القضاء المغربي يعيد الاعتبار للطفولة

القانون الجنائي المغربي يقر عقوبات صارمة على ممارسة العنف ضد الأطفال.
الخميس 2023/04/20
التهاون مع جريمة الاغتصاب يلحق الأذى بالضحية

الرباط - بعدما تحقق أمل الطفلة سناء ضحية الاغتصاب في الإنصاف، استطاعت ارتياد المدرسة لأول مرة بمساعدة جمعية “إنصاف”، وبذلك يحقق الحكم الاستئنافي أغراض الأمن القضائي وما تحمله الوثيقة الدستورية من مكتسبات متعلقة بالحماية الجسدية والنفسية للقاصرين، تماشيا مع الاتفاقيات الدولية وقواعد العدل والإنصاف التي هي أساس العدالة الجنائية وقوامها.

ورغم الحكم المشدد على المغتصبين إلا أن هذا لا يكفي، فالطفلة التي تعرضت للاغتصاب والحمل لا تحتاج فقط إلى مواكبة نفسية، بل لا بد من المرور إلى مساعدة الطفلة والأسرة للخروج من الهشاشة التي تعيشانها بالاستفادة من برنامج التمكين الاقتصادي للأسرة.

وأصدرت غرفة الجنايات الاستئنافية بالرباط مؤخرا، أحكاما تراوحت بين 10 و20 سنة سجنا نافذا في حق المتهمين الثلاثة في قضية الاغتصاب المتكرر للطفلة سناء بضواحي مدينة تيفلت، استدراكا وتصحيحا لحكم ابتدائي مخفف كان قد صدر سابقا في هذه القضية التي أثارت موجة من الاستياء والغضب لدى فعاليات حقوقية ومدنية تعنى بحقوق المرأة والطفل، والتي اعتبرت أن الحكم “غير منصف ويمس حماية الطفولة والنساء”، مطالبة بتشديد العقوبات على مقترفي مثل هذه الجرائم.

الهدف من الحكم معاقبة المتهم وإنصاف المظلوم لتحقيق العدالة ضد كل من يرتكب جريمة تنتهك حقوق الأطفال وتمس من مكتسباتهم

والهدف من الحكم معاقبة المتهم والتأكد من أن القضاء ينصف المظلوم ويقف معه لتحقيق العدالة ضد كل من يرتكب جريمة تنتهك حقوق الأطفال وتضرب المكتسبات المحققة في هذا المجال. وأنهى الحكم الزوبعة التي أثيرت، ويؤكد أن العدالة تنصف الجميع وتضمن عدم إفلات مرتكب الجريمة من المسؤولية القانونية. وقد عبر والد الطفلة سناء عن فرحته بالدعم الكبير الذي لاقته قضية ابنته، وبالعدد الكبير من المحامين الذين تطوعوا للدفاع من تلقاء أنفسهم عن الطفلة.

الحكم الذي أنصف الطفلة يذكر بوضوح أن المتهم المدان لن تتاح له الفرصة للإفلات من العدالة تحت أي ظرف من ظروف التخفيف. وكان هناك من رأى أن ما قام به هؤلاء الجناة يدخل في نطاق الشذوذ في العلاقات الجنسية، ووصف سلوكهم بالسادية وطالب بإخضاعهم للعلاج النفسي، في محاولة لتجيير علم النفس لإيجاد مبررات للتخفيف من العقوبة، متناسين الجريمة وظروف ارتكابها وتداعياتها على الطفلة والأسرة نفسيا واجتماعيا.

وكان حكم قضائي ابتدائي متعلق بقضية اغتصاب طفلة لا يتجاوز عمرها 12 سنة من طرف عدة أشخاص راشدين، تحت التهديد بضواحي إقليم تيفلت وسط المغرب، قد أثار ردود فعل غاضبة. وحذرت هيئات حقوقية وشخصيات أكاديمية وحزبية من التهاون مع جرائم الاغتصاب والتشجيع على الاعتداءات الجنسية بمختلف أنواعها ضد النساء والفتيات، وتقويض الجهود المبذولة لحماية الضحايا وأسرهن، وضرورة عدم التساهل مع المغتصبين الذين مارسوا تسلطهم على طفلة ضعيفة لم تستطع المقاومة.

والحكم الابتدائي الذي صدر في قضية الاغتصاب وبشكل متكرر تحت التهديد، لم يكن متناسبا مع الاعتداء الجنسي الجسدي وتداعياته النفسية، ورغم تأكيد التقرير الطبي الجيني وجود رابط بين الجنين وأحد المغتصبين، إلا أن المحكمة قضت بحبس الجناة سنتين فقط، وهو ما دفع اتحاد العمل النسائي المغربي للقول إن الحكم الابتدائي في حق المتهمين باغتصاب طفلة يساهم في إفلات المغتصبين من العقاب، وهو ما قد يؤدي إلى التهاون مع جريمة الاغتصاب ويشجع على الاعتداءات الجنسية بمختلف أنواعها ضد النساء والفتيات، ويفضي إلى استفحال الظاهرة ويقوض كل الجهود المبذولة في هذا المجال.

تحقيق العدالة في أحكام القضاء أمر مهم بالنسبة إلى الأسرة والمجتمع بالجهود التي تبذلها الدولة إلى جانب المجتمع المدني لحماية حقوق الأطفال والنساء، من خلال الإرادة المعبر عنها في مختلف مراكز صنع القرار، والتي تروم تقوية قواعد جنائية فعالة ورادعة لمثل تلك الممارسات والسلوكيات، وقطع الطريق على مرتكبيها حتى لا يفلتوا من العقاب، خصوصا أننا أمام ضحية في وضعية هشّة كونها طفلة قاصر، وأسرة مقهورة ماديا واجتماعيا.

حكم قضائي ابتدائي بقضية اغتصاب طفلة لا يتجاوز عمرها 12 سنة تحت التهديد أثار غضبا عارما في الوسط المغربي

الحكم الجديد أعاد الثقة في القضاء الذي رد الاعتبار للطفلة ولكافة الأطفال المغاربة. وأعاد القضاء الاستئنافي التداول في وقائع جريمة اغتصاب حدثت العام الماضي، وكان عمر الطفلة 11 عاماً حين تعرّضت لاغتصاب متكرّر نتج عنه حمل وولادة طفل.

وهو ما أثار التساؤل في الشارع المغربي عن مدى توافق الحكم الصادر في المرحلة الابتدائية مع روح القانون والحق في الحياة الكريمة لتلك الطفلة. وهو حكم انتقائي اختار من القانون مقتضيات مخففة كادت أن تفسح المجال لمرتكبي الجريمة للإفلات من العقوبة الجنائية المقررة في القانون الجنائي.

والقانون الجنائي المغربي يقر عقوبات على الجناة في حالة هتك عرض الطفل وفق الفصلين 486 و488 من مواد القانون، وبالتالي العنف الممارس ضد الأطفال، ومن ضمنه الاستغلال الجنسي والاغتصاب وأي انتهاكات صارخة وجسيمة لحقوق الطفل، يجب أن تكون مقيدة بتلك العقوبات الرادعة.

تأويل القانون في مثل هذه الحالات التي تكون فيها التهمة واضحة وظروف الارتكاب واقعة حقيقية ضد الطفلة، يجب أن يكون متماشيا مع خطورة الفعل وتداعياته على الأسرة والمجتمع وصورة البلد الحقوقية، وهو ما يوجب أن تكون العقوبة متناسبة مع مقاصد المشرع لتطويق جرائم الاغتصاب، وأن تكون حماية الأطفال أولوية إنسانية قبل أن تكون أولوية قانونية.

15