الفيلم السعودي "راس براس".. كوميديا سينمائية خالية من الحبكة الفكاهية

حظي فيلم “راس براس” السعودي باهتمام واسع، وكان حديث الأوساط السينمائية منذ طرحه قبل أشهر. هذا العمل يقدم الكوميديا السعودية لكنه يسقط في فخ التقليد، حيث تأتي أحداثه شبيهة بالكوميديا الهندية السطحية التي تُفقد الفيلم أهميته.
الرباط - يواصل المؤلف عبدالعزيز المزيني والمخرج مالك نجر العمل على إنتاجات كوميدية سعودية، فبعد تجربتهما في الصور المتحركة والمسلسلات الكوميدية اتجها نحو السينما عبر فيلم “راس براس” (رأسًا برأس)، الذي يعرض منذ أغسطس الماضي وحقق شهرة وجماهيرية واسعة.
الفيلم من بطولة عبدالعزيز الشهري. أما المخرج مالك نجر، لمن لا يعرفه، فهو فنان سعودي يعمل كمصمم ومخرج ومنتج للأفلام والرسوم المتحركة. وُلد في محافظة الدوادمي في السعودية، واشتهر اسمه بعد سلسلة أفلام قصيرة تحمل اسم “مسامير”. يشغل حاليا منصب الرئيس التنفيذي الإبداعي في أستوديو ميركوت الذي أسسه مع عبدالعزيز المزيني عام 2014.
كوميديا الحركة
تدور أحداث الفيلم في حي بذيخة، وهو مكان غريب لا يعكس سوى طابعه غير العادي. ويركز الفيلم على شخصية درويش، السائق العاشق والبسيط الذي يتم تجسيده من قبل النجم عادل رضوان. ينجح درويش، عن طريق الصدفة، في نقل أكبر مجرم متقاعد من المطار، مما يؤدي إلى مطاردته من قبل عصابة المجرمين السابقين الذين يسعون لاستعادته بسلامة.
تتوالى الأحداث بإيقاع متسارع أحيانًا وببطء أحيانًا أخرى، وتحمل في طياتها لقطات شبه مضحكة عندما يتورط درويش بالتعاون مع أبوغدرة وفياض، الرئيس التنفيذي الجديد لشركة التاكسي، في مهمة تضليل العصابة. يقومون بخداع العصابة وإقناعها بأن المجرم العجوز مازال على قيد الحياة، مما يؤدي إلى سلسلة من الأحداث غير المتوقعة والمغامرات الكوميدية البارعة.
فيلم “"راس براس" يعتمد على الأنماط والصيغ السينمائية القديمة دون أن يقدم أي جديد أو مبتكر، مما يجعله تجربة ضعيفة ومملة
هذا الفيلم الذي تم الترويج له إلى حد بعيد واختير لتمثيل السعودية في مهرجانات سينمائية دولية، هو مجرد خيبة أمل كبيرة. يقدم الفيلم نفسه كعمل سينمائي غامض ومدهش، لكنه في الواقع ليس إلا كوميديا زائفة بلا قيمة حقيقية. تظهر معظم المشاهد بشكل كبير أسلوب الكوميديا الهندية السطحي، ولا تقدم أي محتوى مميز أو إثارة حقيقية. حبكتها الغريبة والعشوائية تبدأ بالتطور بطريقة متوقعة ولا توفر أي مفاجأة حقيقية. محاولة المالك المتهور تولي منصب الرئيس التنفيذي للشركة تبدو مجرد محاولة فاشلة لتقديم لحظات كوميدية زائفة، هو في الحقيقة عمل لا يستحق الضجة التي أُثيرت حول توقعاته.
إن ما يجعل “راس براس” باهتا هو الشخصيات المزيفة والكوميديا المبتذلة. بطل الفيلم الذي يجسد شخصية سائق السيارة، يجسد الارتباك والظروف الصعبة بشكل مضحك، في حين أن جاك أوف دايموند، الشخصية العصابية، تقدم أداءً غير مقنع دراميًا وفكاهيًا. يستغل المخرج بمهارة فن التصوير والإثارة في الوقت نفسه، مما يجعل العمل تجربة سينمائية جيدة على مستوى الصورة وحتى الإضاءة. ومع ذلك، يبقى الفيلم سعوديًا ويستوحي أسلوبه من مصادر متعددة بدلا من الالتزام بنمط واحد أو تصميم مشاهد منسجمة.
