القصيدة العمانية انتقلت من الحماسة إلى الاستنهاض

مسقط- في كتابه الجديد بعنوان “الاستنهاض في الشعر العُماني الحديث 1860 – 1970م”، يتقصى الكاتب العُماني خالد بن عيسى السليماني الصورة الموضوعية والفنية لشعر الاستنهاض في عُمان في العصر الحديث، الذي يعتبر الأكثر شمولًا ووقعًا في ما قدمه الشعراء العمانيون.
في بداية الكتاب يعرف السليماني بالاستنهاض لغةً واصطلاحًا، والذي خلف مفهوم الحماسة، مُحاولاً وصف حدوده ومعالمه. ويُقدِّم من ثم وقفةً سريعةً يبرز فيها حضور النزعة الاستنهاضية في الشعر العُماني في العصرين النبهاني واليعربي، باعتبار أنهما العصران البارزان اللذان يسبقان الحِقبة المدروسة.
وكما أراد الكاتب السليماني فإن الفصل الأول يسلِّط الضوءَ على أهم المؤثرات العامة في شعر الاستنهاض في عُمان في هذا العصر (1860 – 1970م)؛ فيصفح المبحث الأول بدراسة تأثير الفكر الإباضي السياسي في شعر الاستنهاض، أما المبحث الثاني فيأتي ليفند دراسة تجليات الموقف السياسي في البلدان العربية، والدعوة إلى إنهاء النفوذ الأجنبي.

خالد بن عيسى السليماني يسلِّط الضوء في كتابه على أهم المؤثرات العامة في شعر الاستنهاض في عُمان في هذا العصر (1860 – 1970م)؛
كما يتناول الباحث الركائز التي يقوم عليها شعر الاستنهاض، محاولًا المواءمة الفنية بين هذه المقوّمات، ثم بيان الترابط الوثيق بينها وبين الاستنهاض. مبينا أهم الموضوعات الشعرية لشعراء الاستنهاض في عُمان.
وهناك دراسة موسعة يأتي بها الفصل الأخير من الكتاب، تسلط الضوء على الجوانب الفنية البارزة في شعر الاستنهاض؛ فيُعنَى المبحث الأول في هذا الفصل بدراسة اللغة والأسلوب، مبتدئًا بالنبرة الخطابية ثم الهمس ثم المعجم الشعري. ويفسر المبحث الثاني جانب الإيقاع الخارجي والداخلي في القصائد المدروسة، مقدِّمًا وصفًا لأوزانِ تلك القصائد وقوافيها مع دراسةِ عددٍ من فنون البديع الصوتية التي تتكوَّن منها موسيقى الشعر المؤثِّرة.
في حديث للمؤلف السليماني حول هذا الكتاب يشير إلى أن عُمان قد شهدت قبيل حكم الإمام عزان بن قيس البوسعيدي سنة (1868 م) وما بعده أحداثًا كثيرة كونت اتجاهًا شعريًا أملى على شعرائه لغة جديدة، لغة صاخبة النبرة، جياشة العاطفة، تتماشى مع توجهات الشعراء الفكرية والعقدية، وتتساوق مع معطيات العصر السياسية؛ فتشكَّل منه خطاب جديد تكوَّنَ منه (شعر الاستنهاض) الذي يُعنَى هذا الكتاب بدراسته.
وكما يبين السليماني فإن الاتجاه الاستنهاضي يُعَدُّ السِّمَة الأبرز في الشعر العُماني الحديث في القرنين التاسع عشر والعشرين، هذا الإصدار حسب رؤية المؤلف يأتي ليبرز تلك المساحة الخصبة التي أرادت أن يكون للشعر العماني اتجاهًا مغايرًا، وهنا نرى أن الإصدار ذهب من الحقبة الممتدة مِنْ عام 1860 م، قبل مبايعة الإمام عزان البوسعيدي بالإمامة بثماني سنين، وهي الفترة التي تُمثِّل بدايات تكوُّن النزعة الاستنهاضية في الشعر العُماني الحديث، ويمتدُّ إلى عام 1970م؛ العام الذي تسلَّم فيه السلطان قابوس بن سعيد زمام الحكم في عُمان، وما رافقه من انعطافٍ سياسي واجتماعي وفكري أدَّى إلى تحوُّلٍ جذري في الخطاب الاستنهاضي وتغيُّر صورته وملامحه؛ لينتقل إلى مرحلة جديدة على يد شعراء آخرين أعادوا تشكيله لينساق مع الظروف السياسية والاجتماعية الجديدة، وفي مقدمة هؤلاء الشعراء أمير البيان الشيخ عبدالله بن علي الخليلي والشيخ أبوسرور الجامعي.

