الفعاليات الثقافية في مصر.. أي تأثير ودور لها

ليست الفعاليات الثقافية التي تقيمها الدول نوعا من الترف ولا هي مجرد ترفيه مناسباتي، بل يجب أن تدخل ضمن مشروع متكامل له رؤى واضحة، ما يحقق الغاية الهامة منها ألا وهي تحويلها إلى قوة ناعمة للنهضة والتنمية وتحقيق مجتمع المعرفة، وغيره، لكن في بعض الدول تتحول هذه التظاهرات إلى مجرد احتفائيات يتمعش منها المشرفون وأصدقاؤهم ولا تحقق بذلك أدنى انتشار وغاية.
الفعاليات التي تطلق عليها مؤسسات وهيئات وزارة الثقافة المصرية وغيرها من المؤسسات الثقافية التابعة للدولة “فعاليات ثقافية”، والتي تملأ بها إيميلات الصحافيين والإعلامين وحساباتهم على الواتس آب، مكتوبة بديباجات السادة مسؤولي وموظفي المؤسسات والهيئات، تدعو إلى التساؤل حولها.
حول هذا الأمر كان لنا هذا التحقيق مع مثقفين مصريين متسائلين عن دور وقيمة هذه الفعاليات وهل لها فعالية داخل المشهد الثقافي أو تأثير على الرأي العام المصري؟ وما الذي يمكن اقتراحه في هذا الشأن؟
فعاليات للموظفين
بداية يكشف الروائي صبحي موسى أن المؤسسات الثقافية المصرية منذ سنوات متوقفة عن العمل، إما بفعل فاعل أو عجزا من مسؤوليها عن وضع خطة عمل حقيقية تتوافق مع الوضع الراهن.
ويقول “كل ما يجري هو محاولة خلق مكافآت لمجموعة كبار الموظفين العاملين بهذه المؤسسات، أما الرواتب فهي تصرف من وزارة المالية على الحضور والانصراف وليس على العمل. ومن ثم فلا يمكن القول إن لدينا فعاليات حقيقية، وإذا وجدت فإنها موجهة للموظفين والعاملين عليها بالدرجة الأولى، ويكاد يكون الجمهور المصري مقاطعا لهذه الفعاليات لأنها لا تمثله ولا تعبر عنه، رغم حالة الظمأ القصوى للثقافة في الأقاليم المصرية”.
ويضيف “لكن على الجانب الآخر من الملاحظ وجود نشاط على فترات لبعض المؤسسات الخاصة، وبعض الجهات المدعومة من الخارج، وكان توقف مؤسسات الدولة عن العمل الحقيقي لصالح عمل هذه الجهات، فمثلا ما الذي يعنيه أن ينظم بيت الشعر المدعوم من إمارة الشارقة مؤتمرا للسرد في المجلس الأعلى للثقافة ويعجز المجلس نفسه عن إقامة مؤتمر الرواية الدولي؟ وما الذي يعنيه أن تتوقف هيئة الكتاب عن إصدار سلسلة التراث وتقوم إمارة الشارقة بإصدارها؟ وما الذي يعنيه أن تقوم بعض دور النشر بإقامة مؤتمر أو ملتقى تبرز من خلاله المتعاملين معها وتعجز هيئة الكتاب عن عمل ذلك؟”.
ويشدد على أن العديد من التساؤلات لا نعرف هل تكمن إجابتها في ضعف المسؤولين كونهم ليسوا أهل اختصاص، أم لأن خطة الدولة الآن هي التخلي عن النشاط الثقافي، وربما عن وزارة الثقافة بشكل عام.
ويقول الروائي محمد صالح البحر “ربما لن يختلف أحد على أن المؤسسات الثقافية أصبحت عبئا على الثقافة المصرية، وحجر عثرة في طريق نهضة وتقدم الإبداع المصري بكل أشكاله، والحقيقة التي أراها أن ذلك يرجع لسببين أساسيين، أولهما يتعلق بالمؤسسات الثقافية نفسها، والتي سيطر على غالبيتها مجموعة من الموظفين البيروقراطيين، الذين ينفذون الفعاليات دون أدنى إدراك لماهيتها أو قيمتها أو دورها، أما السبب الثاني فيتعلق بالمبدعين أنفسهم، بعدما تحول غالبيتهم إلى مجموعة من الوصوليين والانتهازيين والتابعين، يريدون أن يحوزوا على كل شيء، وأن يخلدوا في كل المناصب والأماكن التي يحصلون عليها”.
