"الفيل الأزرق 2".. فيلم يراهن على شباب مولع بالحلول غير العلمية

استنساخ نجاح عمل ما في السينما مقبول، لكن بشرط أن تبقى قادرا على صناعة التشويق والإبهار، وتحافظ على سمات شخوصك ومنطقية تطورهم، ثم تجد إطارا منطقيا لرواية قصة أخرى منفصلة عن الأولى في الأحداث ومتفقة في المضمون.
القاهرة – هناك أفلام عديدة في السينما العالمية استثمر صنّاعها نجاحها في عمل أجزاء تالية لها لاقت نجاحا مماثلا، وفي بعض الأحيان كان النجاح أكبرا مثل أفلام “الرجل الوطواط” و”فرانكشتاين” و”حرب النجوم” وغيرها.
كذلك الحال في السينما العربية في الكثير من التجارب التي تعدّ أشهرها أفلام “بخيت وعديلة” بطولة عادل إمام وشيرين، و”عمر وسلمى” بطولة تامر حسني ومي عزالدين، وتم عمل ثلاثة أجزاء لكل منها، فضلا عن فيلم “الجزيرة” بطولة أحمد السقا بجزءيه.
والظاهرة لم تتوقف بعد إنتاج جزء ثان لفيلم “أولاد رزق” بطولة أحمد عز وأحمد الفيشاوي وعمرو يوسف، والإعداد لجزء ثان لفيلم “من 30 سنة” بطولة أحمد السقا ومنى زكي، وفيلم “صعيدي في الجامعة الأميركية” بطولة محمد هنيدي ومنى زكي.
قصة مثيرة

جاء إطلاق جزء ثان من فيلم “الفيل الأزرق”، تأليف أحمد مراد وإخراج مروان حامد، ليبرهن على إمكانية استيفاء شروط التسلسل، وأن الفكرة قابلة للامتداد، ويمكن عمل جزء ثالث ورابع للفيلم الذي حقق جزأه الأول نجاحا قياسيا عند عرضه عام 2014، وتجاوزت إيراداته داخل مصر 33 مليون جنيه (نحو مليوني دولار).
وبدأ عرض الجزء الثاني لفيلم “الفيل الأزرق” في القاهرة قبل أيام محافظا ومكررا لفكرة الجزء الأول، مضيفا بعض الشخصيات الجديدة، مع استخدام أكثر للغرافيك والخدع البصرية والتقنيات المبهرة للتصوير.
والفيلم مأخوذ عن رواية لأحمد مراد تحمل العنوان نفسه “الفيل الأزرق” صدرت عام 2013 ووصلت إلى القائمة القصيرة للبوكر العربية في العام التالي قبل أن يتم تحويلها إلى فيلم سينمائي، من إخراج مروان حامد، وبطولة كريم عبدالعزيز ونيللي كريم وخالد الصاوي، وشيرين رضا. وأضاف الجزء الثاني هند صبري وإياد نصار.
وتروي القصة حكاية طبيب نفسي لا يمارس عمله، هو يحيى (كريم عبدالعزيز) ومتزوج من لبنى (نيللي كريم) ولديهما طفلان، يتلقى اتصالا من أكرم رياض مدير مستشفى الأمراض النفسية الحكومية (إياد نصار) ليطلب منه الحضور لمتابعة حالة غريبة لقاتلة قتلت ابنتها وزوجها وادعت الجنون، وترفض الحديث إلاّ معه، وسبق أن كشف لغز قضية شريف الذي قتل زوجته في الجزء الأول من الفيلم.
ذهب يحيى إلى الحالة الجديدة لممارسة مهنته التي تركها لعدة سنوات ليعمل في مجال العقارات، وحدثه مدير المستشفى عن حالة فريدة، التي تؤدى دورها هند صبري، ويخبره أنها اعتدت على نزيلة وقضمت أذنها قبل أن تقتلها، وتوحي بوجود قوة مسيطرة عليها.
جلس يحيى مع فريدة وسألها عن السبب في طلبها له، فأخبرته أنها صديقة زوجته لبنى، ثم حدثته عن بعض الجوانب المخفية في حياته، وعن زوجته السابقة التي رحلت في حادث سيارة، عندما كان يقودها وهو عربيد، وابنته التي ماتت معها، وشكّكت في حبه لزوجته، وأخبرته أن لبنى ستقتل ابنه ثم تنتحر خلال ثلاث ليال، وأول ضحية سيكون كلبه.
تصوّر يحيى أن الحديث خرافي وغادر المستشفى مقررا عدم متابعتها، لكنه عندما عاد إلى منزله وجد كلبه ميتا وشعر أن الأمر يحمل جانبا من الحقيقة، ولاحظ أن زوجته تعيش حالة عصبية خافتة وبطريقة مزاجية غريبة، كما اتهمته بالإهمال والملل، وسألها عن فريدة فأخبرته أنها كانت زميلة لها في البنك، ومغرورة وحسودة وتبادلها الكراهية والغيرة، ومن هناك قرّر متابعة حالة فريدة.
