الفيلة وأرض الأحلام

حتى وقت قريب كانت السفن تمخر عباب البحار محمّلة بالباحثين عن أرض الأحلام خلف المحيط، وفي اتجاهات أخرى كانت الحدود ما بين الدول تحتشد بالذين يحاولون الوصول إلى أرض أحلام من نوع آخر، وحين حطّت بهم الرحال وجدوا أشياء أخرى بانتظارهم لا علاقة لها لا بالأحلام ولا بالأفلام.
قصة أرض الأحلام قصة عتيقة مع البشر، لكل واحد منهم حلم ركّب له أرضا تناسبه، فالراعي أرض أحلامه مرتبطة بأحلام المواشي والخراف بالكلأ والمراعي الخضراء، والصيّاد أرض أحلامه حيث تكثر الفرائس، بينما تنابلة الناس أرض أحلامهم حيث لا يضطرون فيها للعمل ولا للكد، وأرض أحلام المؤمن مرتبطة بالوعود السماوية وبما سمّاها ”أرض الميعاد“، أما الباحثون عن المستقبل الجديد فكل أرض هي أرض أحلام بالنسبة إليهم.
في أيامنا هذه تقلّصت أرض الأحلام، فصارت أهم أرض أحلام لإنسان هذا العصر، الحياة ذاتها، بعد عواصف الفايروسات والأزمات الاقتصادية والفوضى التي لم تخلق شيئا بعد، وعن تلك الحياة يتساءل أطباء جامعة ”يوتاه“ الأميركية حاسدين الفيل على طول عمره وعلى ندرة إصابته بالسرطان، وكانت نتائج أبحاثهم تبرهن على أن المناعة الطبيعية للفيل تعود إلى وجود جِينَين مُعَيّنَين ظهرا في سلسلة الحمض النووي ”دي إن إيه“ للفيلة منذ 59 مليون سنة.
يستطيع الجينان الإحساس بأن هناك خللا ما في الحمض النووي لبعض خلايا جسم الفيل، وأنها تتعرض في لحظة ما لتغيرات بيولوجية قد تؤدي بها أن تتحول إلى خلايا سرطانية. فيصدرا أوامرهما لتلك الخلايا، لتصلح نفسها أو لتدمّر نفسها ذاتيا.
الخبر الجيد أن الجسم البشري فيه نسخة مطابقة لهذا الجين. لكن أخانا الفيل لديه 20 نسخة منه، أي أنه يتفوق علينا بعشرين مرة.
هل كان هذا خبرا جيدا حقا؟
الحقيقة أن الخبر الجيد الكامن في قصة الفيل أن أرض أحلام الإنسان هي نفسه وجسده، أولا وأخيرا، وعليها يبني عمارته أو يرى قحطه واصفرار أعشابه، الأرض التي لم تكتشف بعد، والتي كلما عاد إليها وجدها غنية بالأسرار والتفاصيل المبهجة، فلا حاجة للبحث في البعيد، وعلى الإنسان أولا أن ينهي وظيفته المنزلية في نفسه ثم ينطلق نحو الخارج باحثا عن مستعمرات جديدة.
ولن ينفضّ عنّا سؤال أرض الأحلام ما دامت البشرية تفكّر وتحنّ وترتبط ببعضها بعضا، قال سعدي الشيرازي “تـُـبـتَـغـى أرضٌ بـأرضٍ، وبــديــلٌ عــن بـديـلِ، إنّما يثقِلُني من فَضلِكُـم قـيـدُ الجَـمـيـلِ“.
أما المتنبي العظيم فقد وصف أرض أحلامه بصورة أخرى لم يسبقه إليها أحد، فتلك الأرض هي التي تتبعه وتلاحقه ”تتخلّفُ الآثار عن أصحابها، حِيناً ويدركُها الفَناء فَتتبعُ“.