القاهرة تنفتح على جماعات الضغط لتحسين علاقتها بواشنطن

ساهم انفتاح القاهرة على جماعات الضغط وتنويع علاقاتها مع دوائر أميركية عديدة في المساعدة على استئناف البلدين للحوار الاستراتيجي بينهما. ولئن كان استئناف الحوار مرتبطا أساسا بالاستراتيجية الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط، إلا أنه يؤشر على تحسن العلاقات بين القاهرة وواشنطن.
القاهرة - تخلت القاهرة عن عزوفها السابق عن تكثيف الحوار مع جماعات الضغط الأميركية التي تؤثر بأشكال مختلفة في صناعة القرار، فيما تؤكد نتائج جلسة الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي خلال يومي الثامن والتاسع من نوفمبر الجاري في واشنطن أن مياها سياسية على هذا المستوى بدأت تتدفق من جديد.
وقالت مصادر دبلوماسية إن النظام المصري خلال فترة ترتيب أوراقه لم يلتفت جيدا لأهمية هذه الجماعات وقدرتها على تعديل توجهات أي إدارة أميركية، ولم يمنحها القيمة السياسية المناسبة، على غرار تلك التي كان يمنحها الرئيسان السابقان أنور السادات وحسني مبارك، بما جعل واشنطن أكثر تفهما للواقع المصري وتعقيداته ولكثير من القضايا الحيوية التي شغلت بالها حينذاك.
وأضافت المصادر ذاتها لـ”العرب” أن الغياب في أواخر عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما منح جماعة الإخوان فرصة للحركة في أوساط أميركية مختلفة، جعلت رؤيتها الأكثر انتشارا وتأثيرا، وتعزز ذلك مع الموقف العدائي الذي حملته إدارة أوباما عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي، حيث لم تجد القاهرة من يدافعون عنها تقريبا.
واستثمر تيار الإسلام السياسي الغياب الرسمي المصري في إيجاد صورة ذهنية سلبية داخل الكثير من المؤسسات الأميركية، وعزف على وتر المظلومية الأمنية، واستخدم تسهيلات مادية ومعنوية منحتها لقادته وكوادره كل من تركيا وقطر في خضم خصومتهما السابقة مع القاهرة في استمالة جماعات مصالح متنوعة داخل الولايات المتحدة، عززت من المواقف السلبية تجاه القاهرة في بعض وسائل الإعلام الأميركية.
ولم تشعر القاهرة بأهمية هذه الجماعات كثيرا خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث أسهمت المركزية الشديدة التي تمتع بها الرجل في تسهيل عملية التواصل بينه وبين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ما أسهم في تفويت الفرصة على لوبيات عدة سعت للتأثير على رؤيته وفشلت، وهو ما انعكس إيجابيا على تصوراته حيال القاهرة.
ومع وصول إدارة ديمقراطية برئاسة جو بايدن، تبدل الموقف المصري من جماعات الضغط عموما، وأصبحت هناك حاجة ملحة للحوار معها خوفا من العودة إلى مرحلة أوباما بكل ما حوته من عراقيل وقتامة سياسية.
وقال وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي إن القاهرة نوعت علاقاتها مع دوائر أميركية عديدة ما يعد من العوامل المساعدة التي أسهمت في استئناف الحوار الاستراتيجي بين البلدين، وبذلت وزارة الخارجية جهدا كبيرا لإقناع الإدارة الأميركية بأهمية انعقاده في هذا التوقيت.
وأكد لـ”العرب” أن العامل الحاسم يرتبط بإعادة ترتيب واشنطن لأوراقها في المنطقة، وجعلها تنظر إلى مصر بقدر كبير من التقدير أنها دولة مستقرة تستطيع أن تساعدها في حل أزمات إقليمية مختلفة، وتعول عليها في الوصول إلى المساهمة في تسوية الأزمة الليبية، كما أسهمت في وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل.