ويضيف “ولم يعد خافيا على أحد أن ثمة مجموعات للقوى داخل كل مؤسسة، ترتبط فيما بينها بمصالح قوية، وتتحكم في توزيع ‘الرزق الثقافي’ على المريدين. لذلك غلب طابع التكرار على كل الفعاليات الثقافية، بنفس الأساليب والوجوه، ففقد معظمها الدور والقيمة والقدرة على التأثير، إلا قليلا من الفعاليات التي تحظى، صدفة، بوجود شخص مختلف في دائرة التنظيم”.
ويشدد على أنه لا علاج لهذا العبء الثقيل إلا بالتغيير الكامل لإستراتيجيات عمل المؤسسات الثقافية، لتنتقل من فكرة تقديم الخدمات الثقافية، إلى الابتكار والإنتاج الثقافي، وليتولى أمرها مبدعون ومثقفون مشهود لكفاءتهم وسيرتهم، وألا يتم تخليد أحد في أي مكان لأكثر من عامين.
نقائص للتدارك
يشير الناقد المسرحي والسينمائي ورئيس تحرير جريدة مسرحنا الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية محمد الروبي إلى أنه في مصر للحق تقام ومنذ سنوات فعاليات ثقافية وفنية كثيرة بعضها تقيمه وزارة الثقافة بقطاعاتها المختلفة، وبعضها تقيمه مؤسسات أخرى كوزارة الشباب والجامعات وغيرها.
ويستدرك “لكنني أظن أن ما يغيب عن هذه الفعاليات وما يغيبها هو القصور في الإعلان عنها بالقدر الذي يليق بها. فمازال بعض المسؤولين عن الحياة الثقافية الـ’رسمية’ لا يقدرون قيمة الدعاية والتسويق مكتفين بوهم أن الفعالية وحدها تكفي. بل لن نكون مبالغين إذا قلنا إن البعض من هؤلاء المسؤولين يتعامل مع فعاليات قطاعه باعتبار أن ‘دورنا هو الإنجاز، أما التأثير وقياس رجع الصدى فليس من مهامنا’. وهو مفهوم مغلوط لحقيقة العمل الثقافي”.
ويتابع الروبي “إذا ما عدنا إلى أصل الأشياء وتذكرنا أن الفعل الثقافي هو، بلغة الاتصال، رسالة يقوم بها مرسل إلى مستقبل عبر وسيلة، فعلى المرسل أن يختبر بين الحين والحين صدى رسالته متسائلا حول ‘هل وصلت الرسالة حقا؟’ وعن ‘كيف يمكن اتساع رقعة الوصول’. فظني أن بدون هذه الأسئلة سيظل العمل الثقاقي قاصرا”.
ويرى الباحث والناقد عبدالكريم الحجراوي أن الفعاليات الثقافية تشكل أهمية كبرى في إثراء المشهد الثقافي إذا ما تم استغلالها وتقديمها بالشكل الصحيح، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي والدولي.
ويقول “على المستوى الداخلي فهي رافد مهم لتقديم وجوه جديدة، والاحتفاء بالوجوه القديمة وسيلة من وسائل تواصل الأجيال التي تتميز بها مصر عن غيرها من الدول. أما على المستوين الإقليمي والدولي فهي شكل من أشكال القوة الناعمة لمصر وترسيخ مكانتها، وتعمل على ربط المبدعين من مختلف بلدان العالم بمصر كحضارة وتاريخ ممتد للآلاف من السنين وتزكي من أواصر المحبة والتقارب الإنساني والوجداني، وفي المواقف الصعبة ستجد هؤلاء المؤثرين يقفون في صف البلد الذي احتفى بهم واحتضنهم ومنحهم التقدير الذي يستحقونه”.
ويتابع “كما أن هذه الملتقيات الثقافية بأشكالها المختلفة الفنية أو الأدبية.. إلخ وسيلة تلاق بين الفنانين من مختلف دول العالم لنقل وتبادل الخبرات بين هؤلاء الفنانين والمفكرين الذين يشكلون وجدان شعوبهم. وبالفعل مصر تقيم العديد من هذه الفاعليات الثقافية المهمة لكن ينقصها في أحيان كثيرة عنصر الجودة والاهتمام بالتفاصيل مما يفقد الكثير منها قيمتها المنشودة”.