الفضائيات الوثائقية تنتشر عربيا مع احتدام الصراعات السياسية

قناة الشرق تكمل عقد القنوات العربية المهتمة بالإنتاج الوثائقي.
الأربعاء 2023/09/06
فضائيات عربية لخدمة أجندات سياسية

القاهرة - يشهد سوق الإنتاج الوثائقي في العالم العربي انتعاشة مع تعدد الفضائيات العربية التي تقدم أفلاما وبرامج وثائقية كانت تتسم بالندرة، ودفعت الصراعات السياسية خلال العقد الأخير والذي تداخل فيه الإعلام بشكل مباشر مع العديد من توجهات الحكومات لتقديم محتوى ينطوي على دلالات وأسانيد تدعم رؤى بعينها، وتستطيع أن تؤثر في الرأي العام أو تدحض أكاذيب وحملات دعاية مضادة.

وأطلقت المجموعة السعودية للأبحاث “سي آر إم جي” الأحد قناة “الشرق الوثائقية”، ومن المقرر أن تقدم ملفات تتنوع بين السياسة والاقتصاد والأعمال والتاريخ، وتستعرض رؤى وتحليلات حول آخر الأحداث والشخصيات المؤثرة، سعياً لتلبية الطلب المتزايد على الأفلام الوثائقية في المنطقة.

وأجرت المجموعة الإعلامية السعودية استطلاعًا للرأي بين أن أكثر من 80 في المئة من المشاهدين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يرغبون في متابعة المزيد من المحتوى العربي عالي الجودة.

مسعد صالح: الفضائيات الوثائقية لا يجب أن تتلون بمواقف سياسية
مسعد صالح: الفضائيات الوثائقية لا يجب أن تتلون بمواقف سياسية

وما زالت المنطقة في حاجة إلى قناة وثائقية ناطقة باللغة العربية تتعمق في الموضوعات التي تشكل عالم اليوم، وأنها سوف تبحث عن القصص الحقيقية وراء العناوين والأخبار، والتفاصيل خلف الأحداث ضمن خطط توسع المجموعة الإعلامية نحو تقديم قنوات وألوان إعلامية مختلفة.

وتمضي الخطوات السعودية على نفس الطريق الذي سلكته “الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية” في مصر التي أطلقت القناة الوثائقية المصرية في فبراير الماضي، استكمالاً لخطط توسعية أيضا تضمنت إنشاء قناة إخبارية باللغة العربية ويجري الإعداد لها باللغة الإنجليزية، إلى جانب ضمها مجموعة من الفضائيات المتنوعة.

ولم يكن متاحًا لدى السوق العربي سوى فضائيتين متخصصتين في الأفلام الوثائقية، وهما “ناشيونال جيوغرافيك” التي استطاعت أن تجذب قطاعات واسعة من الجمهور العربي لما قدمته من أفلام وثائقية احترافية في مجالات مختلفة، وفضائية “الجزيرة الوثائقية” التي جرى توظيفها سياسيًا لضرب تصورات بعض الدول التي لا تتماشى مع السياسة القطرية أو التي واجهت تنظيم الإخوان، وخرجت من الإطار المهني إلى السياسي وتخللتها بعض الأفلام الاحترافية التي حققت نجاحات كبيرة.

وجاء التفكير المصري في تدشين فضائية وثائقية مع توالي الحملات التي واجهتها الحكومة المصرية إعلاميًا من جانب قنوات ومنصات محسوبة على جماعة الإخوان برعت في تقديم أفلام موجهة، ما جعل الهدف الرئيسي من القناة بحسب ما عبّر القائمون عليها هو دعم الهوية الوطنية وتسليط الضوء على الإنجازات المصرية على مدار التاريخ في العديد من القطاعات.

ويغلب على الأهداف التي حققتها الأفلام الوثائقية المعروضة على الفضائيات الطابع الإخباري والتوسع في إنشاء وحدات متخصصة في تقديم الأفلام والاتجاه نحو تدشين قنوات متخصصة فقط لتقديم الألوان الوثائقية المختلفة.

محمد شومان: الأفلام الوثائقية أحد أدوات السياسة الخارجية للدول
محمد شومان: الأفلام الوثائقية أحد أدوات السياسة الخارجية للدول

وتضع جهات إنتاجية مسؤولة عن تقديم الأفلام الوثائقية ميزانيات هائلة تُمكّنها من تقديم محتوى احترافي يمكن أن يجذب الجمهور الذي يفضل هذا النوع من المحتويات الإعلامية، والباحثون عن التفاصيل الغائبة عن العديد من الأحداث والوقائع الحالية والتاريخية، وتدرك هذه الجهات أن الإعداد لما يتم تقديمه يستغرق أوقاتا طويلة ما يتطلب التجهيز لأفلام وبرامج عديدة في نفس التوقيت وعرضها تباعًا.

وقال عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في القاهرة محمد شومان إن ندرة الأفلام الوثائقية مع تقدم هذا اللون من الإعلام حول العالم ثم بدء الاهتمام به عربيًا خلال السنوات الأخيرة يعكسان رؤى ومواقف للجهات التي تدعمها، إذ أنها تعد أحد أدوات خدمة السياسة الخارجية للدول، والبعض منها يحاول أن يقدم التاريخ بسردية جديدة أو من وجهة نظر محددة لخدمة أغراض بعينها.

