرف الأمة وفخرها، وإذا أردت أن تعرف من هم الإخوان فانظر إلى مصر كيف أصبحت بعدما تركوها، وانظر إلى تركيا بعدما حكموها”. ويقول آخر “الإخوان رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا. أولئك الذين صدقوا هم الأمل والحاضر والمستقبل، هم الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون”، “الإخوان هم روح الأمة، الفهم الأصيل الوسطي، الأخوة والمحبة، الصدق والوفاء، العمل والتضحية، التجرد والإخلاص، الأخلاق والإيمان والعقيدة، الصبر على المحن والابتلاء”.
ويستشهدون بأحاديث تزيدهم ثباتا، ومنها "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوّهم قاهرين، لا يضرّهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك. قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس". ويدفعهم الشعور بالامتياز إلى طرح تصور للحكم يرجع إلى ما قبل نظرية الدولة، منظّرين للطاعة، ولو تأمّر على المسلمين عبدٌ حبشي "إن وصل إلى الحكم بطريق شرعي، وهو إما باستعمال وتأمير من الإمام الشرعي، فهذا في الولاية الصغرى، أو إذ اختاره الناس انتخابا، وهذا عادة لا يحدث لعبد حبشي… فلا إمارة للعبد على نفسه ليكون وليا على غيره".
ولتنظيرات سيد قطب استلهامات في مثل هذه المنشورات “الحاكمية لشورى الجماعة المسلمة لدراسة الواقع أولا، حتى تتمكن من دراسة أثر دخول البرلمان على أهداف الجماعة المسلمة التي أساسها الدعوة للعقيدة الإسلامية. والمشكلة ألا تطغى الأهداف المرحلية بالمداراة على الهدف الأصلي، وهو الجهر بالعقيدة كما أنزلها الله. أما التوصيات.. فالبرلمان الذي سيدجّنك ويفرغك من محتواك لا يجوز دخوله فحسب، بل قد يصل إلى درجة الكفران والردة، وهي حال ليست معصومة عنها القيادات المستبدة عن الشورى للانفراد بالرأي، فقد ترتد عن الإسلام كحال حزب النور السلفي بمصر".
أما “الحكام العلمانيون الذين يحكمون بالدساتير العلمانية فهم مرتدون. أجمع العلماء على وجوب السعي في خلعهم”.
ضرورة التغيير

أكتفي بتلك الاقتباسات، وأتساءل؛ هل يظن عاقل أن للدراما الموجهة أدنى تأثير في هؤلاء الذين يحكمون بالردة على الحاكم العلماني؛ لأنه يحكم بدستور وضعي، ويستندون في دعواهم إلى ما ذكره ابن حجر العسقلاني في فتح الباري؟ لعل منتجي الدراما يخاطبون أنفسهم، ويتوجهون إلى جمهور يضمنون انحيازه. وكان يمكن للدراما، وللخطاب السياسي، أن يقترب من هؤلاء الرافضين للدراما وللخطاب السلطوي والثقافي المتبنّي لخطاب السلطة، لو أن الاقتراب كان إنسانيا، لا يسخر منهم، ولا يتعالى على هؤلاء الضحايا الذين يحتاجون إلى الشفقة قبل العلاج، فلا يجدي معهم إرهاب يزيدهم ثباتا على ما يؤمنون به، ويدعوهم إلى التقية؛ انتظارا للحظة الانفجار، فيشعلون النيران.
ماذا ننتظر من إخواني أو سلفي نشأ على الاعتزاز، بما يقرأ أو يسمع، بفوائض الفتوحات ومآثر الخلافة الإسلامية، ونضج وعيه على أحاديث نبوية أهدر سياقها التاريخي، ومنها "من لم يغز، ولم تحدثه نفسه بغزو، مات ميتة جاهلية"، "جعل رزقي تحت ظل سيفي".
وما دام الغزو صعبا، فلا أقل من زرع الأسى في نفوس تتوق إلى الجهاد. وتعتمد التربية الإخوانية على ما يشبه القنص النفسي، باصطياد فتيان يتحوّلون إلى رهائن مستلبين، معظمهم من فقراء القرى والضواحي الباحثين عن اليقين والتحقق، وكلاهما يُكتسب تحت راية الدين. ثم تصبح العبودية مختارة، وتسري روح الجماعة في الدم، ويكون الخروج منها أشبه بالخروج من الإسلام.
النّصر الدرامي على الإخوان لا يحظى بالإجماع حيث يرى قطاع من الجمهور أن الأعمال موجّهة تنتجها السّلطة في سياق إقصائي
فلنقارن أطياف ذلك بخطاب الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في يناير 2020، في "مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي".
استهدف المؤتمر مناقشة "التجديد في الفكر"، والفكر تراث بشري خلافي وتفاعلي وتراكمي ونسبي، ويرتبط التراث بظروفه التاريخية وحظوظ أصحابه من الوعي. ولكن شيخ الأزهر فاجأ الحضور قائلا "هذا التراث الذي نهوّن من شأنه… حمل مجموعة من القبائل العربية التي كانت متناحرة ولا تعرف يمينا من شمال، في ظرف ثمانين عاما، إلى أن يضعوا قدمهم في الأندلس وقدمهم الأخرى في الصين، لأنهم وضعوا أيديهم على مواطن القوة في هذا التراث"، وتعالى التصفيق والاستحسان "الله". فماذا لو تأسّى البريطانيون على تراثهم الاستعماري؟
شيعة شيخ الأزهر، في المؤتمر، صفقوا له، وفرحوا بالنصر على من يرونهم أعداء التراث. فمن آفاتنا أن يفرح البعض بوهم النصر في غير معركة، وبعد النشوة يخرج المنتصرون أكثر زهوّا واقتناعا بما جاؤوا ليثبتوه، ويبقى الآخرون على ما انتهت إليه عقولهم واجتهاداتهم من الشكوك. والأمر نفسه بالنسبة إلى ضحايا اليقين من شباب الإخوان الذين يتوهم البعض النجاح في حربهم بالدراما، وهي سلاح لا يصل إليهم، ربما هي سلاح في المعركة الخاطئة.
وميدانيا يفاجئنا الإرهابيون بهجمات على الأبرياء؛ لأن في بذور الأرض إرهابا ننشغل عنه بحرب الإرهابيين. ومن تشبّع بدين الإخوان يلزمه علاج نفسي طويل، لا يكون سيف السلطة أهم وسائله.