الفنان التشكيلي الليبي علي المنتصر: يشغلني الكائن البشري في لوحاتي

الفنان التشكيلي الليبي أستمد مشروعه الفني منذ بداياته الأولى من مأساة إنسان هذا الزمن، مأساة كائن حشر داخل قفص غير مرئي في معركة غير عادلة.
الاثنين 2019/08/26
الإنسان هو الملحمة الكبرى لفكرة الحياة والموت

مع تغير الظروف في بعض الدول العربية مثل ليبيا وسوريا والعراق وغيرها من البلدان التي تعرف موجات من العنف، فإن أول من يتأثر هو المثقف والمبدع والفنان، حيث غادر أغلب هؤلاء أوطانهم مخيرين الهجرة واللجوء، لكن البعض الآخر بقي مؤمنا بدور المثقف والفنان المحوري في بيئته لذا فضّل البقاء رغم المصاعب والظروف الصعبة. من هؤلاء المبدع الليبي علي المنتصر الذي بقي في ليبيا رغم الوضع القائم فيها، وفتح منزله مرسما ومعرضا له. “العرب” التقت الفنان في حوار حول واقع الفن التشكيلي وتجربته الخاصة.

رغم تداعيات الحرب والفوضى الليبية يحوّل التشكيلي علي المنتصر بيته في مدينة طرابلس إلى معرض فني دائم لمسيرة تشكيلية تجاوز عمرها الثلاثة عقود، ويلفت المنتصر إلى أنه منذ بداياته الأولى كفنان كانت فكرة الاعتماد الكلي على الذات تمثل أسلوب حياة، من خلالها استطاع بناء تجربته الشخصية الخاصة كفنان يبحث عن رؤية جمالية معاصرة ذات خصوصية لمشروعه الفني، في غياب شبه تام لكل أشكال الحراك الثقافي بالمجتمع، كان لها أثر كبير في تداعيات الحيرة على كيفية التعامل والتحرك كفنان تشكيلي داخل مجتمع، الثقافة والإبداع آخر اهتماماته.

ويقول المنتصر إنه “بين مطرقة السفر وترك المكان جاء القرار الحاسم بالعدول عن فكرة الابتعاد وترك المكان. بل العودة وبقوة إلى الداخل بشكل أكثر عمقا في اتجاه صنع كيان خاص لدعم مشروع فنان يؤمن بأن الفن تنمية ذاتية تساهم في الارتقاء بالمجتمع إلى صورته الحضارية، في 18ـ8ـ 2016 أعلنت افتتاح مشروعي الخاص؛ قاعة علي المنتصر للفنون. هي فكرة طموحة أساهم من خلالها في دعم المشهد التشكيلي ببلادنا”.

حياة معاصرة

يقول التشكيلي علي المنتصر “أستمد أفكار لوحاتي من إفرازات الحياة المعاصرة وانعكاساتها السلبية والضريبة الباهظة التي تدفع باسم الحضارة، جعلت من المشاعر الإنسانية معلبة في برادات التقنية والعوالم الافتراضية داخل عالم جديد جعلت منه قرية كونية تقلص فيها الوقت وزاد من غربة الفرد وعزلته. أستمد مشروعي الفني منذ بداياته الأولى من مأساة إنسان هذا الزمن. مأساة كائن حشر داخل قفص غير مرئي في معركة غير عادلة، تحت اسم الحضارة والتقدم”.

الفن خطاب جمالي وإنساني شامل ومادة حرة ترصد المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع

وحول مجموعة الإنسان المعاصر التي تميزت بالقلق والعزلة والقسوة. يشير الفنان إلى أن “الإنسان مركز الكون وهو الملحمة الكبرى لفكرة الحياة والموت. يشغلني كثيرا هذا الكائن الذي يعبث بأساسياته من أجل كمالياته. فهو دائم الحيرة والقلق وفي حالة لهاث دائم خلف بريق الحياة المعاصرة التي وضعته داخل سجن شديد الأحكام صنعه لنفسه، ليكون هو الضحية والجاني في نفس الوقت. كل هذه المفارقات جعلت من الإنسان المعاصر مركز وجوهر جل أعمالي الفنية التي اشتغلت عليها ضمن مشروعي الفني منذ بداياتي الأولى في ممارسة العمل الإبداعي”.