نصوص منتقاة لسبعة شعراء عُمانيين يُمثِّل شعرهم إضاءة فريدة للشعر الاستنهاضي في هذا العصر
ويفيد المؤلف السليماني أن هذا الإصدار يسعى إلى إبراز المعالم الفنية لشعر الاستنهاض في عُمان (1860 – 1970م) عبر تحليل نصوصٍ منتقاة لسبعة شعراء عُمانيين يُمثِّل شعرهم إضاءة فريدة للشعر الاستنهاضي في هذا العصر، وهم الشيخ المحقق سعيد بن خلفان الخليلي، وشاعر العرب أبومسلم ناصر بن سالم البهلاني، وشيخ البيان محمد بن شيخان السالمي، والإمام نورالدين عبدالله بن حميد السالمي، وأبوسلام سليمان بن سعيد الكندي، والسيد هلال بن بدر البوسعيدي، وعبدالله بن محمد الطائي.
ويمكن للمتتبع للنتاج الشعري لهؤلاء الشعراء حسب قول المؤلف السليماني الجزم أنَّ الاتجاه الاستنهاضي يأخذ النصيب الأوفر من تركة هذا النتاج؛ إذا ما استُثني منهم ابن شيخان.
ولم يُعطَ موضوع الاستنهاض في الشعر العُماني حقَّه من دراسة مستقلة معمَّقة، حسب قول المؤلف، وإنَّما درِس من قبَل عدد من الباحثين ضمن دراساتهم وبحوثهم بصورة متناثرة، وبعضهم من اكتفى بذكرِهِ عَرَضًا بإيجاز؛ لذلك جاء هذا الكتاب ليُدرسَ الاستنهاض بشيء من التفصيل في جوانبه الأدبية الفنية.
يقول السليماني إن أهمية دراسة شعر الاستنهاض تكمن عند الشعراء العمانيين في كونه يُصوِّر همّا ذاتيا كامنا يستحوذ على معظم نتاجهم الشعري أولًا، ثم في تحوُّلِ ذلك الهم من ذاتي إلى همٍّ جمعي تذوب معه الفردية؛ لتُعبِّر عن قضايا الأمَّة وهمومها ثانيًا.
ويلفت السليماني إلى أن الاستنهاض هو الوجه الجديد للحماسة والموثِّبات حسب تعبيره؛ غير أنه أوسع أُفُقًا، وأرحب فضاءً بما يحويه من معانٍ وموضوعات، كما طفا مصطلح الاستنهاض على السطح في العصر الحديث؛ ليكونَ خليفة للحماسة بصورتها التقليدية، وجاء مواكبًا لتيارات النهضة، وتماشيًا مع الظروف السياسية والاجتماعية المرافقة لها، وتخمَّر المصطلح إثر ذلك وطغى نتيجة دعوات التجديد على المستوى الأدبي والفني.
كما سعى المؤلف ومن خلال الإصدار إلى الكشف عن التعالق الوثيق بين الشعر الديني المتمثل في الأذكار والابتهالات، والذي كوَّنتْه مدرسة السلوك العُمانية، وبين معاني الاستنهاض ودلالاته، كما كشف عن مدى تأثير واقع الوطن السليب في تأجيج روح الاستنهاض، وتأثير الغربة النفسية والمكانية في إذكاء تلك الروح وإشعالها.
ونذكر أن كتاب “الاستنهاض في الشعر العُماني الحديث 1860 – 1970م” صدر ضمن المشروع الثقافي لجمعية الكتاب والأدباء العمانيين لدعم الكاتب والكتاب العماني لعام 2021 عن دار نثر للنشر.