حصل من ملفها في المستشفى على عنوان منزلها، محاولا البحث عن أي شيء يفيده في القضية والتقى أمها التي أكدت أنها لا يمكنها أن تقتل أحدا، وأحضر دمية تخص ابنة فريدة وعليها دمها، وقدمها لفريدة التي تتذكّر ابنتها وتبدو كشخصيتين، واحدة بنظرات منكسرة مستضعفة، والأخرى بنظرات شريرة قاسية.

ذهب يحيى إلى شريف (خالد الصاوي) في المستشفى المودع فيها، وهو الذي قتل زوجته رغما عنه في الجزء الأول، وسأله عن حاله، فأخبره أن الشيطان (نائل) الذي كان داخله عاد مرة أخرى ولم يحرق كما كان يظن، ويزوره من حين لآخر، ثم يكشف له عن كتابة كتبها على بطنه كحصن ضد الشيطان، لكن هناك كلمة ناقصة وهي “كلام يحمي عرش..”، وأكد أنه رأى العبارة في كوابيسه ولم يتمكّن من معرفة الكلمة الباقية.
جلس يحيى مع مدير المستشفى وأخبره أن هناك حالات عديدة لحوادث غريبة لم يتمكّن الطب النفسي من كشفها، وطلب منه الذهاب إلى أرشيف المستشفى للتعرّف على تلك الحالات، فوجد بالفعل العشرات من الحالات التي قتلت وزعم أصحابها فقدانهم السيطرة على قدراتهم، ليقتنع بكلام يحيى، لكن بعد فوات الأوان، إذ تقتل فريدة حارستها وترتدي ثيابها وتهبط في المصعد مع مدير المستشفى ثم تقتله وتهرب.
لجأ يحيى إلى حبات “الفيل الأزرق” التي تخرجه عن الوعي وتدفع به في مجاهل التاريخ، ويعود إلى تعاطيها ليرى عبارة حلّ السحر مكتملة “كلام يحمي عرش نجلا”، ويتعرّض ابنه للغرق وينقله إلى المستشفى بعد أن تخبره زوجته أنها في حالة غير طبيعية، ثم تحاول الانتحار ويتم حجزها في المستشفى.
إطلاق جزء ثان من فيلم "الفيل الأزرق"، يبرهن على إمكانية استيفاء شروط التسلسل، وأن الفكرة الجيدة قابلة للامتداد
ومن ثمة ذهب يحيى إلى منزل فريدة فوجدها هناك، حيث حاولت إغراءه، ثم أكدت له أن نهاية عائلته اقتربت وستحسم خلال دقائق، فأخبرها بعبارة فك السحر “كلام يحمي عرش نجلا”، فضحكت، مواصلة الحديث بصوت الشيطان “نائل” مهددة ومتوعدة، ثُم يتذكّر أنها قالت له من قبل إن مرآتها تعكس الكلمة ولا تغيّر الحقيقة، فيقوم بعكس كلمات العبارة لتصبح “مالك يُمحي عرش الجن” ويهتف بها وينفك السحر لتعود فريدة كإنسانة طبيعية، ويتمكن من إيقاف حيل الشيطان، ثم يرجع إلى المستشفى ليجد زوجته وابنيه في سلام وطمأنينة.
الواقع أن القصة، كما في الجزء الأول غير واقعية، ومتعارضة مع العلم والمنطق، لكن ذلك يتسق مع جانب كبير من جمهور الشباب المتمرد بشكل كبير على التفسيرات العلمية والرؤى المنطقية، وبدأ في زيادة الإقبال عليها.
ويعي هذا الجمهور أن هناك خوارق وغرائب ما زال العلم الحديث عاجزا عن تفسيرها، وهو في الغالب رد فعل طبيعي للتطوّر المذهل خلال السنوات الأخيرة. وفي المقابل، لا يؤمن جمهور الشباب بقدرات الجن، ويعرف تماما أن حكاياته خزعبلات، لكن ذلك لا يمنعه من الاحتفاء بردّ فعل مقاوم لمادية العلم المبهرة التي تدعي القدرة على الإجابة عن أي تساؤل أو تفسير أو ظاهرة.
وبات كسر المنطق وتجاوز الحلول العلمية المباشرة سمة مميزة لجيل جديد من الشباب، وهذا ما يفسّر نجاح قصة “الفيل الأزرق” بحلولها غير العلمية، وهو بالطبع ما لمسه مؤلف الفيلم وقرأه مبكّرا.
