الفقر منافس غير متوقع يستعد للإطاحة بأردوغان في الانتخابات المقبلة

في وقت تهاوت فيه شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا على وقع أزمة اقتصادية خانقة، يبحث الرئيس رجب طيب أردوغان عن خيارات قانونية وسياسية تقلص حظوظ المعارضة وتضمن له البقاء في السلطة في انتخابات 2023، إلا أن ظهور الفقر كمنافس غير تقليدي قد يقلب المعادلة ويطيح به.
أنقرة - وسط أزمة اقتصادية تشهدها تركيا بسبب سياسات اقتصادية فاشلة جاءت جائحة فايروس كورونا لتزيد من تلك المشكلات، حيث بات الفقر يقض مضاجع الكثير من الأتراك، ما انعكس جليا على نسب تأييد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال بوراك بكديل المحلل التركي البارز في منتدى الشرق الأوسط بالولايات المتحدة، إنه بعد 19 عاما من الحكم المتواصل، يبدو أن الرجل الإسلامي القوي في تركيا، الرئيس أردوغان، لا يزال بلا منازع سياسيا. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد عامين ونصف العام، أظهرت أبحاث موثوقة أنه لا يزال السياسي الأكثر شعبية، حيث يأتي أقرب منافسيه إلى ما دونه بكثير في استطلاعات الرأي. لكنه يواجه الآن منافسا غير متوقع قد يطيح به.
وكشفت مؤسسة متروبول وهي مؤسسة استطلاع مستقلة للرأي مؤخرا عن أن شعبية أردوغان بلغت 31 في المئة، يليه حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي بنسبة17.4 في المئة.
وإذا أجريت الانتخابات اليوم، فإن حزب الحركة القومية، شريك أردوغان في الائتلاف القومي المتطرف، سوف يفوز بنسبة 7.2 في المئة ليصل بذلك صوت الكتلة الحكومية إلى 38.7 في المئة وسوف تفوز كتلة المعارضة، وهي تحالف هش يضم ستة أحزاب من أيديولوجيات مختلفة، بنسبة إجمالية تبلغ 36.1 في المئة.
وفي ذروة جديدة لأزمة العملة في نوفمبر كتب علي كاراهاسان أوغلو، وهو كاتب عمود مؤيد لأردوغان، أنه “حتى لو ارتفع سعر الدولار إلى 15 ليرة (من 8.50) فإننا لن نستسلم للجلاد”. وكتب يقول “إننا نفضل دولارا واحدا مقابل 15 ليرة بدلا من 8.50 حتى لا نرى تركيا تتبع أوامر أميركا”.
ومنذ ذلك الحين، لم تسر الأمور على ما يرام بالنسبة إلى تركيا. ففي مارس الماضي تسارعت وتيرة التضخم في تركيا للشهر السادس على التوالي، حيث أدى ضعف الليرة إلى ارتفاع تكلفة الواردات، مما جعل من الصعب على محافظ البنك المركزي الجديد في البلاد تحقيق رغبة أردوغان في تخفيف السياسة النقدية. وارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 16.19 في المئة على أساس سنوي. وعلى مدى معظم السنوات الثلاث الماضية، ظل معدل التضخم في البلاد عالقا في خانة الأرقام المزدوجة.
الجائحة أدت إلى تهالك الاقتصاد التركي، وهي تهدد بإلحاق أسوأ الضرر بميزانيات الأسر الفقيرة التي تشكل جمهور الناخبين
ويعتبر شهاب كافشي أوغلو، الذي عينه أردوغان في مارس، هو رابع محافظ للبنك المركزي منذ عام 2019.
وجاء كل هذا الاضطراب في وقت تطالب فيه المعارضة الرئيسية بمعرفة ما حدث لـ128 مليار دولار تقول إنها بيعت من احتياطيات البنك المركزي.
ويشكل اختفاء مثل هذا المبلغ الضخم من المال لغزا محيّرا. ويبدو أن البنك المركزي كان يبيع الدولارات باستمرار للدفاع عن الليرة الهابطة ولكنه لا يكشف للبنوك التي باع لها دولاراته وبأي أسعار صرف، وبالتالي يثير الشكوك حول صفقات فاسدة.
وفي 19 مارس، رفع البنك المركزي سعر إعادة الشراء لمدة أسبوع بمقدار 200 نقطة أساس إلى 19 في المئة لتصل الزيادة التراكمية في الأشهر الأربعة الماضية إلى 875 نقطة أساس. وهذا يجعل تركيا واحدة من أفضل 10 دول في العالم تقترض بتكلفة أكبر. وكانت مبادلة العجز عن سداد الائتمان السيادي لتركيا عند 444.69 نقطة في 5 أبريل، وهو أعلى مستوى بين الاقتصادات الغربية والناشئة.
