القصة القصيرة جدا في مصر.. انتشار واسع بين الكتاب واستسهال في الكتابة

كشف تقرير الحالة السردية المصرية في عشرين عاما عن تقارب عدد المجموعات القصصية مع أعداد الروايات الأدبية، وقد يقول البعض إن الوقت الحالي هو زمن السرد وليس الرواية، وأن يكتب الكثيرون أفضل من ألاّ يكتب أحد. وكلما ازداد عدد الكُتاب توقعنا زيادة في نسبة الإبداع الجيد. “العرب” كان لها هذا الحوار مع القاص والكاتب المصري منير عتيبة حول واقع القصة اليوم.
القاهرة - أصبحت القصة القصيرة جدا فنا له خصوصيته، وله كُتابه المبدعون فيه، وله داعموه المدافعون عنه، لكنه أيضا يواجه أحيانا بانتقادات من الرافضين له، فهو فن حديث العهد نسبيا في مصر، ما زال يثير الجدل، بين مؤيد ومعارض.
وعبّر ناقد مصري كبير في حديث خاص عن رفضه وإعراضه عن هذا النوع من الفن، والذي يسمى مجازا “ق ق ج”، اختصارا لـ”قصة قصيرة جدا”، كأن اسم القالب الأدبي نفسه قد تم اختزاله في حروف ثلاثة، كما يتم اختزال القصة ذاتها في سطرين أو ثلاثة.
وتساءل عمّا يمكن أن يبقى داخل القارئ من جماليات ومعان بعد الانتهاء من قراءة بضعة أسطر قصيرة، معتبرًا أن هذه الأنواع من الفن، القصة القصيرة جدا أو الأقصوصة، أو الومضة، وهما الأكثر قصرا، انعكاس لعصر السرعة المفرطة، من دون عمق، اتساقا مع فكرة “التغريدة” على منصة إكس والمنشور القصير على منبر فيسبوك.
الكاتب المصري منير عتيبة، حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 2015، عن فرع القصة القصيرة جدا، ويعد من أهم داعمي هذا الفن بمصر، كتب فيه إبداعا ونقدا، وأقام ندوات لمناقشة كتابات المبدعين، في مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية الذي يديره أو لجنة السرد الروائي والقصصي بالمجلس الأعلى للثقافة، ويشغل فيها موقع مقرر اللجنة.
زخم كبير
تسأل “العرب” منير عتيبة عن واقع القصة القصيرة جدا في مصر حاليا، وتطورها خلال السنوات العشر الماضية، وما إذا كان قد اعتراها بعض التراجع بعد الزخم الكبير الذي حظيت به لفترة.
ويوضح الكاتب المصري أنه حدث “انفجار” في الاهتمام بهذا النوع الأدبي، إبداعًا ونقدًا، منذ عام 2013 عندما نظم مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية المؤتمر المصري الأول للقصة القصيرة جدا، بمشاركة نقاد ومبدعين من دول عربية عدة، وتم تسليط الضوء عليها بقوة.
ويضيف أن ذلك كان له جانب إيجابي في زيادة عدد المبدعين المهتمين بكتابتها وبنشر إبداعهم، وزيادة اهتمام النقاد بالتنظير لها وتأصيلها وتعريفها، كما بدأ رصد جوائز كبرى لها، من أهمها جائزة الدولة التشجيعية في مصر، كما بدأت مناقشة رسائل أكاديمية عنها.
وصدرت للأديب منير عتيبة أعمال إبداعية كثيرة في مختلف فنون الكتابة، منها في مجال القصة القصيرة جدا مجموعة “روح الحكاية” عام 2015 التي حصل من خلالها على جائزة الدولة، و”أرواح أخرى” في عام2021، و”قطعة من جوليا روبرتس” في العام التالي.
يقول عتيبة لـ”العرب” إن الجانب السلبي يتمثل في استسهال البعض، أو بالأحرى الكثيرين، لكتابة هذا النوع الأدبي، وهناك من يعتقد أن أيّ ثلاث جمل متتابعة تصلح لتسمّى قصة قصيرة جدًا، ووصل الأمر إلى درجة أضرت بصورتها وسمعتها.
يرفض الكاتب المصري مقارنة القصة القصيرة جدًا بالقصة القصيرة أو الرواية، لأنه لا بد من الاهتمام بكل كتابة تحظى بمن يحبون كتابتها أو قراءتها، ومن الضروري احترامها ما دامت مكتوبة في الإطار الذي يحدد نوعية هذه الكتابة، ويميزها عن غيرها مما يشبهها من الكتابات.
