القامشلي في قلب صراع دولي بارد على شمال شرق سوريا

دمشق – تعزز روسيا من حضورها في مدينة القامشلي الواقعة في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا بالتوازي مع إعادة انتشار القوات الأميركية في الجانب الغربي من المدينة المتاخمة للحدود التركية، بعد انسحابها منها الشهر الماضي.
ويأتي الانتشار الروسي الأميركي المتزايد في القامشلي التي تعد عاصمة الإدارة الذاتية الكردية، مع تصاعد موجة التفجيرات والاغتيالات التي تضرب المدينة في الفترة الأخيرة، دون أن يتم التوصل إلى تحديد الأطراف التي تقف خلف تلك الهجمات، في ظل وجود أكثر من جهة مستفيدة من حالة الفوضى هناك وفي مقدمتها تركيا والنظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية.
وقالت قناة زفيزدا التلفزيونية التابعة لوزارة الدفاع الروسية الخميس إن موسكو بدأت في إنشاء قاعدة هليكوبتر في مطار مدني بمدينة القامشلي.
وتخضع القاعدة الجديدة لحماية من أنظمة بانتسير للصواريخ سطح/جو وتم نشر ثلاث طائرات هليكوبتر، بينها طائرتان هجوميتان من طراز ميج-35 وطائرة هليكوبتر للنقل العسكري من طراز ميج-8، هناك بالفعل.
وعرضت لقطات للشرطة العسكرية الروسية التي تحرس القاعدة إضافة إلى مركبات مدرعة وأطقم دعم أرضي ومحطة أرصاد وعيادة طبية صغيرة. وقال مراسل القناة بافل رمنيف “هذه أول مجموعة من طائرات الهليكوبتر العسكرية الروسية هنا في شمال سوريا… إنها لحظة تاريخية. من الآن فصاعدا ستعمل مجموعة الطيران الخاصة بنا على نحو دائم في مطار مدينة القامشلي”.
ويندرج النشاط الروسي المتزايد في القامشلي ضمن خطوات تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين موسكو وأنقرة في 22 أكتوبر الماضي لإنهاء عملية “نبع السلام” التي أطلقتها تركيا في التاسع من الشهر ذاته ضد الوجود الكردي، الذي تعتبره خطرا وجوديا يهدد أمنها.
ويقضي الاتفاق بعودة النظام السوري وبسط نفوذه على أنحاء في شمال شرق البلاد، مع تولي موسكو وأنقرة إقامة أشبه ما يكون بمنطقة “آمنة” على طول الشريط الحدودي بعمق 10 كلم تستثني مدينة القامشلي (تبعد فقط 1 كلم عن الحدود مع تركيا)، مع إبقاء أنقرة سيطرتها على المناطق التي دخلتها على إثر العملية العسكرية بما يشمل رأس العين التي بدأت في إنشاء قاعدة عسكرية في ريفها الجنوبي، في سياق معركة تقاسم النفوذ.
وبرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أحد تصريحاته، استثناء القامشلي بوجود الجيش السوري وروسيا داخلها، قائلا “لا نرغب، ولا يرغبون في رؤية احتمال حدوث مواجهة مع القوات التركية هناك”. وتكتسي القامشلي أهمية استراتيجية حيث تضم في ريفها حقول نفط الرميلان والسويدية، ويوجد بالقرب منها حقول مثل تشرين والعودة، فضلا عن كونها تحتضن خليطا من القوميات والأديان بين أكراد ومسيحيين، وأرمن وسريان، وآشوريين.
ويقتسم السيطرة على القامشلي كل من النظام السوري الذي يضع يده على مطارها وعدد من الثكنات العسكرية، والأكراد الذين يبسطون نفوذهم على معظم أنحائها بما فيها حقول النفط، وإن كانت أنباء متضاربة في الفترة الأخيرة تتحدث عن دخول الجيش السوري لحقول الرميلان.
وقد سجل الأسبوع الجاري عودة للقوات الأميركية إلى قاعدة هيمو غرب مدينة القامشلي، قادمة من العراق.
ولا يرتبط الاهتمام الروسي بالقامشلي فقط بالاتفاق الذي جرى بين موسكو وأنقرة في مدينة سوتشي، فهناك أهداف أخرى أعمق وهي صراع النفوذ الدائر بين موسكو وواشنطن في شمال سوريا وشرقها فيما يعرف بـ”سوريا المفيدة” حيث تتمركز الثروة الطاقية والزراعية.
وسبق أن كشفت مجلة الطيران الروسية “آفيا برو”، أن موسكو بصدد دراسة استئجار مطار القامشلي، لمدة 49 عاما، وذلك بعد أيام فقط من وضع القوات الروسية يدها على منتجع “النادي الزراعي” القريب من المطار، لاتخاذه مقرا لقواتها هناك.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد تحدث قبل فترة عن نية النظام السوري تأجير مطار القامشلي للقوات الروسية لتتخذه مقرا دائما لها، على غرار ما حدث في قاعدة حميميم الواقعة في محافظة اللاذقية الساحلية.
ويشير محللون إلى أن أحد دوافع تعديل الولايات المتحدة توقيت انسحابها من سوريا وإعادة الانتشار في القامشلي وغيرها من المدن هو عدم رغبتها في أن تخلي الوضع لروسيا وما سيعنيه ذلك من مكاسب استراتيجية للأخيرة سواء في علاقة بمسألة التسوية السياسية، أو في علاقة بتعويض خسائرها من تدخلها المباشر في الأزمة عام 2015 عبر السيطرة على منابع النفط.
وصرح وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر الخميس بأن الولايات المتحدة قررت الإبقاء على حوالي 600 عسكري في سوريا على الرغم من رغبة الرئيس دونالد ترامب في وقف “الحروب التي لا تنتهي”. وقال إسبر في الطائرة التي أقلته إلى سيول حيث يبدأ جولة في آسيا “نقوم حاليا بسحب قواتنا من شمال شرق سوريا”. وأضاف “سنبقي في نهاية المطاف ما بين 500 و600 جندي” هناك.
وردا على سؤال عما إذا كان هذا العدد يشمل نحو مئتي جندي، متمركزين في قاعدة التنف (جنوب) على الحدود مع الأردن، أوضح إسبر أنه يتحدث عن شمال شرق سوريا حصرا حيث كلف ترامب وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بحماية حقوق النفط. وكان مسؤول عسكري أميركي صرح الأسبوع الماضي بأن عدد الجنود الأميركيين المنتشرين في سوريا بقي مستقرا تقريبا ويبلغ أقل بقليل من ألف، موضحا أن الانسحاب من الشمال مستمر.
وأشار إسبر إلى أن العدد قد يتغير خصوصا إذا قرر الحلفاء الأوروبيون تعزيز عددهم في سوريا. وتابع أن “الأمور تتغير. الأحداث على الأرض تتغير. يمكن أن نرى مثلا شركاء وحلفاء أوروبيين ينضمون إلينا”. وأضاف “إذا انضموا إلينا على الأرض، فقد يسمح لنا ذلك بإعادة نشر المزيد من القوات هناك”.