الفلسطينية سامية الزرو تكرّس أعمالها التركيبية للدفاع عن الهوية

عمان – تمتد تجربة الفنانة الفلسطينية سامية الزرو على مدار أكثر من ستة عقود من الاشتغال في الفن رسما ونحتا وتركيبا، باستخدام مواد تتنوع بين الأصباغ والألوان المائية والزيتية والأكريليك والخشب والمعادن والأقمشة.
ومن سمات تجربة الزرو، أنها تارة تستخدم هذه المواد منفردة، وتارة أخرى تجمع بينها في عمل واحد، فيجد المشاهد نفسه أمام مشهد يمتلئ بالضجيج والصخب جراء تداخل كل تلك المواد معا، وكأنها تدق نواقيس الأفكار وتنثر المعاني.
في جداريات الزرو المنفذة على القماش بالألوان، تتشابك الخطوط والتشكيلات الفنية على سطح اللوحة، وتبرز الرموز التي تعبر عن موضوع الهوية، ويتضح ذلك أكثر في اللوحات التي تستثمر فيها الفنانة الحرف العربي والكتابة، أو تستقي موضوعاتها من أجواء الفن الشعبي وما ورد في سيره من أسماء وشخصيات وأبطال على غرار أبي زيد المهلهل وعنترة بن شداد.
ومن بين الرموز التي تستخدمها الفنانة في أعمالها، تبرز الخيمة التي تحيل إلى لجوء الفلسطينيين بعد تعرضهم للتهجير القسري. كما تربط الفنانة الخيمة بالحجر بوصفه أداة مقاومة تشير إلى انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد المحتل.
وتشكل أعمال الزرو التي عرضت في العديد من الصالات والمؤسسات ودور العرض، تحت عنوان “خيام وحجارة”، نقلة نوعية في مجال الأعمال الفنية البصرية والتركيبية، التي حملت عناوين تدلّ على التمسك بالهوية والأرض، وحق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى وطنه، ومن هذه العناوين نذكر “من أجل كل ذلك نطق الحجر”، “نطالب بحياة شريفة”، “نطالب بحقوقنا ولا نهدد حقوق الآخرين”.
كما تضمنت أعمالها تركيبات مستوحاة من الخيام التي جاءت بها من مكاتب وكالة الغوث الدولية، لترمز إلى الخيام التي لجأ إليها أهل فلسطين بعد إجبارهم على ترك أراضيهم.
وغالبا ما تغلف الزرو أعمالها بلغة فنية عصرية تعبر عن الراهن عبر تقنيات الكولاج، كما في أعمالها التي تناولت مدينة القدس وبيت المقدس وركزت فيها على إبراز ما تتمتع به المدينة من جماليات في هندسة المعمار والزخارف والأزياء والرموز الشعبية.
وتشكل مدينة القدس مجالا ثريا لأعمال الزرو الفنية، وبخاصة في لوحاتها التجريدية التي تتراكب فيها الرموز والتشكيلات والقباب والشوارع ضمن طبقات لونية غنية بصريا. وهي تجمع فيها تدرجات الأحمر والأزرق والأصفر والأسود والأبيض، وتوزعها على السطح أشكالا هندسية متناسلة ومكررة تذكر بتكرار الزخارف، فيبرز المثلث والدائرة ونصف الدائرة والمربع.

تتقصّد الفنانة، التي تحمل شهادة في الفن من الجامعة الأميركية ببيروت 1957، أن تكون أعمالها التركيبية كبيرة الحجم بهدف أن تكون واضحة للجمهور، وليس فقط لمن يرتاد صالة عرض أو متحف، بل حتى لعابر السبيل في الطرقات، وهي تجيد جذب النظر إلى العمل الذي تنجزه بيد اعتادت النحت والتصميم، وعرفت كيف تتعامل مع الخامات والألوان والأشكال المختلفة، إلى جانب اهتمامها بالفنون اليدوية وتوظيفها لخدمة الفكرة الفنية وتعزيزها.
وتعدّ الزرو التي واصلت دراستها في مجال الفن في جامعة كوركورن بواشنطن، من رواد ما اصطلح على تسميته “فن الشارع”، وهي من الفنانين الذين يؤمنون بأن على العمل الفني أن يكون جزءا من بيئته ومعبرا عنها، ويرفضون أن يكون الفن غريبا أو مستوردا أو بعيدا عن اهتمامات الناس وقضاياهم. وتنبع تلك الرؤية من أساس هو، أن الفن هو الذي يسجل حقيقة التاريخ ومجرياته منذ عصر الكهوف.
ترى الزرو، صاحبة منحوتة “العائلة” التي تعد أول منحوتة في الأردن، أن الفن يمثل أسلوب حياة، لذا ليس من المستغرب أن تتحول حديقة منزلها إلى متحف لأعمالها الإنشائية النحتية، وكذلك الحال بالنسبة إلى جدران منزلها الداخلية. وهي رغم تنوعها إلا أنها تعبر عن قضية أساسية هي الهوية التي طالما شغلت بالها وهي المولودة في فلسطين عام 1938.
يشار إلى أن الزرو رائدة في استخدام أسلوب الإنشاءات الفنية المركبة على مساحات تصل إلى 1000 متر مربع، وقد عرضت أعمالها في العديد من المتاحف، مثل: المتحف الوطني للفنون الجميلة، ومتحف الفن العراقي الحديث، ومتحف سيمي فالي في كاليفورنيا، ومتحف النساء في واشنطن، ومتحف الفاتيكان في روما، ومتحف الفن الحديث في موسكو.