الفنانة سماء يحيى تكتشف عالما آخر سرّيا مليئا بأحلام الأنوثة

القاهرة- في تجربة جديدة تحتفي الفنانة المصرية سماء يحيى بافتتاح معرضين في وقت واحد الأول بعنوان “بلد المحبوب” والثاني “حكاوي القهاوي”، وذلك يوم الأحد 6 ديسمبر في تمام السابعة مساء بأتيليه القاهرة وبحضور لفيف من المدعوين، فنانين ونقادا وجمهورا.
وعن عرضيها الجديدين تقول سماء يحيى “العرض الجديد ليس نوستالجيا ولا حنينا للماضي هو حالة من التفاعل مع ظواهر وأشياء كانت تشكل جزءا من حياتنا، المقهى كان وما يزال جزءا من ثقافة الشعب المصري منذ ‘مقهى متاتيا’ التي شهدت محاضرات جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وسعد زغلول”.
وتضيف “الآن تأتي الكورونا ومن قبلها غزو الكافيهات والتكنولوجيا لتقضي رويدا رويدا على ثقافة المقهى، كما حدث من قبل مع البيوت التي أصبحت تمتلئ بالبلاستيك وكماليات لا ضرورة لها، أحاول خلق عالمين أستعيد بهما الحياة خارج المنزل في عالم كان مقصورا على الرجال بما يهمّهم وما كان يشغلهم ويدور في أذهانهم، عالم مكشوف مفتوح وعالم آخر سري مليء بأحلام الأنوثة وعبق ودفء البيوت خلف الشبابيك والأبواب، ‘حكاوي القهاوي’ و’بلد المحبوب’ هما رُؤيتي لمصر التي أحبها في لحظة راحة واسترخاء بعد يوم عمل شاق بعبقها وخصوصيتها”.
وكتب الناقد الفني جمال القصاص عن الفنانة سماء يحيى أنها “لا تكف في معارضها وأعمالها عن التجريب وإطلاق طاقة المغامرة، ويبدو الفن في نظرها حزمة من الأفكار والرؤى والابتكارات، تشكل حالة من الحوار الدائم بين ثقافات وتراثات متنوعة، ما يجعلنا أمام فنانة مشغولة بـ’النظرة العملية للفن’، فالشكل لديها لا يستوي في اللوحة من تلقاء نفسه، وإنما بقدرته على خلق نافذة للحوار مع كل هذه الأفكار على مستويي الرؤية والمضمون معا”.
ويضيف القصاص “تمارس يحيى التصوير والنحت واللعب على مفردات مهمّشة ومهملة هي في جوهرها مجرد فتات وبقايا لحيوات كامنة في الماضي، ابنة البيئة المصرية بوجدانها وطبقاتها الشعبية الخصبة، والتي لا يزال عبقها يومض في الذاكرة، كأنه وعاء لحنين قادر على أن يجدد نفسه في اللوحة ويمنحها فرصة لابتكار صيغ وأساليب وحلول فنية تدفع إلى التطوير وإعادة النظر في ما كان، وما يمكن أن يكون”.
وفي معرضيها هذين “بلد المحبوب” و”حكاوي القهاوي” يبرز هم خاص بخيوط الوصل والقطع مع تجاربها السابقة، فكلا المعرضين يشكل خلفية للآخر، ما يعني أن نقطة التحول في التجربة ليست عشوائية، وإنما هي ابنة ضرورة، يفرضها الهم بالفن والانغماس في مخاطرته الأبعد، حيث يخرج الرسم من الإطار، لتتسع الرؤية في علاقات متجاورة ومتقاطعة، يكتمل وضوحها وتميّزها في اللوحة.
الصورة لا تعيش كمعطى بصري، يترك آثاره الخاطفة في الذاكرة، فحسب، وإنما بقدرتها على أن تكون عنصرا محفزا لتوليد أشكال أخرى وبخامات متنوعة، ربما أقل هدوءا وصخبا، وبحرفية بكر لا تخلو من طزاجة فنية.
لا تخطئ عين الرائي حضور التشكيلية سماء يحيى كصاحبة بصمة خاصة في حركة التشكيل الحديثة بمصر، وكواحدة من أبرز المتفاعلين مع الروافد الفنية المصرية بجذورها الفرعونية وطقوسها الشعبية وتمثلاتها الأنثوية بالمفهوم الأعمّ؛ الأرحب من أيقونة المرأة.
وكتب الناقد المصري شريف الشافعي عن سماء يحيى، معتبرا أنها من خلال جل أعمالها تسعى الفنانة في كل مرة إلى إثارة أسئلة كثيرة، وتفجر قضايا فكرية وثقافية وفنية عديدة على صعيد مشروع الحداثة وارتباطه بالموروث الجمالي، كما أنها تفتح الباب على مصراعيه أمام قضية تثوير هذا الموروث، وتقديمه مواكبا ومتفاعلا مع العصر دون تشويهه، ودون تقليده في آن معا.
وتتجلى وتتعدد رموز الأنثى في أعمال يحيى، وقد يتسع مجال التأويل لتتجاوز الأنوثة محدودية المرأة، فتحضر أنوثة الطبيعة وأنوثة المكان وأنوثة الكون كاملا، وهو ما نراه في معرضيها الأخيرين رغما اختلافهما عن معارضها السابقة.
وغالبا تحضر ثيمة المرأة وعناصر الأنوثة وهما متكررتان في أعمال سماء يحيى التي تقول “عيون النساء في أعمالي مرايا لحالاتهن الداخلية، فهن يحكين بعيونهن قصصهن الأزلية المتجددة من حزن وفرح وألم وأمل، الأنوثة ليست فقط في المرأة، فمراكبي مثلا إشارة إلى الأنثى، وحتى العرائس أيضا بكل أشكالها تحمل ما يختلج بصدور النساء. الأنوثة حالة وليست شكلا”.
وتحضر العرائس الخشبية في هذا المعرض على غرار معارض سابقة للفنانة، وتشير يحيى في حوار سابق مع “العرب” إلى أن اهتمامها بالعرائس الخشبية جاء وليد الصدفة، فبينما كانت منهمكة في مشروع الخيامية ظهرت أمامها عروق الخشب الخاصة بسقف بيت جدها، ورأت فيها عرائس تنظر إليها، فما كان منها إلا أن جمعتها وأخرجت العروسة منها وأضافت لها كل ما يمكن أن يتعلق ببيت أو باب قديم من ترابيس وأقفال ومفاتيح وغيرها، لتكون هي حليات العروس.
وعن تلك التجربة بصحبة “العرائس” تستطرد يحيى قائلة “الفكرة التي استحوذت عليّ في تلك اللحظة لم تكن عمل تمثال، وإنما عمل عروستي الخاصة، لعبتي المتفردة، لتتطور الفكرة من تلقاء نفسها وتصبح مجموعة عرائس متنوعة الأشكال والأحجام والتراكيب”.
وفي أعمال سماء يحيى تتعايش العناصر كلها، القديمة والحديثة، في تكوين فني جديد متكامل. وللفنانة يحيى نظرة خاصة إلى “العالمية”، فهي لا ترى مفهومها بمعنى السفر للخارج وعرض لوحات “على جدار الخواجة”، بل إن العالمية الحقيقية “هي إغراق في المحلية وتمسّك بالهوية وليست نقلا عما ينتجه الخواجة ومسخا له دون أساس أو فلسفة، والفن الأصيل هو ما يبقى ويصل بخصوصيته إلى الآخر دون وسيط”.