الفقراء أكثر تفاؤلا بالتكنولوجيا الرقمية

الذكاء الاصطناعي غيّر حياتنا.. ولكن في أيّ اتجاه.
الجمعة 2022/01/21
التكنولوجيا الرقمية فرصة للخروج من العزلة

بينما يعكس فقراء الدول النامية نظرة إيجابية يتحفظ سكان الدول المتطورة اقتصاديا وعلميا ويشككون في الذكاء الاصطناعي.. ويتفق الجميع على أن التكنولوجيا الرقمية، التي توجت بالتعلم الآلي، قد غيرت حياتنا، ولكن بثمن..

يعكف مؤلفو الروايات وأفلام الخيال العلمي على إثارة مخاوف الناس من الذكاء الاصطناعي ويحذرون من يوم يتطور فيه إلى درجة يصبح معها قادرا على إخضاع البشرية والسيطرة عليها، وفي المقابل يقول السياسيون ومدراء الشركات الكبرى إن التكنولوجيا ستعزز النشاط البشري وتخلق فرص عمل جديدة.

وبينما يتحمس فقراء الدول النامية للتكنولوجيا الرقمية ويرون فيها سلاحهم للخروج من العزلة التكنولوجية التي عاشوها خلال قرنين من الزمن، يبدي سكان الدول الثرية قلقهم حيالها. قلق لا علاقة له بأفلام الخيال العلمي، بل هي مخاوف مما تَسَبَّبَ، أو قد يتسبب به مستقبلا، الذكاء الاصطناعي من تغيرات اجتماعية وعواقب اقتصادية.

تنافس محموم

مادي ديلفو ستيريس: يجب أن يكون هناك ضمان لحياة لائقة للعاطلين عن العمل

نحن نشهد اليوم، بالفعل، هيمنة تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ أنظمة كمبيوتر وروبوتات قادرة على أداء المهام التي تتطلب عادةً ذكاءً بشريًا تقليديا تجتاح كل القطاعات. وتستمر عملية إدماج التكنولوجيا في حياتنا اليومية بشكل تدريجي وغالبا ما يتم ذلك بطرق غير مرئية.

لن ننتظر طويلا لنرى هذه التقنيات تحلّ محلّ العنصر البشري، بعد أن زوّد الجيل الحالي من الذكاء الاصطناعي أجهزة الكمبيوتر بالقدرة على تقييم المعلومات واتخاذ القرارات، الظاهرة التي حققت تقدمًا ملحوظًا خلال عقد من الزمن، وتوّجت بالتعلم الآلي الذي أتاح محاكاة الدماغ البشري، وكيفية عمل خلايا الدماغ في الشبكة العصبونية.

هذه ليست نهاية القصة؛ التطورات من حولنا تؤكد أن التعلم الآلي لن يكون نهاية المطاف، والمستقبل يخبّئ لنا أشكالا أكثر تطورا من الذكاء الاصطناعي، رغم أن تأثيره حتى هذه اللحظة على التطورات المعاصرة من حولنا لا جدال فيه.

التطور الذي يجب أن يحظى باهتمامنا هو التعلم الآلي، فهو إلى جانب مجموعة من التقنيات قد فتح الآفاق على جيل جديد من الخدمات.

باختصار، من المرجّح أن يكون لتقنيات التعلم الآلي تأثير كبير في السنوات الخمس المقبلة، حيث سنشهد تقنيات تدعم تعلم الآلة؛ توفر إمكانات موثوقة وقابلة للتطوير وفعالة في القطاعين الخاص والعام.

اليوم هناك من يصف البيانات التي يبنى عليها وصولا للمعرفة وإصدار الأحكام بأنها بترول العصر الحديث، من يمتلكها يمتلك الثروة والقوة.

وفي ظل التنافس العالمي المحموم، ستكسب الرهان الدول والمؤسسات التي تنجح في توظيف اقتصاد المعرفة والتقدم العلمي والتكنولوجي والذكاء الاصطناعي، أما من يتقاعس عن ذلك سيبقى ملفوظا خارج العصر.

بيل غيتس: الروبوتات التي تحصل على وظائف يجب أن تدفع ضرائب

منذ أزمة كورونا اقتصرت الاتصالات والتواصل بين البشر على الإنترنت، خاصة في العمل، وهو الأمر الذي جعل الكثيرين يعتمدون بشكل متزايد على الحلول الرقمية التي تقدمها كبرى شركات التكنولوجيا في العالم.

وقد ساعد هذا الأمر الشركات في تحقيق أرباح قياسية في الوقت الذي عانت فيه اقتصاديات دول العالم من ركود كبير.

ويقول منتقدون، وهم في ذلك على حق، إن هذه الشركات لم تعامل المستهلك بشكل منصف، بل هي كثيرا ما تهرّبت من تسديد الضرائب.

خلال العامين الماضيين تمت صناعة ملياردير جديد يوميا. وفي الوقت نفسه، تعرض معظم سكان العالم إلى خسائر متفاوتة. وإن كان البعض يعزو ذلك إلى جائحة كورونا، فإن نظرة قريبة إلى الأثرياء الجدد تشير بوضوح إلى الدور الذي لعبته التكنولوجيا.

بالتأكيد هناك خلل كبير في النظام الاقتصادي، كان موجودا قبل الجائحة، وتعمق بسبب منها. خلل دفع بسكان الدول المتطورة اقتصاديا إلى التعبير عن مخاوفهم وتشاؤمهم من المستقبل.

الفقراء متفائلون

ما يثير مخاوف سكان الدول المتطورة، لا يعني الكثير بالنسبة إلى سكان الدول الفقيرة، فهم وفق دراسة استقصائية جديدة، أكثر ثقة وتفاؤلا بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

لا يهم إن أمطرت السماء نقودا فوق رؤوس أصحاب المليارات، طالما استطاع فقراء بنغلاديش والهند الاستفادة من الرذاذ المتطاير.

☚ الصورة ليست قاتمة بشكل مطلق

في الدراسة التي أجرتها شركة إبسوس للمنتدى الاقتصادي العالمي، وشملت أشخاص من 28 دولة، توقع ستة من كل عشرة منهم أن تغير المنتجات والخدمات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي حياتنا اليومية بشكل عميق في السنوات الثلاث أو الخمس المقبلة. وأكد نصفهم تقريبا أن هذا قد حدث بالفعل. ويعتقد 60 في المئة ممن شاركوا في الاستطلاع أن المنتجات والخدمات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي ستجعل الحياة أسهل، لكن أربعة من كل عشرة اعترفوا بأن استخدام الذكاء الاصطناعي يثير قلقهم ومخاوفهم.

جزء من هذه المخاوف سببه الجهل بالتكنولوجيا الحديثة. لكي نثق بالذكاء الاصطناعي، يجب أن نعرف أولا ونفهم ما هو الذكاء الاصطناعي، وما الذي يفعله، وما هي تأثيراته.

حتى وقت قريب كانت المخاوف التي يثيرها الذكاء الاصطناعي لدى سكان الدول المتطورة تتعلق بإساءة استخدام الخصوصية والحريات المدنية. وأحد أبرز الأمثلة على ذلك القلق من استخدام تقنية التعرف على الوجه.

مصدر قلق آخر هو استخدام أدوات التعلم الآلي لإنشاء حملات تضليل معقدة و”تزييف عميق”.

الصورة ليست قاتمة بشكل مطلق، هناك مجالات توقّع الناس أن يكون تأثير الذكاء الاصطناعي فيها إيجابيا، هي التعليم والتعلم والترفيه والنقل والمنزل. ومع ذلك، فقد انقسم الرأي العام العالمي بالتساوي عندما تعلق الأمر بالدخل والعلاقات الشخصية والعائلية والتوظيف. فقط أربعة من كل عشرة توقعوا أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تحسين ظروف المعيشة والدخل.

معاملة بالمثل

المستقبل وحده سيكشف إن كان هناك من موجب لمخاوف وتشاؤم سكان الدول ذات الدخل المرتفع من التكنولوجيا الرقمية الحديثة

قضية الصراع بين البشر والذكاء الاصطناعي على فرص العمل خلال الـ20 عاما المقبلة تفجرت قبل أربع سنوات من جائحة كورونا (2016)، عندما اقترح مؤسس شركة مايكروسوفت، بيل غيتس، فرض ضرائب على الروبوتات، تعادل ما كان يدفعه البشر الذين حلت أو ستحل محلهم.

وقد أشعلت اقتراحات غيتس وتقرير قدم في العام نفسه للبرلمان الأوروبي الجدل حول هذه القضية، التي جرى تناولها في العشرات من التقارير والتحليلات بالعديد من مواقع التقنية.

معهد “بروكفيلد” للإبداع وريادة الأعمال في تورنتو بكندا، نشر دراسة أكدت أن 42 في المئة من القوى العاملة معرّض لخطر التأثر بالآلات والروبوتات الذكية العاملة بالذكاء الاصطناعي خلال 10 إلى 20 سنة المقبلة. فيما قالت دراسة أصدرتها جامعة أكسفورد إن 47 في المئة من الوظائف في سوق العمل الأميركية تواجه الخطر نفسه خلال الفترة الزمنية نفسها.

وتتلخّص رؤية بيل غيتس في هذا الصدد بأن الروبوتات التي تحصل على وظائف يجب أن تدفع ضرائب. قائلاً إن “الموظف الذي يتعدى دخله 50 ألف دولار سنوياً مثلاً يدفع ضرائب على الدخل، وإذا حل محله روبوت أو ذكاء اصطناعي في وظيفته، فلا بد أن يدفع الروبوت أو الذكاء الاصطناعي ضريبة دخل مماثلة وبالمستوى نفسه”.

الجدل الذي أثاره غيتس نبه إلى أزمتين محتملتين، هما البطالة وتراجع عائدات الضرائب على الدخل، والحل الوحيد هو أن تلجأ الحكومات إلى فرض ضرائب على الروبوتات لإبطاء استخدامها، واستخدام عائد الضرائب في تحسين مستوى الخدمات الاجتماعية.

لا يهم إن أمطرت السماء نقودا فوق رؤوس أصحاب المليارات طالما استطاع فقراء بنغلاديش والهند الاستفادة من الرذاذ المتطاير

أما البرلمان الأوروبي فرفض فكرة فرض ضرائب على الروبوتات من أجل تمويل إعادة تدريب العمال المتضررين من الميكنة ودخول الروبوت إلى سوق العمل.

واستند قرار البرلمان الأوروبي إلى تقرير وضعته النائبة الاشتراكية مادي ديلفو ستيريس، وطالبت فيه بإجراءات لمواجهة التأثيرات المحتملة للروبوتات في سوق العمل. وطلب التقرير تحديد نوع الوظائف، أو بالأحرى نوع المهام التي سيتولاها الأشخاص الآليون، ومناقشة ما إذا كان ضرورياً تغيير أنظمة الضمان الاجتماعي، والتفكير في تحديد دخل فردي عالمي، لأنه يجب أن يكون هناك ضمان لحياة لائقة للعاطلين عن العمل إذا ارتفعت البطالة بمعدلات واسعة.

وقبل طرح التقرير للتصويت في البرلمان، تمت مناقشته في لجنة برلمانية خاصة، وحظي بموافقة اللجنة عليه بأغلبية 17 صوتاً مقابل صوتين، لكن عند طرحه للتصويت العام بالبرلمان، صدر قرار رفض فرض الضرائب بأغلبية 396 صوتاً مقابل 123 وغياب 85 عضواً.

وبعد صدور القرار، أعربت ستيريس عن شعورها بالإحباط، قائلة إن “القرار لم يأخذ في اعتباره النتائج السلبية على الوظائف في الأسواق”.

سيستمر الجدل، والمستقبل وحده سيكشف إن كان هناك من موجب لمخاوف سكان الدول ذات الدخل المرتفع وتشاؤمهم من التكنولوجيا الحديثة ومن الشركات المطورة التي تقف خلفها، أو يثبت أن سكان الدول الناشئة محقون بتفاؤلهم، وأن لدى الذكاء الاصطناعي ما يقدمه لتبرير الانحياز للتكنولوجيا الحديثة.

12