القاهرة تقطع الطريق على الاستثمار السياسي في غلق الأضرحة

النظام المصري يعمل على تحصين المكاسب التي حققها في مواجهة التيارات الإسلامية.
الأحد 2022/05/08
استمرار تقييد حرية التوافد على المساجد

القاهرة - قطعت الحكومة المصرية الطريق على استثمار جماعة الإخوان لقراراتها المرتبطة باستمرار تقييد حرية التوافد على المساجد، وأعلنت عودتها إلى حالتها الطبيعية، وسمحت بزيارة المقامات والأضرحة في غير أوقات الصلاة.

وتسبب سوء إدارة وزارة الأوقاف لتنظيم دور العبادة في شهر رمضان هذا العام في توجيه انتقادات سياسية للحكومة دفعتها للتراجع عن قرارات اتخذتها بشأن منع صلاة التهجد ورفع الضوابط التي وضعتها لأداء صلاة العيد، ما يجعل هناك حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات تضمن تأدية الشعائر من دون توظيف سياسي جديد لها.

ودخلت الحكومة بشكل سريع على خط محاولات تصوير الخروج الكبير للمصلين في عيد الفطر في الساحات والمساجد الكبرى باعتباره رسالة موجهة ضدها من جماعة الإخوان، وتيقنت أن اللعب على وتر القضايا الدينية مدخل مناسب لتأليب المواطنين عليها في قضايا اجتماعية واقتصادية، ما أدى إلى إزالة أسباب الاحتقان.

عبدالغني هندي: الحكومة تهدف إلى الاستفادة من تطوير مساجد آل البيت

وأعلن وزير الأوقاف محمد مختار جمعة العودة بنظام فتح المساجد إلى حالتها وعمارتها بالدروس والمقارئ القرآنية والسماح بزيارة المقامات والأضرحة في غير أوقات الصلاة، وفتح ساحة مسجد الإمام الحسين بالقاهرة على مدار اليوم.

وعبر حضور الرئيس عبدالفتاح السيسي لافتتاح أعمال التجديد الشاملة لمسجد الحسين قبل أيام على وجود اهتمام رسمي لتسيير خطة إدارة المساجد ودور العبادة الإسلامية وفق إطار عام يضمن عدم استغلالها سياسيًا، وحملت زيارته إلى المسجد والضريح رسائل مهمة على أن الدولة لا تعادي حرية أداء الشعائر الدينية.

ولا تنفصل قرارات الحكومة بتطوير مساجد آل البيت المنتشرة في القاهرة والاستمرار في تجديد العديد من المساجد وتطويرها وإعادة افتتاحها بشكل دوري عن مساعي الحكومة لفرض سيطرتها الإدارية بعيداً عن الجماعات الإسلامية وترسيخ الموروثات الشعبية التي تأخذ طابعًا صوفيًا معتدلاً وسمحا.

وقال عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وهو هيئة تابعة لوزارة الأوقاف، عبدالغني هندي إن إعادة فتح الأضرحة والمقامات خطوة إيجابية تدخل البهجة على الغالبية العظمى من المسلمين في مصر المرتبطين بآل البيت، ولها انعكاسات على الحالة النفسية لمن يعتبرونها ملجأ حينما تشتد عليهم الأزمات.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” الحكومة تستهدف الاستفادة اقتصاديًا من خطط لتطوير مساجد آل البيت التي بدأتها قبل عدة أشهر وقارب أغلبها على الانتهاء من خلال جذب السياحة الدينية، والتأكيد على رعاية مصر لآل بيت النبي محمد (ص) باعتبار ذلك من الأمور التي تحمل رسائل دينية وسياسية للمواطنين.

وأوضح أن قرارات الحكومة جاءت متأخرة وكان يمكن تجاوز حملات التشكيك والهجوم لو جاءت متزامنة مع تخفيف إجراءات كورونا الاحترازية، لكنها أتت في وقت كثرت فيه محاولات الهجوم السياسي التي استهدفت اللعب على وتر الدين.