هذا الفيلم هو مثال جديد على الأعمال السينمائية التي تفتقر إلى الأصالة وتتبع طابعا مملًا. من اللحظة الافتتاحية، يبدو أنه نسخة تقليدية وبسيطة من عوالم السينما الهندية والغربية والأوروبية، ومع ذلك يفتقر إلى العمق والإبداع الذي يمكن أن يجعله مميزًا. تصميم المشاهد والأسلوب العام للفيلم يشبهان بشكل محزن مشاهد الأفلام الهندية، ولكنهما يفتقران إلى الروعة والابتكار. كذلك تظهر الشخصيات بشكل سطحي وبلا عمق، وتفتقر إلى أي جاذبية أو تأثير. اللقطات والمشاهد المتتالية التي تظهر في الفيلم ليست سيئة لكنها تبدو مبتذلة بشكل لافت.
ولا تتبع التطورات في القصة مسارًا منطقيًا وتبدو مجرد محاولات ميؤوسة لأمور تتّخذ منحى مختلفاً، فحينما يحاول شخص تفجير شخصيتين أخريين يتغير من الخبث إلى السذاجة بشكل غريب وهو ما لا يبدو مناسبًا إطلاقا. تجتمع الشخصيات المختلفة في نهاية الأمر لمواجهة الخصم، ولكن هذا الاجتماع لم يكن له أي تأثير إيجابي على جودة الفيلم.
تحولات مفاجئة

أهمل الفيلم تمامًا الشخصيات النسائية في بدايته، واكتفى بتقديمها كشخصيات ثانوية بلا أهمية. لكن حينما حاول ترتيب الأمور وجلب إحدى هذه الشخصيات إلى الواجهة، فشل على نحو أساسي في إبرازها بشكل مناسب. فحبيبة البطل تبدأ كشخصية ثانوية وتنتقل إلى دور رئيسي بطريقة مفاجئة وغير متوقعة. هذا التحول كان فقط نقطة تكامل لافتة للانتقادات السلبية للفيلم.
أما بالنسبة إلى البطل الرئيسي فكانت طريقة تطور شخصيته مجرد هراء. بدأ كشخص عادي يواجه ضغوط العمل ولكن سرعان ما تحول إلى مقاتل يحمل السلاح ويتخذ قرارات لا تلائم الواقع. هذا التحول كان غير منطقي تمامًا وأفسد إلى حد بعيد جاذبية الشخصية الرئيسية وأثر سلبًا على تجربة المشاهدة.
وعلى الرغم من تنوع الأنماط السينمائية في هذا الفيلم يبدو أنه تم استخدام هذا التنوع بشكل مفرط ودون توجيه واضح. التصوير الغربي الكلاسيكي والكوميديا الهندية يبدوان وكأنهما تم تطبيقهما دون رؤية مشتركة أو إضافة إلى القصة. وعلى العكس من ذلك يعطي الفيلم انطباعًا سطحيًا ومبتذلا عن المملكة العربية السعودية، ولا يتعمق في استكشاف جوانبها الثقافية والاجتماعية بشكل جاد.
عمليات التصوير قد تمت بشكل تقني جيد، ولكنها لم تترك انطباعًا بارزًا أو مميزًا. ويبدو أن الفيلم يعتمد بشكل كبير على التقنيات الحديثة دون أن يقدم مضمونًا سينمائيًا قويًا. وعلى الرغم من أنه يحاول جلب الاهتمام من خلال تنوعه والموسيقى التصويرية الفكاهية، إلا أنه يبقى عملًا سينمائيًا ضعيفًا ومبهمًا بشكل عام.
فيلم “راس براس” يعتبر واحدًا من تلك الأعمال السينمائية التي تفتقر إلى العمق والابتكار. فهو يعتمد على تقليد أفلام الكوميديا والدراما المماثلة دون إضافة أي عنصر جديد أو فكرة مبتكرة. كما أن القصة ضعيفة، والشخصيات تبدو مألوفة للغاية وخالية من التطور الحقيقي. وفضلا عن ذلك تتسم النكات في الفيلم بالسطحية والتكرار مما يجعلها غير مضحكة إلى حد بعيد.