يشغل منير عتيبة موقع مقرر لجنة السرد الروائي والقصصي بالمجلس الأعلى للثقافة في مصر، ويشرف على إصدار تقرير الحالة السردية المصرية سنويا منذ عام 2001، ما جعله منخرطا في واقع الإبداع الأدبي بفنونه المختلفة، قادرا على تقييمه وإصدار الأحكام بشأن الحقائق والأرقام.
التجريب قوة أم ضعف
يؤكد عتيبة في حديثه لـ”العرب” أنه ليس مع بعض المتشائمين، وأنه متفائل جدًا بسبب متابعته ورصده لواقع الكتابة السردية في مصر، من حيث الكم والكيف، وهناك أعمال كثيرة تطبع، والكثير منها جيد، والكثير منها يحصل على جوائز عربية ومحلية، كما أن الإقبال على القراءة مستوياته جيدة أيضًا. لكن هل هذا كاف؟
طرح منير عتيبة السؤال، وأجاب بنفسه أن واقع الكتابة قد يكون أفضل وأعمق وأجود، لكن لننطلق لهذا من أرضية أن الحالة ليست سيئة وليست داعية للتشاؤم، وأن فن الرواية لم يقضِ على الأجناس السردية الأخرى، فالأرقام تكشف أن ما ينشر بمصر من مجموعات قصصية يقترب من أعداد الروايات المنشورة، وهذا ما يؤكده تقرير الحالة السردية المصرية الذي قدم منه عشرين كتابًا حتى الآن من عام 2001 إلى عام 2020، لذلك يميل عتيبة أكثر إلى تعبير “زمن السرد” وليس زمن الرواية.
حول تقنيات السرد الروائي، يؤكد عتيبة أنه ليس ضد التجريب في الكتابة، مهما أوغل في الرمز أو الغموض، فكل كتابة لها من يتذوقها، والكاتب يقدم ما يحبه لقارئ ينتظر نوعًا معينًا من الكتابة، فالتنوع في المعروض للقراءة أمر صحي، والمهم جودة ما يُقدم في الإطار الذي اختاره الكاتب، فقد يكون التجريب في عمل ما من أسباب قوته وفي عمل آخر من دواعي تهافته، حسب قدرة الكاتب الإبداعية.
في مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية الذي قام عتيبة بتأسيسه ويتولى إدارته حاليا، يتم تنظيم ندوة أسبوعية لمناقشة الأعمال الأدبية نقديا، بحضور نقاد بارزين يدلون بشهاداتهم حول الإبداعات الجديدة، وفق معايير للاختيار والمفاضلة بين الأعمال المقدمة، في ظل إنتاج أدبي كبير على الساحة من حيث الكم.
ويكشف الأديب المصري لـ”العرب” أن مختبر السرديات لا يناقش كل الأعمال التي تقدم له، فالمختبر له قواعد في اختيار الأعمال ترتكز على جودتها الفنية، ولا تتم مناقشة عمل يكون مستواه أقل من جيد بصرف النظر عن اسم كاتبه.
ويشير إلى تأييده إتاحة الكتابة والنشر، مهما ازداد الكم من المنتج، فكل كتابة مفيدة بشكل أو بآخر، إن لم تكن تضيف إلى الإبداع الأدبي، فيمكن أن تفيد الباحث الاجتماعي أو المؤرخ مثلًا.
ويقول أن يكتب عدد كبير أفضل من ألاّ يكتب أحد، وكلما ازداد عدد من يكتبون نتوقع زيادة الجيد، ولو بحسبة عددية، وبالنظر إلى تعداد الشعب المصري الذي يبلغ أكثر من مئة مليون نسمة، فإن ما ينشر الآن يعد قليلا، من حيث العناوين أو أعداد النسخ المطبوعة.
وصدر للكاتب منير عتيبة قبل أشهر رواية “نساء المحمودية”، ويعكف حاليا على عمل روائي جديد بعنوان “حكايات عزيزة”، قائلا “البعض يكتفي بإنتاجه الأدبي، والبعض ينفق كل جهده في العمل الثقافي العام، بينما يحاول البعض الآخر أن يوازن بينهما، وأظنني من الفريق الأخير، ولا أرى أن فريقًا أفضل أو أقل، لكنني مؤمن بـ: كلٌّ ميسرٌ لما خُلق له”.