الفن الإسلامي تاريخ ثقافي عريق وهوية راسخة

مؤسسة "أدب" السعودية تحتفي باليوم العالمي للفن الإسلامي باعتباره يمثل حضارة عريقة تفاعلت مع مختلف الحضارات الأخرى وأنتجت إبداعات خالدة في مجالات شتى.
الأربعاء 2020/11/18
فن متكامل خارج من عمق الثقافة العربية

في كل بلاد كان يصلها الإسلام، كان يتفاعل مع حضاراتها، فيأخذ منها ويعطي، فتكونت بذلك حضارة جديدة عُرفت بالحضارة الإسلامية، وتنوعت في هذه الحضارة أنواع الفن الإسلامي النابع من قوانين اجتماعية ومن رؤى جمالية خاصة بكل قطر. ويعتبر الفن الإسلامي هوية ثقافية عريقة وهو ما دفع إلى تخصيص يوم عالمي للاحتفاء بهذا الفن.

الرياض – يُطبق تعبير “فن الإسلام” أو “الفن الإسلامي” على الإنتاج الفني الذي وقع منذ هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عام 622 ميلادي، وحتى القرن التاسع عشر في منطقة تمتد من إسبانيا إلى الهند.

وكانت للفن الإسلامي مجموعة من المبادئ الفكرية المستنبطة في غالبها من العقيدة الإسلامية ومن مبادئ العبادة وصورها، وتظهر انعكاسات العقيدة وما يتعلق بها من أحكام وأفكار على سلوك الفنان المسلم ونتاجه، وهو ما يعطي الفن الإسلامي خصوصيته مقارنة بالفنون الأخرى.

تاريخ الفن وأنواعه

مرّ تاريخ الفنّ الإسلامي بكثير من المراحل التاريخيّة، منذ القرن السابع إلى القرن التاسع الميلادي، وقد تطور هذا الفنّ خاصة في فترة الحكم الأموي، وذلك بسبب إدخال مفاهيم جديدة، وقد كان واضحا في بناء مسجد قبّة الصخرة بمدينة القدس، والذي يُعدّ من أهمّ المباني في الفنّ الإسلامي.

أما في العصر العباسي فقد تجلّى الفنّ الإسلامي في بناء العواصم، وذلك في بناء المدينة على شكل مدور، وبناء المسجد في وسطها، وصنع الأثاث من الجص الذي ساهم في نقش الزخارف وغيرها.

وتمثَّل الفن الإسلامي من القرن التاسع إلى القرن الخامس عشر في المغرب وإسبانيا بالفنّ المعماري الخاص بهما بأشكال الأقواس النصف دائريّة والمستوحاة من النماذج القوطيّة والرومانيّة، وقد ظهر ذلك في بناء الجامع الكبير بمدينة قرطبة، ومسجد باب الردوم، ومدينة الزهراء، وقصر الحمراء، كما استعملوا العاج في صنع الصناديق، وعلب المجوهرات المنقوشة، كما صنعت التماثيل الثلاثيّة الأبعاد، وصنعت الأقمشة الحريريّة كما يُعتبر منبر مسجد الكتبية مثالا على ذلك، وامتلكت البلاد ثقافة واسعة، مثل الجامعات الكبرى التي قامت بتعليم الفلسفة والعلوم المتنوعة.

ونجد فنّ العمارة الإسلاميّة بالمغرب واضحا في بناء المساجد، ولكن تم تدمير عدد كبير من الآثار والتحف الإسلامية بسبب ما مرّ به المغرب من حروب ودمار للفنّ الإسلامي؛ أما في سوريا ومصر فكانت الدولتان تحت حُكم السلالة الفاطميّة التي أعطت في هذا العصر أهميّة كبيرة لفنّ العمارة.

أما عن الفنّ الإسلامي في آسيا الصغرى وإيران فكان أكثر حضورا، لأن كل دولة تُحاول أن تُثبت نفسها بفنها، فقد تم إنشاء مُدن كُبرى مثل غزنة، ونيسابور، والجامع الكبير في مدينة أصفهان، كما شهدت العمارة الجنائزيّة تطوّرا كبيرا، وصنع الكثير من القطع الفنيّة المزخرفة والمزينة.

