الفوضى في ليبيا تصل إلى المصرف المركزي

المصرف يقرّب المسافة بين واشنطن وبنغازي.
الاثنين 2024/08/19
الكبير في مرمى الصراع على الثروة

وصلت الفوضى في ليبيا إلى المصرف المركزي الذي ظل لسنوات بمنأى عن الصراعات الداخلية وبقي المؤسسة الوحيدة تقريبا التي توحد جميع الليبيين، رغم الاتهامات التي كانت تطاله في بعض الأحيان من الجيش والبرلمان، بالانحياز إلى تيار الإسلام السياسي.

وبعد محاولة الهجوم على مقر المصرف قبل أيام من قبل جماعات مسلحة في طرابلس، أعلن الأحد تعليق كافة أعماله وإداراته ومنظوماته بسبب اختطاف أحد مسؤوليه الإداريين.

ويرجح متابعون أن تتفاقم أزمة مصرف ليبيا المركزي خلال الأيام القادمة كنتيجة حتمية للصدام الحاصل بين رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة ومحافظ المصرف الصديق الكبير، والذي انعكس سلبا على الوضع المالي والاقتصادي في البلاد وأعاد رسم التحالفات والتوافقات وفق الحسابات والمصالح مع هذا الطرف أو ذاك، فيما يجد رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي نفسه معزولا بسبب تحالفه مع الدبيبة للإطاحة بالمحافظ دون قراءة واقعية لموقف العواصم الغربية منه والتي تلتقي تماما مع موقف مجلس النواب في دعم الكبير واستنكار محاولات عزله أو التضييق عليه.

◄ عدد من كبار الموظفين تلقوا تهديدات بالاختطاف، وهو ما ربطه مراقبون بمحاولة السيطرة على المصرف

واتخذت الأمور مسارا مختلفا الفترة الماضية؛ فبينما تراجعت علاقة الصديق الكبير مع حكومة الدبيبة بسبب توسعه في الصرف، تحسنت العلاقات بين الكبير والسلطات شرق ليبيا، وهو ما اتضح أكثر بإعادة البرلمان السبت تكليفه بشغل المنصب بعد إقالته أكثر من مرة على مدى السنوات الماضية، في حين صوت المجلس الرئاسي الأحد لصالح إقالته وتعيين محافظ جديد.

وقاد ذلك إلى تحسن العلاقات بين السلطات شرق ليبيا والولايات المتحدة التي دعمت الفترة الماضية اقتسام الميزانية بالتساوي بين حكومة الدبيبة وحكومة أسامة حماد الموازية في بنغازي.

وقال المصرف المركزي “إن جهة مجهولة اختطفت مدير تقنية المعلومات مصعب مسلّم من أمام محل سكناه بحي الأندلس وسط العاصمة طرابلس صباح الأحد”، مؤكدا أنه لن يستأنف العمل حتى يتم الإفراج عن الموظف وإعادته إلى أسرته سالما وإيقاف مثل هذه الممارسات.

وأضاف أنه يرفض هذه الأساليب الغوغائية التي تمارسها بعض الأطراف خارج إطار القانون والتي تهدد سلامة موظفيه واستمرار عمل القطاع المصرفي.

وبحسب أوساط من داخل المصرف تلقى عدد من كبار الموظفين تهديدات بالاختطاف من جهات مجهولة، وهو ما ربطه مراقبون بمحاولة السيطرة على المصرف من قبل جهات مقربة من رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة نجحت في جر المجلس الرئاسي إلى تصادم مباشر مع مجلس النواب.

وقبل ساعات من عملية الاختطاف أكد مجلس النواب أنه تابع محاولات عدد من الأشخاص السيطرة على مصرف ليبيا المركزي خلال اليومين الماضيين بدأت بالتحريض على اقتحام مقر المصرف ثم محاولة إيجاد مبرر لعزل محافظ المصرف المركزي بالقوة والتهديد، بحجة أن مجلس النواب سبق له اتخاذ قرار بتكليف محافظ جديد.

وسبق لمجلس النواب أن أقال الصديق الكبير مرة بسبب انتهاء ولايته في 2015 ومرة أخرى بسبب اتهامات له بدعم تيار الإسلام السياسي سنة 2019.

