القاهرة تفعّل المواجهة القضائية لمنع الهجرة غير الشرعية

خطوة تطمينية للشركاء الأوروبيين قد تخفف من الانتقادات الغربية للملف الحقوقي.
الأربعاء 2022/03/02
تعاون أمني لا يحجب المصالح

بعثت مصر من خلال تشديدها إجراءات مكافحة الهجرة غير الشرعية من أراضيها رسائل طمأنة لشركائها الأوروبيين ينتظر أن تكون بمثابة بوابة لإعادة تقييم الغرب للملف الحقوقي الشائك في القاهرة.

القاهرة – زادت مصر من خطواتها التشريعية والقضائية لسد الثغرات أمام المحاولات المستمرة للهجرة غير الشرعية انطلاقا من أراضيها بعد أن تعددت حوادث التهريب برا من خلال الحدود المشتركة مع دول مجاورة ومنها إلى بعض دول أوروبا.

ويستهدف التحرك الجديد الوفاء بتعهدات سابقة لدول الاتحاد الأوروبي بوقف عمليات الهجرة بشكل نهائي عبر السواحل التي توقفت تقريبا منذ ست سنوات وحصلت مصر على إشادات من دول غربية حول دورها المحكم في ضبط عمليات التسلل.

ووافقت اللجنة التشريعية في البرلمان المصري أخيرا على اقتراح حكومي بتغليظ العقوبة على الأشخاص المسؤولين عن تهريب المهاجرين بطرق غير شرعية، حيث يواجه المهرّب أو الوسيط عقوبة السجن المشدد، وغرامة تصل إلى 32 ألف دولار بعد أن كانت لا تتجاوز 13 ألف دولار.

ووسّع القانون دائرة العقوبات بحق تهريب النساء والأطفال ومتحدي الإعاقة لتكون بالسجن المشدد والغرامة المالية أيضا، وضاعفت التعديلات عدد سنوات السجن والغرامة المالية في حالة عودة المهرّب إلى نفس الجريمة مرة أخرى.

وتزامنا مع التحركات التشريعية أمر النائب العام المصري المستشار حمادة الصاوي بفحص قضايا الهجرة غير الشرعية والنظر في مواقف المتهمين فيها وإعداد تقارير وإحصاءات مفصلة لاتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن تلك القضايا والمتهمين فيها.

أيمن نصري: القاهرة تسعى لتعزيز أطر التعاون المشترك مع أوروبا

وتبرهن هذه الخطوات أن هناك جهودا كبيرة لتوظيف القدرات المصرية في مجابهة الهجرة غير الشرعية للمزيد من تعزيز أطر الثقة والتعاون مع دول الاتحاد الأوروبي وإرسال إشارات مفادها أن المساهمة المصرية بحاجة إلى المزيد من الدعم الاقتصادي لتحسين الأوضاع المعيشية في الداخل بما يقلل من فرص التهريب.

وشدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على تلك الرسائل في تصريحات إعلامية عديدة شدد فيها على أن بلاده منعت المهاجرين من التسلل إلى أوروبا، قائلا “نحن لا نطالب بأي شيء في المقابل من أوروبا، نحن لا نفكر في استخدام ذلك في ابتزاز سياسي أو اقتصادي”، لكنه طالب في الوقت ذاته دول أوروبا بخلق آفاق اقتصادية رحبة أمام مصر، حيث يدخل أكثر من مليون فرد إلى سوق العمل سنويا فيها.

وحملت تصريحات بيتر سيارتو وزير الخارجية المجري خلال لقائه نظيره المصري سامح شكري الأربعاء وتطرق فيها إلى أهمية دعم الاتحاد الأوروبي لمصر ماليا في مواجهة الهجرة غير الشرعية تأكيدا أن هناك توافقا مصريا مع أطراف أوروبية على ضرورة استمرار هذا الدعم.

وقال أمين عام الشراكة المصرية – الأوروبية السفير جمال بيومي إن مصر ترتبط بالعديد من المعاهدات والاتفاقيات الأمنية والاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي منذ توقيع معاهدة الشراكة بين الجانبين عام 2001 التي تتضمن التعاون في محاربة الجريمة المنظمة من إرهاب وغسيل أموال والاتجار في المخدرات والهجرة غير المشروعة، وأنها بعثت إشارات تؤكد التزامها بكافة بنود هذه الشراكة حتى الآن.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن خطوات القاهرة تطمينية بعد أن أضحت الأراضي المصرية مفتوحة أمام اللاجئين من بلدان عربية وأفريقية عدة، ما يجعل هناك مخاوف من أن تتحول لمنطقة عبور للاجئين إلى المناطق الساحلية التي تنطلق منها مراكب الهجرة غير الشرعية إلى جنوب أوروبا، وتشير إلى أن استضافة اللاجئين حاليا لا تنطوي على ابتزاز سياسي وأنها تتحمل أعباء تلك الهجرة وتداعياتها.

