القراءة للجميع أما الكتابة فلا!

للأسف، أمة اقرأ التي لا تقرأ تكاد تصبح أمة اقرأ التي لا تقرأ ولا تدع أحدا يكتب وربما يقرأ أيضا.
الأربعاء 2024/02/07
لنترك لأهل الاختصاص حقهم في نقد مؤلفاته

ستيفن كينغ، الكاتب العبقري، والرجل الذي صنع برواياته عالما سينمائيا خاصا به، عالم من الرعب الخالص، يرفع شعار “إذا أردت أن تصبح كاتبا، عليك القيام بأمرين قبل كل شيء: اقرأ كثيرا واكتب كثيرا”.

هذه “الأيقونة الأدبية الحية الأولى للرعب، والكاتب الذي كان له دور في تشكيل كوابيسنا”، على حد وصف الناقدة الأميركية أليسون فورمان، ورغم تجربته المميزة والتي يشهد العالم ببراعتها، لم يضع قيودا كبيرة على فعل الكتابة بل اشترط على كل من يرغب الخوض فيها أن يقرأ كثيرا ويكتب كثيرا.

على عكس كينغ، نعيش هذه الأيام موجة من التنمر الإلكتروني والواقعي، وحملات سخرية واسعة، من أشخاص قرروا خوض تجربة الكتابة.

في تونس، قامت الدنيا منذ يومين ولم تقعد على مواقع التواصل الاجتماعي سخرية من الفنان التونسي الشعبي نور شيبة، الذي ألف كتابا يروي فيه تجربته السجنية، حمّله عنوان “الحي يروح” (الحي سيعود).

كيلت للمغني كميات من السب والشتم هائلة. من هو ليكتب وليدعي النضال؟ وهل تجربته في السجن تستحق أن يحكي عنها؟ وهل من دخل السجن بتهمة تعاطي المخدرات يحق له أن يسرد تجربته بين الزنازين؟

بعضهم اتهمه بأنه سرق عنوان كتابه من كتاب آخر وهو أيضا في أدب السجون، للمناضل التونسي اليساري فتحي بن الحاج يحيى بعنوان “الحبس كذّاب والحي يروح: ورقات من دفاتر اليسار في الزمن البورقيبي”.

قبل نور شيبة، كانت الأصوات المستنكرة تتعالى، كلّها لأشخاص يرفضون تقبّل أن يكتب الآخر بأسلوب لا يروق لهم، أكثرهم من العامة، ممن لم يقرؤوا كتابا غير كتب المنهج المدرسي ثمّ فطموا بتخرجهم من الثانوية أو الجامعة عن القراءة، وبعضهم الآخر وهم قليلون، أدباء وكتاب، والبعض النادر من القراء.

في مصر، البلد الشقيق، هناك حادثة مشابهة لما يواجهه نور شيبة، فالبلد لا حديث له منذ أيام إلا عن رواية “فرصة من دهب” للناشطة في مواقع التواصل (البلوغوز) كنزي مدبولي، فتاة تجذب فيديوهات ملايين المتابعين، تكلمهم في حياتها، عن خطيبها، عن أسرتها، عن أحلامها، ويتحاورون في مواضيع سخيفة أحيانا، لكنها تجمع حولها المتابعين و”الأموال”.

كتبت كنزي فتعرضت للسب والشتم والتنمر، واقتنى البعض روايتها فقط ليصور مقتطفات منها ويتداولها على مواقع التواصل للسخرية منها.

رغم ذلك، بيعت طبعات عديدة من الكتاب ومعرض القاهرة الدولي للكتاب لم ينته بعد. بيعت رغم المستوى الضعيف في الأسلوب واللغة والمحتوى، حسب أغلب من انتقدوها.

بعض القراء في تونس ومصر، يشككون في مصداقية الكتاب، بل ويقرّون أن الكتب ألفها آخرون غيرهم، لدرجة أنني قرأت تعليقا لشخص يقول إنه اشتغل في موقع “فريلانس” يؤلف فيه القصص بمقابل زهيد ليقتنيها الناس وينسبوها لأنفسهم. هل يعقل أن نصل إلى هذه المرحلة من الغش؟

وحتى وإن كانت عقول الكتاب وأقلامهم هي من خطت كتبهم وشاهدة عليهم، وإن لم تعجب تجاربهم القراء والنقاد، فالكتابة سواء استمر فيها الكاتب أم كانت تجربة يتيمة، يعلم المتمرسون فيها والمختصون أنها “طريق طويل نحو النضج”، وأشهر الكتاب في عالمنا والغرب لا يخجلون من التصريح بضعف مستوى كتاباتهم الأولى.

أنا صحافية وأصف نفسي دوما بالقارئة الجيدة، فالكتب هم أصديقائي الحميميون، وهم ما جذبني للعمل في الشأن الثقافي الذي يتطلب أن يكون الصحافي ملما بالفنون وملتزما بالقراءة فيها وتطوير “قلمه” وعقله. أدرك أن أول ما كتبته في الصحافة “مسودة غير ناضجة” مقارنة بما سأكتبه مستقبلا، وأدرك “خطورة” الإقدام على الكتابة في أي مجال، لكنني لا أرفض حق الآخر في أن يكتب ما يريد، ولنترك لأهل الاختصاص حقهم في نقد مؤلفاته بمنهجية علمية وصحافية.

لكن للأسف، أمة اقرأ التي لا تقرأ تكاد تصبح أمة اقرأ التي لا تقرأ ولا تدع أحدا يكتب وربما يقرأ أيضا.

18