وأشار مجلس النواب إلى أنه يرفض رفضا قاطعا هذه التصرفات، ويطالب النائب العام بالتصدي لها واتخاذ كافة الإجراءات القانونية لحماية مصرف ليبيا المركزي، مصرف كل الليبيين ومستودع ثرواتهم، من العبث. وهي مسؤولية وطنية وأخلاقية قبل أن تكون قانونية واجبة.

ودعا مجلس النواب بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى اتخاذ موقف واضح وجاد ضد هذه المحاولات العبثية وإحاطة مجلس الأمن بالمخاطر التي تهدد مصرف ليبيا المركزي.

وقررت هيئة رئاسة مجلس النواب “استمرار العمل بالقرار رقم (25) لسنة 2023، الذي يفوض باختصاصات وتكليف كل من الصديق عمر الكبير محافظا للمصرف، ومرعي مفتاح رحيل البرعصي نائبا للمحافظ”.

 

◄ بعد محاولة الهجوم على مقر المصرف قبل أيام من قبل جماعات مسلحة في طرابلس، أعلن الأحد تعليق كافة أعماله وإداراته ومنظوماته بسبب اختطاف أحد مسؤوليه الإداريين

وأشارت الهيئة “إلى إنهاء القرار السابق الذي قضى بتكليف محمد عبدالسلام الشكري محافظا لمصرف ليبيا المركزي، وذلك لمضي المدة المحددة دون مباشرته لعمله”.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن المجلس الرئاسي كان يستعد لإصدار قرار بعزل محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير استنادا إلى قرار سبق وأن أصدره مجلس النواب منذ ست سنوات، وكان هناك اتجاه للدفع بجماعات مسلحة موالية للدبيبة إلى اقتحام مقر المصرف والسيطرة عليه.

وبحسب مراقبين، فإن العواصم الغربية وعلى رأسها واشنطن تراقب عن كثب محاولات الدبيبة الإطاحة بمحافظ مصرف ليبيا المركزي، وتبدو أقرب إلى موقف سلطات شرق ليبيا الداعمة للصديق الكبير الذي كان قد أكد أن المصرف يتعرض لتهديدات متزايدة تطال أمنه وسلامة موظفيه وأنظمته، فيما حذر المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند من “محاولة استبدال المحافظ بالقوة”.

وأكد نورلاند أن “النزاعات حول توزيع ثروات ليبيا يجب أن تحل من خلال مفاوضات شفافة وشاملة نحو تحقيق ميزانية موحدة تعتمد على التوافق”.

وأفادت تقارير محلية بأن المجلس الرئاسي كان بصدد تنفيذ خطة أعدتها حكومة الدبيبة للإطاحة بالكبير، وإحالة تقرير المراجعة الدولية على حسابات مصرف ليبيا المركزي إلى مكتب النائب العام بشأن المخالفات الجسيمة المرصودة، والذي تضمن الحديث عن الفشل في الكشف عن مصير ما قيمته 4.8 مليار دولار من العملة المحلية، بعد طباعتها في شركة بريطانية لسك العملة، ما يثير تساؤلات كثيرة حول مصير تلك الأموال.

ورأى حراك 17 فبراير أن محاولة الاعتداء على مصرف ليبيا المركزي لن تؤدي فقط إلى تقسيمه مجددًا، بل ستفتح الباب واسعًا أمام تكرار الانهيارات التي شهدتها ليبيا خلال السنوات الماضية. وأضاف الحراك أن خزائن الدولة، التي تعد المصدر الأساسي لضمان استمرارية الحكومة ودعم الاقتصاد الوطني، ستكون عرضة للنهب والتفريغ، ما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وإفراغ البلاد من مواردها الأساسية.

وشدد الحراك على أن أي محاولة للمساس بمصرف ليبيا المركزي ستقابل بزخم شعبي عارم، يهدف إلى حماية مقدرات الدولة ومنع تدميرها. فالليبيون، الذين عانوا طويلاً من ويلات الحروب والصراعات، لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام تهديد جديد يُعرض مستقبلهم للخطر. ويضيف الحراك أن هذا الزخم الشعبي سيكون حاسما في صد أي محاولة للاعتداء على المصرف المركزي، مؤكدًا أن الليبيين لن يسمحوا بتكرار المآسي التي عاشوها في الماضي.

1