القضاء العبري نموذج لتعزيز التعايش الديني في المغرب

القضاء في المغرب يعكس الصورة الحقيقية للتعايش والاندماج بين مختلف الأديان.
الاثنين 2021/08/09
المغرب يصون حقوق اليهود

الرباط - يُعد المغرب نموذجا للتعايش بين مختلف الأديان خاصة الإسلام واليهودية، حيث لم تقتصر أوجه التعاون بين اليهود والمسلمين المغاربة على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بل شملت كذلك القضاء.

ويكتسي القضاء العبري في المغرب أهمية كبرى في إبراز التعايش والاندماج بكلّ صوره الإيجابية الهوياتية، حيث يمثل مرجعا مهما في التعاملات التجارية والاجتماعية والشخصية، ويرجع ذلك إلى التعاليم الدينية التي تفرض على كل يهودي الاهتمام بالنص الديني وذلك لمساهمته الفعالة في جميع الأنشطة.

وفي هذا الإطار يقول خالد التوزاني رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي (مساق) “كان القضاء العبري الخاص باليهود المغاربة أمراً طبيعياً، مثلما كانت لديهم أحياء وقبور خاصة بهم احتراماً لهم ورغبة في منحهم الحرية التامة والاختيار الكامل في ممارسة شعائرهم الدينية وأنشطتهم الاجتماعية، مما جعلهم يشعرون أنهم جزء لا يتجزّأ من مكونات الهوية المغربية، وعنصر أساسي من عناصر البنية الاجتماعية لعموم المغاربة”.

ويضيف التوزاني أن “المحاكم العبرية بالمملكة تعتبر جزءا من القضاء المغربي الذي يضمن لليهود الحق في التقاضي. وتنتشر تلك المحاكم في ربوع المملكة ولها تنظيم شبيه بالمحاكم الأخرى التي يتقاضى فيها المسلمون، وتمثل أحد تجليات التعايش الديني في المغرب، ومظهراً من مظاهر التسامح، ولذلك يُحسَب للمغرب هذا السبق، لأننا نرى بعض الدول العربية بدأت تفكر مؤخراً في إنشاء قضاء عبري خاص بالأقليات اليهودية على ترابها”.

خالد التوزاني: المحاكم العبرية تمثل مظهرا للتسامح الديني في المغرب

وبدوره اعتبر الصادق العثماني الباحث في الفكر الإسلامي وقضايا التطرف الديني المقيم بالبرازيل أن “المواطنين المغاربة اليهود عاشوا عبر تاريخهم الطويل في المغرب كمواطنين مغاربة لهم كامل الحرية في شؤونهم الدينية والدنيوية في إطار منظومة قانونية نظمت علاقتهم الداخلية والخارجية مع السلطة والمجتمع، كما حرصت المملكة على احترام خصوصياتهم الدينية والثقافية وهو ما يعترف به كبار حاخامات اليهود في العالم، مما يعطي لملوك المغرب وللمغاربة ميزة عن باقي شعوب العالم الإسلامي وهي قدرتهم على الانسجام والتوافق والتعايش بين جميع أجناس البشر ومعتقداتهم ودياناتهم”.

ويرى العثماني في تصريح لـ”العرب”، أن “المحاكم العبرية العصرية بالمملكة تعمل من أجل تعزيز الذاكرة العرفية والمؤسساتية للقضاء العبري المغربي، والحفاظ على اللحمة بين مكونات الهوية المغربية المتعددة، والتاريخ المغربي ذاكرته زاخرة بنوعية هذه القوانين التي تنظم قضايا هذه الفئة من المواطنين والمحافظة على حقوقهم وخصوصياتهم الدينية والثقافية في إطار من التعايش واحترام الآخر الذي شكل المحاور الأساسية في الخطب الملكية الرسمية، ناهيك عن كثرة الظهائر والمراسيم والقرارات الوزارية التي تجسد الإطار القانوني المنظم لهذه الفئة، وأيضا الدستور”.

وشكل اليهود أحد العناصر الأساسية في المجتمع المغربي في مختلف الحقب التاريخية، سواء في المدن أو في القرى وهو ما جعل لهم حضورا هاما حتى في التشريعات المغربية، حيث ينص الدستور في ديباجته على أن اللغة العبرية تعد مكونا رئيسيا ورافدا من روافد الهوية والثقافة المغربية، وهو ما أعطى للنظام القانوني والقضائي الوطني تفرده على المستوى العالمي.

وشدد جوزيف إسرائيل رئيس الغرفة العبرية وممثل الجالية اليهودية المغربية في المناسبات الوطنية على الاهتمام الذي توليه المملكة المغربية للجالية اليهودية ولقضاياها، وحرصها الدائم على صون حقوقها.

وأكد التوزاني أن “المملكة حافظت على تماسكها بفضل سياسة تقوم على رعاية مصالح جميع المواطنين المغاربة، وحتى الأجانب المقيمين في التراب المغربي مؤقتاً في إطار السياحة أو الدراسة أو التجارة، أو المقيمين بصفة دائمة في المغرب في إطار الاستقرار النهائي، تلك الرعاية التي تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل فئة اجتماعية، وتشمل جميع مكونات الهوية المغربية؛ من عرب وأمازيغ ويهود، ومهاجرين من الأندلس والمشرق، وبعض العناصر الآسيوية والأفريقية وغيرها من الأجناس التي عاشت في المغرب”.

الصادق العثماني: المحاكم العبرية العصرية تعزز ذاكرة القضاء العبري المغربي

وأضاف التوزاني لـ”العرب”، أن “هذه المكونات اندمجت بعمق في البيئة المغربية، فتحدّثت اللغة الدارجة وتبنّت العادات والتقاليد المغربية طواعية واختياراً ودون أي إلزام أو إكراه، حتى أن بعض اليهود المغاربة كانوا يصومون شهر رمضان مع المسلمين حرصاً منهم على وحدة المجتمع المغربي”.

وأشارت زهور رحيحل مديرة ومحافظة المتحف اليهودي المغربي بالدار البيضاء إلى أن الإرث الرافدي العبري أو الإرث اليهودي المغربي من أغنى الثقافات اليهودية في العالم التي يجب أن يفخر بها المغاربة، والذي يبلغ أزيد من ألفي عام.

ودعت إلى التمييز بين الإرث الثقافي اليهودي وبين ما يسمى بالصهيونية، مشيرة إلى أن المغرب يعد الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التي استطاعت الحفاظ على إرثها العبري.

ويتوفر المغرب على حوالي 500 أو 600 مزار مقدس يقصدها اليهود للتبرك والدعاء لموتاهم، خاصة خلال موسم “الهيلولة” التي تعتبر إحدى مكونات الثقافة اليهودية المغربية، وجزءا من الروافد الهوياتية المتنوعة تعبيرا عن اندماج هذا المكون في المجتمع المغربي.

وعلى الرغم من أنّ الإسلام هو الدين الرسمي في المغرب إلا أن المملكة ترعى مصالح جميع المؤمنين من كل الديانات والمذاهب والطوائف الذين اختاروا المغرب بلداً للعيش أو العبور، حسب خالد التوزاني.

13