وهنا نسأله عن مدى تعمده التخلي عن الكائن البشري في لوحته “حركة وصمت”، فيقول “جاءت مرحلة الأعمدة والسلالم كانعطاف في فكرة طرح وتقديم الرؤية الفنية عن المراحل السابقة، في غياب تام للشكل البشري الذي كان يمثل محور وجوهر كل المراحل السابقة. في محاولة لإخفاء ملامح ذلك الكائن ككتلة مادية ملموسة بصريا داخل اللوحة، وتسليط الضوء على إبراز نتائج ذلك الفعل البشري في صناعة القبح”.

يرفض ضيفنا تأطير الفن بمفاهيم أكبر مما يحتمل كأن ينظر إلى الفن التشكيلي على أنه يجب أن يكون مكرسا للواقع السياسي، ويوضح “في الدول المتقدمة يقف رجال السياسة في الصفوف الأولى عند الإعلان عن افتتاح متحف أو إقامة معرض فني، فالكل على يقين بأن الفن مادة حرة ترصد المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع. الفن له خطاب جمالي وإنساني شامل، لا يمكن تحديد وحصر دوره في اتجاه محدد. إن قوة الفن تكمن في تحرره من كل أشكال التأطير التي تحدّ وتحدد مساره والرسالة السامية التي جعلت من الفن قوة إنسانية شاملة”.

الفنان الليبي

فن يشتبك مع واقع دموي
فن يشتبك مع واقع دموي

يقول علي المنتصر “الفنان مرآة لعصره، يرصد ملامح زمنه ولا بد أن يكون فاعلا فيه. فالوعي والثقافة وكذلك الإحساس المدرك بالزمن يمثل قوة العمل الإبداعي لدى الفنان منها يستطيع صنع رؤيته الخاصة نحو تقديم عمل فني يحمل اهتزازات زمنه. الغياب والصمت الإبداعي التام للفنان الليبي في عدم قدرته على رصد ومجاراة المشهد القاتم الذي تمر به بلادنا، من فرقة وتمزق بين أبناء الشعب الواحد، يفتحان له باب الحيرة والتساؤل عن الدور الحقيقي الغائب، الذي يقدمه الفنان كمساهم في رصد مجريات واقع المجتمع وتوثيق مرحلة هامة في تاريخ ليبيا ما بعد الحرب”.

تتنوع الرؤية الفنية في لوحات المنتصر مثل لوحات الصراخ والموسيقيين والسلالم والمصابيح. كل سلسلة من هذه اللوحات تحفل بزخم فلسفي. نسأله هل استطاعت هذه السلاسل أن تجيب على أسئلة الفن والحياة. فيجيبنا “على امتداد ممارستي الفنية كنت أقوم بالعمل على مجموعة من الأعمال الفنية، تنفذ بخامة موحدة، ويجمع بينها موضوع محدد لتحمل في طياتها الكثير من الأسئلة المفتوحة للبحث والتأمل. ثم أتوقف لمراجعة ما أنجزت وأعود لرسم مجموعة أخرى تستمد قوتها من مدى حجم السؤال الذي تركته المراحل السابقة. السؤال طاقة متمددة لدى الفنان ومادة أساسية في بناء مفردات اللوحة للمبدع الباحث عن معنى للفن والحياة عبر الرسم”.

وفي الختام يشير الفنان علي المنتصر إلى أن ليبيا لم تكن فيها حركة تشكيلية بالمعنى الصحيح لكلمة “حركة”، والصحيح أن هناك اجتهادا فرديا يمثله الفنان التشكيلي الذي يأخذ على عاتقه أدوارا أخرى تبطئ من دوره الأساسي كفنان منتج للعمل الإبداعي. فإصدار المراجع من كتب وصحف ومجلات متخصصة وغيرها ترصد وتوثق الحركة التشكيلية، دور كبير منه يتبع للجهات المعنية بذلك من مؤسسات عامة قادرة اقتصاديا، وواعية كذلك بدورها تجاه نشر الوعي الثقافي في المجتمع.

15