واستأنفت القاهرة نشاطها مع أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ ومراكز بحثية ووسائل إعلام ورجال أعمال ومنظمات يهودية، وفتحت قنوات تواصل متعددة، وظهر نوع من الاهتمام بكثير منهم، امتدت فروعه إلى اللجوء لشركات شهيرة تعمل في مجال العلاقات العامة لتحسين صورة مصر.
واستضافت القاهرة العديد من أعضاء الكونغرس ورجال الأعمال وجرى عقد لقاءات مع كبار المسؤولين في مصر للاطلاع على التجربة التنموية الرائدة، وقد لمسوا ارتفاع مستوى الأمن والاستقرار في البلاد الذي لم يعد خافيا على أحد.
ويقول مراقبون إن العودة التدريجية لخطب ود عدد من جماعات المصالح الأميركية بدأت تجني القاهرة ثماره السياسية حاليا، لأنه أفادها في تضييق هوامش الحركة على خصومها الذين كانت الساحة أمامهم شبه فارغة للاستماع لرؤية أحادية.
وأسهمت أخطاء جماعة الإخوان والتحول الحاصل في رؤية واشنطن للموقف في الشرق الأوسط، قبل أن تسهم تحركات القاهرة على أكثر من صعيد في حدوث تغيير نسبي من الإخوان، استمد جانبا من قوته السياسية من تغير واضح في الخطاب الدولي من تيار الإسلام السياسي عموما، وصمود النظام المصري في مواجهة العواصف والتحديات الداخلية والخارجية، وتأكد الإدارة الأميركية من أهميته الإقليمية لها.
وواجه النظام المصري فترات عصيبة في بداية عهد إدارة بايدن، أوحت بأن واشنطن على وشك الدخول في أزمة مع القاهرة بسبب قضايا الحريات وحقوق الإنسان التي تحظى بأولوية كبيرة لدى الإدارة الديمقراطية، وترى أن القاهرة تنتهك معاييرها.

وعملت القاهرة حثيثا على تخفيف الضغوط الواقعة عليها عبر محاولات مختلفة لتوضيح رؤيتها والسعي لتوصيلها إلى قطاعات من الأميركيين كانت تضغط على البيت الأبيض لمعاقبة القاهرة جراء تصرفاتها المرفوضة في المجال الحقوقي.
وساعد تزامن التحرك المصري نحو جماعات الضغط مع التغير في الحسابات الأميركية حيال قضايا المنطقة على تليين موقف إدارة بايدن، يضاف إليهما نسج شبكة مع رجال أعمال وجدوا في مصر اقتصادا واعدا ومن مصلحتهم أن تكون العلاقة بين البلدين متينة، بما دفعهم إلى تشجيع الإدارة الأميركية على تصوراتها الجديدة.
ولم يعد تقارب واشنطن مع القاهرة يثير حساسيات لدى بعض اللوبيات التي كانت تعترض على ذلك قبل أن يوفي النظام المصري بما طلب منه من إصلاحات سياسية.
والتقى وزير الخارجية سامح شكري مع جهات متباينة بواشنطن في زيارته الأخيرة لحضور جولة جديدة من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، وبدت حصيلتها مثمرة.
وعقد شكري جلسة نقاشية نظمها مركز ويلسون البحثي في واشنطن تحت عنوان “تقييم التفاعلات الإقليمية.. الرؤية المصرية”، واستعرض رؤية بلاده تجاه القضايا المشتركة عبر مشاركته في حوار مع باحثين تابعين للمجلس الأطلنطي.
وتواصل مباشرة مع عدد من أعضاء الكونغرس، في مقدمتهم بيل هاجرتي، آدم سميث، هال روجرز، كريس فان، كاي جرنجر، ليندسي جراهام، وداتش روبرسبرجر الرئيس المشارك لتجمع أصدقاء مصر، وممثلو الغرفة التجارية الأميركية، وعدد من ممثلي المنظمات اليهودية الأميركية، فضلا عن المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي.