الفقر المائي يفرض مراجعة النموذج الزراعي المغربي

يفرض شح المياه في المغرب على المسؤولين النظر بعمق إلى المشكلة برؤية أكثر واقعية والبحث سريعا عن حلول لها وتأثيرات قلة الموارد المائية عبر مراجعة النموذج الزراعي الذي يستهلك الكمية الأكبر من الاحتياجات السنوية للبلاد.
الرباط - أكد تقرير مغربي حديث أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن البلاد تعيش على وقع عجز مائي حاد، بعد موجة الجفاف غير المسبوقة منذ الستينات، وما شهدته خاصة سنة 2022.
وأثرت تلك المشكلة على جميع أوجه استعمال الموارد المائية في الزراعة والصناعة والسياحة والاستعمال المنزلي.
وأشار معدو التقرير إلى أن الوضع يتطلب اتخاذ إجراءات إستراتيجية وإصلاح القطاعات المعنية، لاسيما قطاع الزراعي، بإعادة النظر في النموذج المعتمد في الجانب المتعلق باستعمال الموارد المائية.
وقال المجلس في التقرير المنشور الأسبوع الماضي، إن “هذا الواقع خلف عجزا مائيا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، أثر على جميع أوجه استعمال الموارد المائية”.
وأوضح أن شح المياه ترتبت عنه انعكاسات كبرى على الاقتصاد وعلى الأنظمة البيئية، وعلى الأمان الإنساني لاسيما المائي والغذائي والصحي، وكذلك على مصادر دخل أعداد متزايدة من السكان.
وفي ظل هذا الوضع، يرى المجلس أنه من الضروري التغيير الجذري للعادات الاستهلاكية وإعادة النظر في الخيارات السياسية، والتدخل العاجل لمواجهة الإجهاد المائي.
ويتفاقم الفقر المائي بالبلاد بسبب الجفاف وأيضا بسبب عوامل أخرى، مثل زيادة الطلب، وفقدان الموارد المائية، والتلوث، ما يتطلب اتخاذ إجراءات ذات صبغة إستراتيجية، وإصلاح القطاعات المعنية، لاسيما القطاع الزراعي.
وفي دراسة للباحثة في قضايا التنمية ومُحلّلة السياسات إيزابيل تساكوك، بمركز السياسات للجنوب الجديد، أكدت أنه يجب أن تتغير الحوافز والسلوكيات بخصوص التعامل مع الماء في بلد يعرف فترات من الجفاف.
وأشارت إلى أهمية تنفيذ التركيز المتجدد على إدارة الطلب في إطار شامل لتحويل الزراعة المزدوَجة في المغرب إلى قطاع شامل، حيث يتمتع صغار المُلّاك والمزارعين في الزراعة البورية بالمرونة المناخية والإنتاجية المربحة والأمن الغذائي.
وفي هذا الباب، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بإعادة النظر في النموذج الزراعي المعتمد في الجانب المتعلق باستعمال الموارد المائية.
وأوضح أن ذلك يجب أن يتم من خلال إعادة النظر في الأنشطة والتخصصات الزراعة بشكل يسمح بجعل كل جهة تتخصص في ممارسات زراعية وزراعات مستدامة من حيث استعمال الموارد المائية.
وإلى جانب ذلك دعم استحداث سلاسل زراعية قادرة على مقاومة التغيرات المناخية، ولا تتطلب موارد مائية ضخمة وتتيح إنتاجية أفضل للماء.
ووصف مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، في تصريح لـ”العرب”، الوضعية المائية حاليا بـ”الخطيرة” نتيجة الاستنزاف المهول للطبقة المائية بفعل التغير المناخي والزراعات المستنزفة مثل الأفوكادو وغيرها.
ويقول خبراء في السياسات المائية إن عندما تقل المياه التي يتوفر عليها بلد ما عن ألف متر مكعب للفرد سنويا، فإنه يعتبر في وضعية خصاص في الموارد المائية.
