الفسيفساء البيزنطية باب رزق لأردنيين ولاجئين سوريين

مشروع ترميم كنيسة يوحنا المعمدان ضمن خطة واسعة لحفظ التراث في الأردن.
السبت 2021/02/20
هوية وتراث

ينكب حوالي ثلاثمئة عامل من الأردنيين والسوريين ربعهم من الفتيات على تجميل فسيسفاء أرضية كنيسة في شمال الأردن يعود تاريخها إلى القرن السابع، المشروع الذي كان باب رزق للبعض الذين يعملون بصبر وتأنّ يعد جزءا من خطة واسعة لإحياء التراث في الأردن.

رحاب، المفرق (الأردن) - يجثو السوري وليد العوض وزميله الأردني طه الخزاعلة على ركبتيهما منهمكين في استعادة رونق أرضية من الفسيفساء البيزنطية في كنيسة من القرن السابع في رحاب بشمال الأردن.

ويعمل الرجلان ضمن برنامج لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونسكو” وفّر منذ انطلاقه عام 2019 نحو 300 فرصة عمل بدعم من الحكومة الألمانية ويهدف إلى المساهمة في محاربة الفقر والبطالة إضافة إلى حفظ التراث.

ويعمل العوض (45 عاما) الذي خسر بيته وكل ما يملك في درعا في جنوب سوريا عام 2012 بعد فراره من الحرب في بلده إلى الأردن، وزميله الخزاعلة (32 عاما) الذي يقطن رحاب في محافظة المفرق (نحو 70 كيلومترا شمال عمان) بدقة على ترميم الأرضية في كنيسة يوحنا المعمدان التي بنيت عام 619 ميلادي.

ويطرق الاثنان قطع حجارة صغيرة بألوان بينها البني والأسود بمطرقة صغيرة وبدقة متناهية ويضعانها على أرضية الفسيفساء ثم ينظفان حولها بعناية بمشرط وقطعة من الإسفنج.

وتضم الفسيفساء أشكالا هندسية وأخرى تمثل نباتات ونهري دجلة والفرات، كما توجد كتابة باليونانية فيها “أرضية الكنيسة رصفت وأهديت إلى القديس يوحنا المعمدان على نفقة المال العام المقدّم من الأهالي”.

الأردنيون يشكلون 70 في المئة من العاملين في المشروع والسوريون 30 في المئة، بينما تشكل الفتيات 20 في المئة

ويعمل العوض والخزاعلة مع أردنيين وسوريين آخرين في ترميم فسيفساء المجمع الكنسي الذي يضم أيضا كنيسة الأسقفين بروكوبيوس وسيرجيوس المبنية عام 590 ميلادي.

ويشرف الخبير الإيطالي فرانكو شوريللي (54 عاما) على ترميم الموقع منذ أكتوبر 2020 على أن يكتمل العمل نهاية مايو المقبل.

ويقول شوريللي الذي يتقن العربية واللهجة الأردنية لإقامته في الأردن منذ عام 1994 ودرّب حتى اليوم أكثر من 500 شخص، إن فسيفساء رحاب “كنز” يحتاج إلى المزيد من الاهتمام.

ويضيف أن الأردن هي “الدولة الأولى في حوض البحر المتوسط وفي العالم كله من حيث عدد أرضيات الفسيفساء خصوصا البيزنطية”.

ويوضح أن “الفسيفساء هنا بسيطة وأسلوبها خاص بالمنطقة ومختلفة عمّا نراه في الخارج. يجب أن نعرّف العالم عليها”.

وأنجز فريق العمل ذاته الشهر الماضي ترميم فسيفساء كنيسة القديسة مريم التي بنيت عام 543 ميلادي في رحاب أيضا.

وتقول كبيرة مسؤولي المشروع في اليونسكو جورجيا شيزارو “المشروع بالغ الأهمية لأنه يمثّل تغييرا في نهج حماية التراث”.

وتضيف “إنه يأخذ بالاعتبار وضع السكان قرب المواقع الأثرية، والفكرة هي تدريبهم على حماية تراثهم”.