كما ظهر الفنّ الإسلامي خاصة في القبب الذهبيّة وقد تأثر بالصين، وقد كانت حرفة صناعة المصوغ المستوحاة من الحضارة الصينيّة متطوّرة كثيرا، وهناك أيضا الفنّ الإسلامي في الأناضول؛ وهو الذي كان ذا هندسة معماريّة مستوحاة من الأنماط الإيرانيّة، وكان نصيب الخشب أكثر في فنهم، ومثال على فنهم المعماري مسجد تبريز الأزرق والقباب، واستعمال الخزف. كما نجد أيضا من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر فن الإمبراطورية العثمانية.

وهناك أيضا المغول حيث كانت آثار الفن الإسلامي واضحة في تاج محل الذي يُعد أهم آثار هذا العصر، كما كان لفنّ صناعة المصوغ، والحجارة الكريمة دور بارز وكبير في هذا العصر، كما ظهر فن النحت على العاج.

الفن الإسلامي يتميز بمبادئه والتي تتلخص بداية في التوحيد
الفن الإسلامي يتميز بمبادئه والتي تتلخص بداية في التوحيد

ويتميز الفن الإسلامي بمبادئه والتي تتلخص بداية في التوحيد، حيث يؤكد من خلال ذلك على الصورة التجريدية للفن، في إطار تنزيه الصورة الإلهية عن كل شبه وكل تورية، ثم مبدأ التوازن والمقصود به التوازن بين المشيئة الإلهية المطلقة والمشيئة الإنسانية المحدودة وبين عبودية الإنسان لله ومقام الإنسان في الكون، ثالث مبدأ هو الاستقامة، وقد شكل مفهوم الاستقامة الذي يطبق تعاليم الشريعة ولا يحيد عنها، وقد تعددت أنواع الفن الإسلامي وأشكاله، فأصبح أسلوبا في التعبير عن الأفكار.

ومن أنواع الفن الإسلامي نجد الفنون التطبيقية وهي تلك التي دخلت بوصفها عملية تجميلية لحوائج حياة الإِنسان اليومية كالخزف والزجاج والنسيج والسجاد والزخرفة الخشبية، وهي مما يستعمله الإنسان في شتى أموره، من لباس وفرش وأدوات طعام وشراب، وصناديق لحفظ الحاجات، وهذا النوع من الفنون يعد في مقدمة أنواع الفن الإسلامي، فهو أساس في تجميل كل ما له صلة بالإِنسان من متاع.

كما نجد فن الخزف حيث تعدّ الزخرفة الخزفية أبرز أنواع الفن الإسلامي، والتحف الخزفية الإِسلامية في مقدمة تحف الفن الإِسلامي، تأتي بعدها فنون صناعة الزجاج، وهي صناعة قديمة في سوريا ومصر، بلغت قمتها في هذين البلدين في القرن السادس هجري.

ومن الفنون الإسلامية كذلك نجد فن الزخرفة الخشبية، حيث كانت مادة الخشب مجالا لعمليات تجميلية متنوعة، سادت في كثير من البلدان الإِسلامية، وكان الحفر على الخشب أحد هذه الأساليب التجميلية، كما استعملت الحشوات للحصول على أشكال هندسية متنوعة في مقدمتها المضلعات المنبثقة من أشكال نجمية.

ونذكر كذلك فن النسيج والسجاد، فقد أنشأت بعض الدول المسلمة دورا خاصة تشرف عليها الدولة، مهمتها إنتاج الملابس لبيت الخلافة، وقد أطلق على هذه الدور اسم دور الطراز، وقد خصص ابن خلدون في مقدمته فصلا تحت هذا العنوان بيّن فيه مهمة هذه الدار وقرب المسؤول عنها من الخليفة، كما بين أن وجودها ارتبط بعهود الرفاهية.

ونجد كذلك فن التجليد الذي ارتبط بداية بعملية تجميلية لكتاب القرآن، ثم تطور ليصبح صناعة فنية خاصة بالكتب.

ومن أبرز الفنون الإسلامية نجد فن العمارة، وقد بدأت العمارة الإسلامية من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدت ملامح المدينة العمرانية والمعمارية، بدءا من عمارة مسجده ومسكنه والسوق ومصلى العيد إلى التحصين الحربي للمدينة. وبذلك بدأت العمارة الإسلامية تبرز كأحد أنواع الفن الإسلامي.

