الفكر المتطرف يقتنص فرصة الانتشار من منابر مصرية تحارب الإرهاب

القاهرة - توالت ردود الفعل السلبية على الإعلامي عماد أديب، منذ الحوار التلفزيوني الذي أجراه مع عضو بتنظيم “أنصار الإسلام” الموالي للقاعدة، قبل أيام، وتصاعد الجدل حول منح الإرهابيين منصة لنشر أفكارهم، والتأثير على الجمهور.
وعلى مدى أيام، استغل مؤيدو الفكر المتطرف، الحوار مع عبدالرحيم المسماري، الناجي الوحيد من الخلية الإرهابية في عملية الواحات الشهر الماضي، لتسويق أفكاره، وإظهاره كما لو أنه أيقونة لتنظيم القاعدة والجهاديين عموما، في الرسالة التي التقطها مقاتلوه في ليبيا ومالي والجزائر والنيجر.
واضطرّ أديب إلى إجراء حوار مع جريدة الأهرام الحكومية الأحد الماضي، للردّ على الانتقادات، بعد تعرضه لحملة انتقاد واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه رسخ الانطباعات عن ضعف حجته بعد الحوار مع المسماري.
ويرى منتقدو أديب أنه بعد فترة من غيابه عاد بهذا اللقاء في برنامج “انفراد” على قناة الحياة، لتحفيز العاطفة الوطنية وإبراز مدى التمايز بين نموذج البطل الوطني الذي جسده الضابط محمد الحايس، الناجي الوحيد في هذه العملية، مقابل المتطرف عبدالرحيم المسماري، الناجي الوحيد من الخلية الإرهابية، إلا أن ردود الأفعال عكست وصول رسالة سلبية لدى الجمهور.
ويرى خبراء في مجال إعلام التنظيمات الجهادية، أن تنظيم القاعدة يعتمد في دعايته على خلق الحدث اللافت للأنظار الذي يعد بمثابة الصدمة للوعي العام، وعلى كاريزما الرموز، وإظهار ما يبذله أعضاء التنظيم على أنه تضحيات، على حدّ زعمهم.
ولعب الإعلام في مراحل مختلفة، سواء بوعي في ما يتعلق بالإعلام الموجه من قطر أو من دون وعي كما هو في مصر، دورا في خدمة الجانب الدعائي للتنظيم وفق ما خطط له، عبر بث صور تفاصيل عملياته أو صور رموزه وقادته ورسائلهم الموجهة من خلال إجراء حوارات مباشرة معهم.
من جهته، وظف تنظيم القاعدة مفهوم التضحية عبر إعلامه الخاص والإيحاء بأن المبادئ هي أداة لاجتذاب أعضاء جدد ومؤيدين، والاستفادة من الترويج لفرضية أن هناك من على استعداد لمنح ثقته فيمن يضحون باعتبارهم الأكثر صدقا وإخلاصا لمبادئهم.
|
علاوة على أنهم يعتبرون هذه الميزة سلاحهم القوي في مواجهة الحكومات، ولا تستطيع الجيوش وإعلامها كسر وهزيمة عصبة من الباحثين عن الموت، وهو مكمن القوة لهم والخلل في الإعلام الذي جعل التنظيم صامدا رغم دخوله في صراع ممتدّ مع قوى كثيرة في العالم.
هذه المحاور لم يفلح الإعلام المصري في التعامل معها ودحضها، بل بسطحية شديدة ساعد على ترسيخها، لأن غالبية مقدمي البرامج يعتمدون على الصراخ والصياح وتمجيد مآثر الحكومة دون تقديم رؤية جادة تعطي أملا للمواطنين وتؤكد أن ما يقوم به التكفيريون من الأعمال مرفوض مجتمعيا ودينيا.
ويعلل البعض من المراقبين تأثر قطاع كبير من الجمهور بالخطاب الإعلامي التكفيري، بأن التطرف صار شعار المحبطين ممن ينظرون إلى الدنيا بمنظار أسود والمسرفين في التشاؤم، من أعضاء تيار الإسلام السياسي الذي يعيش في عزلة شاملة، أو من الفئة الأكثر فقرا من الشعب.
ولم تنجح وسائل الإعلام المصرية، على كثرتها، في تفكيك خطاب المتطرفين. ونبّه محمد فتحي يونس أستاذ الإعلام إلى أخطاء يقع فيها الإعلام تجعله يروج للتطرف بغير قصد، فهو يمنح التنظيم إمكانياته وجماهيريته ليسخرهما لصالحه، فتتحقق الأهداف النهائية للمنظمات الإرهابية مع وصول رسائلها بكامل بنيتها الفكرية الحادة ومشاهدها العنيفة للجمهور.
وأوضح يونس لـ”العرب” أن الإرهابي يكسب نقاطا دون مجهود عبر توظيف أدوات غير ملحوظة بصرف النظر عن المحتوى الفكري، مثل الكلام الغامض ونبرة الصوت الخافتة. وشدد على أن هناك شريحة من الجمهور تتعاطف مع الإنسان المتمرد، وشريحة تراه مرآة لإحباطها وأخرى تراه صادق النية حتى لو أخطأ الطريق.
ويرى بعض خبراء الإعلام أنه ليس هناك ضرورة لإجراء هذا النوع من الحوارات أمام الجمهور العريض، بينما يعتقد آخرون أنها ضرورة لتفكيك الخطاب التكفيري.
ولفت يونس في تصريحاته لـ”العرب” إلى أهمية الاكتفاء بالجانب المعلوماتي، والحصول على إجابات تروي فضول المشاهد، في ما يتعلق بكيفية تنفيذ الهجمات وكيفية التسلل، أما الحوار على أرضية الدين فتترك للمختصين والمؤهلين لها. أما التركيز على الجوانب العاطفية والإنسانية فيؤدي إلى نتائج عكسية في الحوار مع الإرهابيين عبر الإعلام، فهم يلتقطون هذا البعد لتوظيفه في سياقات التمرد على الواقع الذي يصورونه أقل إنسانية.
وعادة ما يضع تنظيم القاعدة الجهات التي يحاربها في خانة الأضعف أخلاقيا، ويتعلل بأنه إذا كان التنظيم يستخدم وسائل غير مشروعة ويقوم أعضاؤه بالقتل وهم مرتاحو الضمير، فالأجهزة الأمنية تستخدم وسائل غير شرعية لحماية أنظمة معادية للدين، وكذلك الغرب لبسط هيمنته على العالم الإسلامي.
وكلها أدوات تستخدم لدغدغة المشاعر وتسويق الرسائل الخاطئة، وما لم يكن هناك إعلام جادّ يعي خطورة المعركة، فسوف يستمر المتشددون في مراكمة النقاط، وعندما يحاور الإعلامي إرهابيا دون أن يتسلح بالأفكار والمعلومات سوف يخسر مصداقيته أمام الرأي العام.