موهبة في حماية التراث
موهبة في حماية التراث

وتضم قرية رحاب 32 كنيسة أثرية، خمس منها فقط تظهر بقاياها للعيان بينها كنيسة القديس جاورجيوس المبنية عام 230 ميلادي والتي تعد من أقدم كنائس العالم بينما تغطي الرمال الأخرى. وهُجرت تلك الكنائس التي اكتشف معظمها بين عامي 1999 و2002 تدريجيا منذ العصر الأموي وحتى القرن التاسع.ويقطن المفرق نحو 550 ألف شخص بينهم 165 ألف سوري ثمانون ألفا منهم في مخيم الزعتري.

وتقدم نحو 600 شخص للعمل في المشروع اختير نصفهم تقريبا. ويشكل الأردنيون 70 في المئة من العاملين في البرنامج والسوريون 30 بالمئة بينما تمثل الإناث 20 في المئة.

وتقول مسؤولة المشاريع في قسم الثقافة في “يونسكو” دانيا ديراني إن للمشروع “هدفين أساسيين هما أولا حفظ التراث (…) وثانيا توفير فرص عمل لأهل المنطقة”.

ويتم اختيار الأشخاص وفق تقييم من ناحية عدد أفراد الأسرة ودخلها وحاجتها و”الأكثر حاجة هم الذين يحصلون على العمل”.

وبحسب ديراني تم تدريب هؤلاء وتثقيفهم حول “تاريخ الموقع والكنيسة والفسيفساء وأهمية العمل ثم آليات العمل وحفظ الفسيفساء والخلطات المستخدمة والترميم”.

وتتراوح الأجور بين 12.5 دينارا (17.6 دولارا) يوميا و15 دينارا، إضافة إلى وجبات الطعام والمواصلات.

ويفخر العوض بعمله ضمن مشروع “فرص العمل لصون التراث الثقافي في الأردن”، قائلا “هذه معالم تاريخية يجب الحفاظ عليها وصيانتها وترميمها، أنا سعيد وفخور بأنني جزء من هذا العمل”.

ويضيف الرجل الأسمر الذي ارتدى زيا أزرق وكمامة سوداء “المشروع أنقذ وضعي المادي، إذ ليس هناك عمل”، مشيرا الى أن لديه ستة أطفال أصغرهم طفلة بعمر أربع سنوات وأكبرهم شاب بعمر 18 عاما.

قرية رحاب تضم 32 كنيسة أثرية، خمس منها فقط تظهر بقاياها للعيان بينها كنيسة القديس جاورجيوس المبنية عام 230 ميلادي والتي تعد من أقدم كنائس العالم

ويتابع “نحن لاجئون والعائلة كبيرة ومصروفها كبير. إيجار البيت تقريبا 100 دينار (نحو 141 دولارا)”. وهو يتقاضى من المشروع نحو 300 دينار (423 دولارا) شهريا.

من جهته يقول الخزاعلة ذو الشعر الأسود الداكن والذي حصل على دبلوم عال في فن وترميم الفسيفساء من معهد مأدبا عام 2016 إنه اكتسب “مهارات وخبرة أكبر”.

ويضيف الرجل الأعزب الذي يقطن في رحاب مع عائلته “لم تكن هناك فرص عمل والظروف صعبة جدا”، مشيرا إلى أنه فرح بالعمل ضمن تخصصه.

وبلغ معدل الفقر وفق الأرقام الرسمية في الأردن في خريف 2020 نحو 15.7 في المئة.

وارتفع معدل البطالة عام 2020 ليصل إلى نحو 23 في المئة في بلد تجاوز دينه العام 102 في المئة من الناتج الداخلي.

وتوجد في الأردن مواقع عديدة تضمّ لوحات فسيفساء في مدن جرش وأم قيس وعجلون (شمال) ومأدبا والبتراء (جنوب) وأم الرصاص (وسط).

وتشير شيزارو الى أن المشروع الحالي يمهد الطريق لمشروع أكبر للحفاظ على التراث في ستة مواقع في شمال الأردن، وتتوقع أن يوفر أكثر من ألف فرصة عمل لمدة عامين.

17