وقد تطور هذا الفن لاحقا باحتكاك المعماريين بالتقاليد الموروثة، وأحكام الدين الإسلامي، وبالخبرات المعمارية واحتياجات المجتمع، حتى ظهر ما يعرف “بفقه العمارة الإسلامية”، الذي يقوم على تحديد طرز العمارة الإسلامية، والاحتكام إلى قواعد العمارة، مثل: حق الجوار، حق الهواء، وغيرها من القوانين الاجتماعية. ومن عناصر العمارة الرئيسية التي انعكس فيها فن العمارة بوصفه نوعا من أنواع الفن الإسلامي: المسجد الجامع، والمدارس، والبيمارستانات، والحمامات، والقلاع والأسوار.

أما أهم الفنون الإسلامية فكان فنا الخط والأدب، وقد ظهرت الحاجة إلى استعمال الخط العربي ومعرفة الكتابة بظهور الإسلام والحاجة إلى كتابة القرآن، ومن ثم تحوّل الخط إلى فن، حتى عرفت الخطوط العربية بوصفها أحد أنواع الفن الإسلامي، فكانت أول أنواع الخط العربي التي ظهرت الخط المكي، ثم تطورت صناعة الخط وأصبحت تسمى باسم المدينة التي برز فيها، كالخط المدني ثم الخط الكوفي.

أما الفنون الأدبية الكتابية، فمن أهمها الشعر والخطابة، وهي من الفنون العربية الأدبية الأولى لدى العرب حتى قبل ظهور الإسلام، ومع مجيء الإسلام، رفض الإسلام بعض موضوعات الشعر القديم مثل العصبية القبلية، وتطورت موضوعات الشعر وأساليبه ورؤاه. وظهرت العديد من الفنون الأدبية الكتابية بوصفها من أنواع الفن الإسلامي، كالرسائل الديوانية والإخوانية التي ظهرت في الأدب في العصر الأموي، وفن التوقيعات، والمقامة، والموشحات، وغيرها من الفنون التي ارتبط ذكرها بالمسلمين.

ندوة في السعودية

الندوة التي تنظمها مؤسسة أدب تبحث في علاقة الفن الإسلامي بالهوية الثقافية للجزيرة العربية، وأبعاده الثقافية المعاصرة

إيمانا بأهمية الفن الإسلامي وتزامنا مع الاحتفال باليوم العالمي للفن الإسلامي الذي يوافق 18 نوفمبر من كل عام، تُنظّم مؤسسة “أدب” السعودية ندوة افتراضية بعنوان “الفن الإسلامي.. أسئلة الهوية وآفاق الثقافة”.

وتأتي الندوة بدعم وتمكين من وزارة الثقافة السعودية، وسيتم بثها عبر المنصات الإلكترونية للمؤسسة، وذلك في تمام الساعة الثامنة من مساء الأربعاء.

وتستضيف الندوة عددا من الخبراء والمتخصصين في الفنون والآثار، وهم عضو مجلس الشورى والمستشارة في مجال التراث والفنون والثقافة الدكتورة مها السنان، والفنان راشد الشعشعي، وأستاذة تاريخ الفن ومنسقة مبادرة الدراسات الثقافية العربية والإسلامية المعاصرة في جامعة شمال تكساس بأميركا الدكتورة ندى شبوط، ورئيسة قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة جورجتاون الأميركية الدكتورة سوزان ستيتكيفيتش.

وسيتحدث المشاركون في الندوة التي يديرها الباحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية أحمد العوفي عن علاقة الفن الإسلامي بالهوية الثقافية للجزيرة العربية، وأبعاده الثقافية المعاصرة في المنصات الثقافية العالمية، إضافة إلى النقاش عن طرق توظيف الفن الإسلامي في الفن السعودي المعاصر، والعلاقة بين الفن الإسلامي والشعر العربي.

وتأتي الندوة ضمن جهود وزارة الثقافة الداعمة للفن الإسلامي وتعميق ارتباطه بالهوية الثقافية لفنون المملكة وفنانيها، كما يمثل دعمها لمؤسسة “أدب” أحد جوانب التمكين التي تقدمها الوزارة للجهات والمؤسسات السعودية الفاعلة في القطاع الثقافي المحلي، من أجل إيجاد منظومة ثقافية حيوية تتكامل فيها جهود الجميع.

14