وتحاول الحكومة تحصين وزير الأوقاف من حملات الهجوم التي تعرض لها بعد أن نجح في تمرير رؤيتها لتضييق الخناق على خطاب المتشددين، وتصدر مشهد الإغلاق وما ترتب عليه من انتقادات عديدة، ولذلك جعلته يتصدر أيضا مشهد إعادة افتتاحها بضوابط تحدث عنها بشكل تفصيلي، كي تبعد القضية عن التقديرات السياسية.

وبرر جمعة صدور قراراته الأخيرة في هذا التوقيت بـ”اتجاه لجنة إدارة أزمات كورونا الحكومية للفتح في الحياة العامة وليس المساجد فقط في حال كان هناك استقرار وتراجع في حالات الإصابة، وهو ما حدث وأصبحت المساجد هي بادرة الفتح”. ويبدو واضحًا أن أزمة صلاة التهجد التي اشتعلت في رمضان كانت كاشفة عن مواقف التيار السلفي الذي أظهر معاداة واضحة للحكومة وتأييداً مبطّناً للهجمات التي شنتها اللجان الإلكترونية التابعة لتنظيم الإخوان.

وجاء البيان الصادر عن رئيس الهيئة البرلمانية لحزب النور السلفي أحمد خليل خيرالله معبراً عن نفس الخطاب الذي وجهه تنظيم الإخوان ولعب على وتر قصد الحكومة التضييق العام على المصلين.

إبراهيم ربيع: أجهزة الدولة تمحو الصورة السيئة للحفاظ على قوتها الناعمة

ومضت الحكومة في خطواتها التي تحدثت فيها عن عمارة المساجد بالدروس الدينية وكانت تشكل هاجسًا لديها في السابق من إمكانية تسخيرها لخدمة جماعات الإسلام السياسي، بالمزيد من الارتياح بعد أن تيقنت من قدرتها على ضبط الخطاب الرسمي، وأدركت أن ترك فراغ ديني سوف يتم توظفيه من جانب المتطرفين.

وأعلن مختار جمعة فتح المقارئ القرآنية بالمساجد للرجال والسيدات وتكليف الواعظات بعمل المقارئ القرآنية للسيدات ووضع جداول محددة لها.

وأعلن الأزهر أيضا افتتاح أروقة بالمعاهد الأزهرية لتحفيظ الأطفال القرآن بشكل مجاني، وهي نفس الأدوات التي اعتمد عليها تنظيم الإخوان في السابق لتمرير أجندته.

وعمل النظام المصري على تحصين المكاسب التي حققها في مواجهة التيارات الإسلامية وعدم السماح لها بتوظيف دور الشعائر الدينية كوسيلة للسيطرة على المساجد بذريعة أنه يعادي الدين، والزعم بأن ما يأتي على لسان شيوخه لا يجب الاعتداد به، وعزز بالخطوات الأخيرة مساندته من قبل نحو ستة ملايين صوفي من المقيدين بجداول الطرق الصوفية التي ترحب بخطوات الحكومة في هذا الاتجاه.

وقال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية إبراهيم ربيع إن النظام المصري ينشط حاليا لمواجهة أساليب الهجوم عليه من تنظيم الإخوان المعروف ببراعته في المزايدات السياسية والكذب وتشويه النظام القائم بكافة السبل من خلال التقليل من شأن الإيجابيات وتعظيم السلبيات، ما يجعل هناك فرصة مواتية للاستقطاب والتجنيد وتوسيع دائرة الرافضين لأداء النظام الحاكم، وخلق طبقة من المتذمرين من سياساته الدينية.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن أجهزة الدولة تسعى لمحو الصورة الذهنية السيئة للحفاظ على قوتها الناعمة، وتؤكد أنها لا تزال دولة المساجد والقراء والأزهر ما يجعل هناك قدرة على توظيف تلك القوى في التعامل مع حملات الهجوم التي تنطلق من قضايا دينية، وثمة إدراك أن مصر تسير على حقل ألغام ديني وفي حاجة إلى تجاوزه.

4