وترفض مصر استغلال أراضيها في عمليات هجرة أو تهريب بعد أن تزايدت معدلات انتشار التجار من دول مجاورة، ومنها إلى دول أوروبية، وتريد أن تقدم نموذجا للتعامل الناجح مع هذا الملف ودعم علاقاتها مع الدول الغربية التي توجه لها انتقادات في ملف حقوق الإنسان، لضمان استمرار الشراكة الاقتصادية التي تجعل الاتحاد الأوروبي في صدارة الأسواق المستقبلة للمنتجات المصرية من الزراعة والغاز.

وتضمنت تعديلات قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية تشديد العقوبات على المهربين وكل من شرع في عملية التهريب أو توسط فيها، وضاعف القانون العقوبة على من هيأ أو أدار مكانا لإيواء مهاجرين أو جمعهم أو نقلهم أو سهل أو قدم لهم خدمات.

ودق حادث غرق أحد المراكب في البحر المتوسط كان يحمل 80 فردا بينهم 11 مصريا في طريقه من ليبيا إلى إيطاليا في سبتمبر الماضي، ناقوس الخطر لمواجهة عمليات التهريب التي تنطلق من مصر وتمر عبر الجبال والمدقات في الصحراء الغربية والمرور من الحدود مع ليبيا وصولا إلى بعض المدن الساحلية.

وأصدر النائب العام المصري بعد ذلك قرارا بإنشاء نيابات مكافحة جرائم الاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية وتختص بالتحقيق والتصرف في الجرائم المنصوص عليها في قوانين: تنظيم زراعة الأعضاء البشرية، ومكافحة الاتجار في البشر، ومكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين.

وأحالت جهات قضائية مؤخرا 12 متهما إلى المحاكمة الجنائية لشروعهم فى تهريب 6 أشخاص من مصر إلى إحدى الدول المجاورة مقابل مبالغ مالية، وهو أمر تكرر بحق العديد من المتهمين الآخرين في يناير الماضي.

جمال بيومي: مصر ملتزمة بالاتفاقيات الأمنية مع الاتحاد الأوروبي

وأشار رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان بجنيف أيمن نصري إلى أن القاهرة تسعى للحفاظ على ريادتها بشأن التعامل مع الجريمة العابرة للحدود والتي تتمثل في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

وأوضح لـ”العرب” أن الحكومة المصرية ترى أن هناك ارتباطا وثيقا بين الملفين بما يسهم في الاستفادة من خبرات القاهرة وتعزيز أطر التعاون المشترك مع الدول التي تعرضت لأضرار أمنية جراء انتشار تلك الجرائم خلال السنوات الماضية.

وحظيت مصر بإشادات متعددة بسبب مكافحتها الأمنية للهجرة غير الشرعية زادت عليها بتفعيل الأدوات القانونية والتشريعية لتحاشي بعض الانتقادات التي وجهها المجلس الدولي لحقوق الإنسان لها.

كما أن اكتفاء الحكومة في مرات عديدة بالإجراءات الأمنية ووجود ثغرات قادت لتوقيع عقوبات مخففة على المتهمين بعمليات التهريب فرض تكثيف التعاون بين الجهة الإدارية الممثلة في وزارة الداخلية والجهات التشريعية والقضائية.

ورفض نصري الفصل بين المشكلات التي تواجهها الدولة المصرية على مستوى توالي الانتقادات الغربية للملف الحقوقي وبين اتجاهها نحو اتخاذ المزيد من الإجراءات الإيجابية بشأن إحدى أبرز الجرائم التي تشكل خطرا على الأمن الأوروبي.

وتسعى القاهرة للمزيد من التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي على مستوى شرح طبيعة الأوضاع الحقوقية، وتشكل الهجرة غير الشرعية أحد أبواب بناء الثقة مع حكومات تتجاهل ما يتحقق على الأرض في ملفات لها علاقة بأوضاع حقوق الإنسان.

وتنعكس حالة الجمود التي تسيطر على علاقات القاهرة بالدول الأوروبية على مستوى الملف الحقوقي على قدرتها في تسويق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.

وتقول القاهرة إن ذلك يرجع إلى استقاء منظمات حقوقية دولية معلوماتها وتقاريرها من جهات تصفها الحكومة بأنها معادية، أو لوجود مشكلات بحاجة لجهود نوعية لحلها، وتحاول تذويب الفجوة من خلال بناء الثقة في ملف الهجرة غير الشرعية.

2