وتأتي هذه الأمثلة الجلية على سوء الإدارة عندما يشعر معظم الأتراك بأنهم مسحوقون في ظل المصاعب الاقتصادية الشديدة واحتمالات المزيد من الفقر حيث أن البلاد تواجه مشكلات أيضا في إدارتها لجائحة كوفيد – 19 . وفي 2 أبريل أكدت تركيا تسجيل 40 ألفا و809 حالات جديدة من حالات الإصابة بكوفيد – 19، مسجلة بذلك رقما قياسيا في يوم واحد من الإصابات منذ تفشي الجائحة.
وقد وضع الإغلاق بالفعل الكثير من الضغوط الاقتصادية على الشركات الصغيرة. وأفلس ما مجموعه 125 ألفا من الشركات الصغيرة وأصحاب المتاجر خلال هذه الجائحة. وهذا يجعل ما يقدر بنحو 500 ألف شخص في تركيا متأثرين بشدة بالمزيج المؤسف من سوء الإدارة الاقتصادية والجائحة، بما في ذلك أصحاب المتاجر وأسرهم.
وينظر إلى الفقر المتزايد بأعداد رسمية أخرى أيضا. وقال وزير الطاقة فاتح دونميز، إن شركات توزيع الكهرباء قطعت إمدادات الكهرباء عن 3.7 مليون أسرة العام الماضي بسبب الديون غير المسددة. وهذا يجعل أكثر من 10 ملايين تركي يضطرون إلى العيش دون كهرباء بسبب عدم القدرة على دفع الفواتير.
وحتى 11 ديسمبر، كان هناك 22 مليونا و759 ألف حالة من الإجراءات القانونية للديون غير المسددة على الشركات والأفراد. كما أن البطالة مشكلة ملحة أخرى. وبلغ معدل البطالة الرسمي في تركيا في نوفمبر 12.9 في المئة لكن “ديسك-آر”، وهي نقابة عمالية، قالت إن معدل البطالة في الشهر نفسه بلغ في الواقع 28.8 في المئة استنادا إلى أساليب حساب منظمة العمل الدولية.
مؤسسة متروبول، وهي مؤسسة استطلاع مستقلة للرأي، كشفت عن أن شعبية أردوغان بلغت 31 في المئة، يليه حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي بنسبة17.4 في المئة
ويواجه أردوغان معضلة صعبة. فقد تم إعطاء الجرعة المزدوجة من التطعيمات لـ5.8 في المئة فقط من السكان في حين تهدف البلاد إلى تطعيم 50 مليون شخص بحلول الخريف، أو 59.5 في المئة من جميع السكان. وهذا يعني أن تركيا يجب أن تحافظ على قواعد الإغلاق الخاصة بها. غير أن المزيد من الإغلاق سيعني المزيد من الانكماش الاقتصادي، لاسيما في بلد يعتمد على إيرادات صناعة السياحة.
وأدت هذه الجائحة إلى زيادة إفقار الاقتصاد التركي الهش. وهي تهدد بإلحاق ضرر أسوأ بميزانيات الأسر الفقيرة التي تشكل جوهر جمهور الناخبين.
وتقول إحدى الدراسات الحديثة إن الموالين لأردوغان هم أكبر عدد من الناخبين الذين سيصوتون بشكل مختلف أو يمتنعون عن التصويت في الانتخابات المقبلة. وأظهر استطلاع متروبول أن ثلث الناخبين المؤيدين لأردوغان لن يصوتوا لصالحه، أو سيمتنعون عن التصويت أو لم يقرروا بعد. ويبدو أن أكبر منافس سياسي لأردوغان هو الفقر.
ومن المقرر إجراء الانتخابات العامة القادمة في تركيا عام 2023، لكنّ العديد من المؤشرات برزت حول احتمال إجراء انتخابات مبكرة، منها الاقتصاد المُتعثر في البلاد، وتشكيل أحزاب منافسة جديدة من قبل الشخصيات البارزة السابقة في حزب العدالة والتنمية، فضلا عن دعوات التحالف الحاكم إلى إدخال تغييرات على قوانين الانتخابات تضع قيودا كبيرة على أحزاب المُعارضة وإمكانية تمثيلها في البرلمان القادم.
واستطاع الحزبان المنفصلان عن حزب العدالة والتنمية، حزب المستقبل الذي أسسه رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم (ديفا) الذي أسسه وزير الاقتصاد السابق علي باباجان، حصد المزيد من الأصوات التي كانت تذهب لمصلحة الحزب الحاكم، وذلك رغم حداثة تأسيس كل منهما.
وبينما يرى مراقبون ومحللون أنّ إجراء الانتخابات هذا العام خلال ذروة تفشي فايروس كورونا غير وارد أبدا، فإن احتمال إجرائها في 2022 سيكون أعلى نوعا ما.