وبالنسبة للمغرب، فإن الوضع، بحسب المختصين، أصبح مقلقا على اعتبار أن موارده المائية تقدر حاليا بأقل من 650 مترا مكعبا للفرد سنويا، مقابل 2500 متر مكعب سنة 1960، ومن المتوقع أن تقل هذه الكمية عن 500 متر مكعب بحلول عام 2030.
وشكَّل تغير المناخ أحد الإكراهات الأساسية أمام المغرب، فسيناريوهات الجفاف تشير إلى أن الأراضي الصالحة للزراعة ستصبح قاحلة أكثر مما عليه اليوم جراء قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة.
ويرى خبراء أن ذلك من شأنه أن يؤثر سلبا على الموارد المائية والتنوع البيولوجي وكذلك المشهد الزراعي.
80
في المئة من المياه تستهلكها الأنشطة الزراعية سنويا بالبلاد بحسب فاو والبنك الدولي
ولهذا توقف تقرير المجلس الاقتصادي على الانخفاض غير المسبوق في مستويات المياه الجوفية بسبب السقي والتزويد بالماء الصالح للشرب، وهو ما يتجاوز قدرة الطبقات على التجدد الطبيعي، مما أدى إلى استنزاف المخزون الإستراتيجي من المياه غير المتجددة.
وأكد المجلس أن التوقعات المستقبلية تشير إلى تفاقم العجز المتنامي في الموارد المائية، فبحلول 2030 قد يصل العجز إلى 2.3 مليار متر مكعب.
وهذا الواقع دفع بالعاهل المغربي الملك محمد السادس إلى توجيه الحكومة لتسريع إنجاز البرامج المتعلقة بالمياه، خاصة عمليات الربط بين المناطق ومحطات تحلية المياه، التي عرفت تأخرا يصل إلى عشر سنوات.
واستنادا إلى بيانات منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، والبنك الدولي، أورد تقرير “الاستقرار المالي”، في نسخته العاشرة برسم سنة 2022، أن “أنشطة الزراعة وحدها تستهلك أكثر من 80 في المئة من استهلاك المياه على المستوى الوطني”.
وهذه الحالة تتفاقم، وفق التقرير، “بسبب عدم انتظام هطول الأمطار، وتفاوت توزيع الموارد المائية على الأراضي، والاستغلال المفرط للمياه الجوفية، وتذبذب احتياطيات مخزون مياه السدود، فضلا عن نسبة التمدن القوية ونمو ديمغرافي مازال ديناميكيا”.
ونظرا لظاهرة الجفاف المتتالية بالمغرب فضلا عن زيادة الاستهلاك، يعتقد الخبير المائي المغربي مصطفى عيسات أن البلد مقبل على مرحلة إجهاد مائي خطرة خاصة مع تقلص مياه السدود.
وأوضح أن مستوى امتلاء السدود حاليا يبلغ 5 مليارات متر مكعب، يعني ثلث طاقتها والبالغة حوالي 16 مليار متر مكعب.
ولتحسين معالجة العجز المائي، دعا خبراء المجلس الاقتصادي إلى تحسين حوكمة قطاع الماء، وتسريع برنامج تعبئة الموارد المائية غير الاعتيادية، والاستعانة بالحلول المبتكرة والنهوض بأنشطة البحث والتطوير.
ومن أجل تصرف أكثر كفاءة، أوصى المجلس بوضع مخطط للجفاف، مرتكز على نظام للإنذار المبكر، ووضع آلية مؤسساتية للتحكيم والتنسيق في فترات الجفاف، وتعميم التأمين الزراعي لصغار المزارعين.
كما دعا إلى الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين خلال فترات الجفاف عبر تعبئة جميع الآليات المتاحة، كالقيود المفروضة على تصدير المنتجات الغذائية الأساسية، وتخفيض أو تعليق الرسوم الجمركية على استيراد المنتجات الغذائية الأساسية أو المدخلات.