وأوضح شومان في تصريح لـ”العرب” أن الهدف الأسمى للوثائقيات يتمثل في التجرد من أيّ ألوان يتم تقديمها بشكل موضوعي خالص، وهو أمر يصعب الوصول إليه مثلما الحال بالنسبة إلى باقي الألوان الإعلامية، وأن تحقيق أهداف المحتوى الوثائقي بالتأثير في الجمهور يتطلب تقديمها بشكل مغاير عمّا هي عليه الآن كي تخرج في شكل قوالب العصر الرقمي، وتصبح مركزة وفي فترة زمنية قصيرة، كما أن تقديمها من خلال مواقع ومنصات إلكترونية يكون أكثر وصولاً إلى فئات شبابية قاطعت التلفزيون.

ويغلب على الفضائيات الوثائقية العربية الاتجاه نحو تقديم محتويات تركز على التاريخ ذات الارتباط بالمواقف السياسية، والموضوعات التي تغوص في الثقافات المجتمعية المختلفة أو تلك التي تحيط بالمجتمعات القديمة والحالية، وأفلام السيرة الذاتية التي تعيد تقديم شخصيات لديها قدر كبير من الجماهيرية أو أثارت لغطًا في حقب زمنية بعينها، وقضايا البيئة والفضاء والمناخ وغيرها من الموضوعات شديدة التخصص.

أحمد إسماعيل: منتجو هذا النوع من الأفلام يحظون بقدر كبير من الدعم
أحمد إسماعيل: منتجو هذا النوع من الأفلام يحظون بقدر كبير من الدعم

ومن المتوقع أن تعرض الفضائية السعودية الجديدة بعد إطلاقها أربعة أفلام من بينها “أفغانستان.. بين واشنطن وطالبان” وهو تحقيق مطوّل من ثلاثة أجزاء يركز على الاستثمارات الأميركية في أفغانستان على مدار 20 عاماً، و”الطاقة النووية وتغير المناخ” ويستعرض الجهود العالمية لاكتشاف مصدر طاقة جديد يحافظ على البيئة.

وأكد أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة مسعد صالح أن لكل جهة مسؤولة عن الفضائيات الوثائقية الحق في أن تدفع نحو الأهداف التي تخدم مصالحها، لكنها في تلك الحالة تفقد قوتها، إذ لا يجب أن تتلون بمواقف سياسية أو دينية أو عرقية، والتعريفات المهنية للأفلام الوثائقية تحتوي على معلومات تخاطب البشرية كلها، وتخاطب ثقافات مختلفة حال جرى إنتاجها بأكثر من لغة، ولا بتبدل محتواها باختلاف الوسيلة الإعلامية.

وأوضح صالح في تصريح لـ”العرب” أن الانتباه للفضائيات الوثائقية على المستوى العربي يعود إلى إدراك الجهات المسؤولة عن الإعلام بأنه ذاكرة للأمة، وأن الواقع الحالي سيصبح تاريخًا في المستقبل وهو في حاجة إلى أن يتم توثيقه، والحال بالنسبة إلى بعض الأحداث التي مرت عليها فترات طويلة، لكن مازالت هناك شواهد عليها، وما يتم تقديمه لا بد أن يحظى بقدر مهم من العناية لأنها تشبه محفوظات دار الكتب مثلاً ومع مرور الزمن تظهر قيمتها التاريخية والإعلامية.

وتكمن أهمية الأفلام الوثائقية في قدرتها الفائقة على التأثير لأنها تمزج بين مواقف حدثت بالفعل مع إدخال آراء من شخصيات عاصرت الأحداث وتقدم دلائل على صحة ما تقدمه، كما أن ضعف الثقافة العامة لدى الكثير من الجمهور الذي ينظر إليها باعتبارها توثق بشكل حقيقي ومجرد لوقائع سابقة قادرة على تحقيق تأثير ثقافي.

وتفتقر نوعية الأفلام التي توجه ضد سياسات أو دول بعينها أحيانا إلى التأثير لأنها تتحول إلى دعاية وليست توثيقا، ويمكن الرد عليها بأفلام أخرى تدحضها وتقدم دلائل تبحث عنها قطاعات كبيرة من الجمهور تجد نفسها أمام سيل من الروايات المتضاربة.

ويؤكد مخرج الأفلام الوثائقية أحمد إسماعيل أن ما يتم تقديمه في شكل قوالب احترافية عبر القنوات المتخصصة لعرض الأفلام الوثائقية كان موجوداً سابقا لكن بمسمّيات مختلفة، وأن الكثير من البرامج التي قدمتها فضائيات عربية، مثل البرنامج المصري “عالم الحيوان”، حملت قواعد البرامج الوثائقية لكن تطور دراسة الوثائقيات والاهتمام بها في هذا التوقيت ساهم في اتساع سوق الإنتاج.

وذكر إسماعيل في تصريح لـ”العرب” أن منتجي هذا النوع من الأفلام في العالم العربي يحظون بقدر كبير من الاهتمام والدعم، وأن الميزانيات المخصصة للأعمال تضمن تقديم برامج وأفلام احترافية في ظل بيئة خصبة تدعم تقديم محتوى يحظى بجذب الجمهور على مستوى الأماكن الطبيعية أو المناطق السياحية أو حتى الوجهات المحلية.

5