الفنان باعتباره لصا شريفا

الفنان كائن حساس يؤثّر ويتأثّر. كلما تعمّق في فهم الفن ازدادت حاجته إلى أن يتعلّم من الآخرين ما الذي توصلوا إليه من نتائج جمالية.
الاثنين 2021/02/01
الرسام الذي لا يطوّر معارفه يصيبه التحجّر (لوحة لهنري ماتيس)

كان الفرنسي هنري ماتيس يُشبّه مَن تأثر بهم من الرسامين بالخراف فيما كان يُشبّه نفسه بالأسد. فالأسد يلتهم الخراف ويبقى أسدا.

كانت تلك قدرة استثنائية لا يتمتع بها إلّا القلة من الرسامين. غير أن ماتيس نفسه كان قد انحنى خشوعا أمام الفن الياباني حين صمّم مجموعة من الثياب اليابانية. صار يومها يابانيا. لقد حاول أن ينافس أبناء المهنة ويزجّ نفسه بينهم. وهو أمر يحتاجه الفنان لكي يختبر أدواته.

هناك من الرسامين مَن يتّجه إلى تصميم الديكور المسرحي أو يعمل في السينما، كما فعل سلفادور دالي في فيلم “كلب أندلسي” الذي ساهم في كتابة قصته إلى جانب مخرجه لويس بانويل عام 1929. كتب بابلو بيكاسو مسرحية واحدة هو الآخر.

ولكن ما علاقة كل ذلك بالخراف التي ذكرها ماتيس؟ مثلما يحتاج الرسام إلى خبرة الآخرين في الرسم فإنه يحتاج إلى الخبرة الفنية في مجالات أخرى غير الرسم، لا ليفهم ما الذي يجري هناك فحسب، بل وأيضا ليتأثّر بالتجربة وليكتسب خبرة مضافة.

وكل ذلك يقع في إطار المسعى المعرفي. فمن غير أن يطوّر الرسام معارفه فإن عالمه سيضيق وينكمش، بل ويتحجّر.

ليس المطلوب من كل الرسامين أن يكتبوا القصائد والمسرحيات والأفلام فتلك موهبة لا يملكها الجميع، غير أن المطلوب أن يكون الرسام مطلعا على كل الفنون المجاورة ليتأثّر بها وتكون مصدر إلهام وإيحاء له في معالجاته البصرية.

لقد سعى ماتيس إلى أن ينظر بعيني مصمّم الأزياء الياباني ليكتشف عالما ما كان قادرا على اكتشافه لولا أنه غامر بالقيام بعمل لا يقع تقليديا ضمن اختصاصه. وكما هو معروف فإن الخبرة لا تأتي إلّا عن طريق تعميق المعارف وتوسيعها.

الفنان كائن حساس يؤثّر ويتأثّر. كلما تعمّق في فهم الفن ازدادت حاجته إلى أن يتعلّم من الآخرين ما الذي توصلوا إليه من نتائج جمالية. ماتيس نفسه كان يُخفي رسومه الجديدة حين كان صديقه بيكاسو يزوره. فهو يعرف أن ذلك الإسباني النهم سريع التأثّر. تلك عادة ليست سيئة إذا ما عرف الرسام كيف يحتوي التأثيرات ويحوّل أصحابها إلى خراف.

16