توحيد الكلمة والصورة

اتسم إخراج فيلم “الفيل الأزرق 2” باحترافية عبّرت عن مبدع قادر على تسريب الخوف والتشوّق إلى نفس المشاهد، منتقلا بسرعة وذكاء من مشهد رعب لمشهد حركة، وبنى مستويات تُلقي المشاهد بطريقة تراتبية، كأنه أمام لغز يدفع إلى المساهمة في حلّه لينطق بكلمات فكّ السحر قبل البطل.
وبدا المخرج مروان حامد متعمّقا في سياق القصة، كأنه أحد أبطالها، ويعي سماتهم ويضبط تحركاتهم ويمسك بكل منهم بخيوط لا يعرفها سواه، لينطقه وقت أن يكون الكلام ضروريا، ويرسم مشاعر الخوف حين ينبغي أن يولد الخوف، أو يزرع ملامح القسوة في أشرار بالضرورة، مثل الشيطان نائل عندما يتحدث من خلال جسد فريدة.
ومن أبرز سمات حامد في الإخراج إصراره على تقديم حكايات بصرية بجانب المحاورات، ويدرك أن هناك فرقا بين البصر والبصيرة، ويحاول رؤية مشاهد الفيلم بالبصيرة، الناجمة عن تناغم الصورة مع الصوت، لتصبح أكثر تأثيرا بعمقها الناتج عن توظيف متقن للموسيقى التصويرية وسرعة حركة الكاميرا بشكل دائري مبهر.
ولعبت التكنولوجيا المتطورة دورا بارزا في بناء الخدع البصرية اعتمادا على تقنيات حديثة تستخدم في هوليوود، ما تكرّر في أحلام يحيى بعد تناوله أقراص الفيل الأزرق. إنه ينتقل عبر الزمن ليعيش مع ملوك القرون الوسطى ويتابع حفلاتهم وسهراتهم ومحاوراتهم، وهم يرتدون أزياء تعبّر تعبيرا مباشرا عن ذلك.
وساعد التفاهم بين المخرج والمؤلف أحمد مراد على تجاوز الكثير من المشكلات الفنية، إذ لا توجد في المشاهد لحظات زائدة أو عبارات قابلة للحذف، فكل كلمة منسُوجة في أداء تمثيليّ مُقنع بصورة كبيرة.
وبالنسبة إلى الأداء التمثيلي، فإن الامتياز يكون من نصيب الممثلة الجديدة التي لم تشارك في الجزء الأول وهي هند صبري، وهي التي قدّمت دورا بارعا لشخصية تحمل روحين في ذات الوقت. وهو أمر صعب للغاية، إذ تنتقل في لحظة واحدة من الشر إلى الضعف، وتتحوّل نظرات وملامح وجهها بين النقيضين بسرعة وإتقان.
ونجحت نظرات عينيها في أن تمنح المتلقي الكثير من الأحاسيس المتباينة، مثل: الانكسار، الغيرة، الإغراء، السخرية، الشفقة، ما جعلنا نتصوّر أننا أمام عدّة ممثلات في شخصية واحدة.
وظهر كريم عبدالعزيز بـ”كاريكتر” جديد أقرب إلى التراجيدي منه إلى الكوميدي، وهو ما لم يعتده الجمهور منه، وبدت نظرات عينيه معبّرة عن شخص مغرور بذكائه، يجيد قراءة انفعالات البشر وراض بالتقوقع بعيدا عن المجتمع وغارق في العربدة.
واختلف أداء نيللي كريم كثيرا في الجزء الثاني، وبدت شخصية حزينة أنهكها الزواج والحياة الأسرية والإهمال، واستطاعت التعبير بصرامة عن الزوجة الخائفة على أسرتها من مستقبل لا تعلمه.
وجاء أداء خالد الصاوي، في المشهد الوحيد الذي ظهر به بارعا كعادته، كأنه حاول المشاركة ببصمة كنوع من إحالة المشاهد للجزء الأول عندما كان مكان هند صبري.
ونجح إياد نصار في لعب دور مدير المستشفى المؤمن بالعلم، والباحث عن الحقيقة، وقدّم صورة غير نمطية للطبيب النفسي العصري، الذي كانت معظم الأفلام السابقة تظهره كشخص أقرب إلى الجنون منه إلى التعقّل.
وكانت الموسيقى التصويرية مميّزة، ونجح الموسيقار هشام نزيه في نقل قشعريرة الخوف من موسيقاه الصاخبة والمتدفقة عبر مشاهد الفزع المنبئة عن مفاجآت محتملة. كما جاءت ديكورات الفيلم مناسبة لحالة الفزع المصدّرة إلى المشاهد، كأنّه يتابع فيلما عالميا، خاصة ديكورات عنبر “8 غرب” الخاص بالحالات الخطرة في مستشفى الأمراض النفسية.