"الفائزون" رسالة حب للسينما الإيرانية وتكريم لفنانيها

حسن ناظر يمزج بين الحقيقة والخيال في فيلم يشبه القصيدة.
الأحد 2023/10/22
قصيدة حب صادقة للسينما وللبهجة التي تمنحها

للسينما الإيرانية قدرة كبيرة على ابتكار قصص وحبكات رئيسية وثانوية مبهرة تشد أي متفرج، وتحول كل فيلم إلى عمل مشحون بمشاهده ورسائله الواضحة والخفية في ظل نظام سياسي لم يتوقف عن قمع السينمائيين الذين حققوا نجاحات عالمية بارزة. فيلم “الفائزون” من هذه الأفلام الساحرة في قصتها وصدقها.

الأوسكار هي أهم الجوائز للسينما العالمية ويسعى الكثيرون من منتجي السينما وكوادرها في مختلف الاختصاصات للظفر بواحدة من هذه الجوائز والحصول عليها. ويأخذ البحث عن جوائز الأوسكار معنى جديدا في فيلم “الفائزون”، هذه الكوميديا الإيرانية الساحرة من خلال رؤية المخرج حسن ناظر.

هذه الدراما المؤثرة والدقيقة للكاتب والمخرج المقيم في أسكتلندا حسن ناظر تأخذ نظرة شخصية من خلال شغفه وحبه للسينما بشكل عام. ويشير العنوان إلى جائزة الأوسكار التي فاز بها مخرج إيراني لكنه لم يتمكن من حضور حفل توزيع الجوائز. ويتم إرسال تمثاله الصغير إلى منزله في إيران، ولكنه يضيع في الطريق ويعثر عليه في قرية نائية من قبل طفل يبلغ من العمر تسع سنوات (بارسا مغامي) لديه شغف سينمائي وحب الأفلام، ولكن ليس لديه أي فكرة عن أهمية “الدمية” التي بحوزته.

 جنبا إلى جنب مع صديقته ليلى (هيليا محمد خاني) يقاتلان للحفاظ على الشيء اللامع أثناء محاولته معرفة كيف يمكن أن يساعد عائلته الفقيرة. بمساعدة المالكين لساحة الخردة (ناصر خان، حسين عابديني) التي يعملان فيها يحاولان تحديد موقع المستلم المقصود للتمثال. ويتم الكشف تدريجيا عن هذه الشخصيات وتاريخها السينمائي، وتناول الفيلم بشكل جميل وساخر لهواجس الطفولة البريئة. في مشهد لاحق، نرى الطفل يحيى (بارسا مغامي) يشاهد خلسة فيلم “سيارة أجرة” للمخرج جعفر بناهي، مما يزعج والدته (مارتين مالالاي زكريا) التي تنتقده لأنه يستهلك وقته في الأفلام وتسأل “هل مشاهدة الأفلام ستكسبك المال؟”.

الشغف السينمائي

المخرج حسن ناظر أراد أن يكرم المخرج جعفر بناهي ومجموعة من الفنانين السينمائيين في فيلمه "الفائزون"
المخرج حسن ناظر أراد أن يكرم المخرج جعفر بناهي ومجموعة من الفنانين السينمائيين في فيلمه "الفائزون"

يكشف المخرج حسن ناظر في فيلمه الناطق باللغة الفارسية وإنتاج بريطاني عن نيته منذ البداية من الافتتاحية التي كرسها الفيلم التي كرم فيها المخرجين عباس كيارستمي وأصغر فرهادي وماجد مجيدي وجعفر بناهي وإهداء الفيلم لهم. ينتقل الفيلم بعدها إلى مشهد امرأة جالسة في الجزء الخلفي من سيارة أجرة في أحد شوارع طهران المزدحمة تحمل تمثالا ذهبيا يمثل جائزة الأوسكار. وهدف المرأة تسليم جائزة الأوسكار للفائز شخصيا (وهي تتحدث مع السائق عن إعادة تمثال أوسكار أخيرا إلى البلاد لعرضه في متحف سينمائي).

 وهي إشارة إلى حظر السفر الذي فرضه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على أشخاص من إيران ودول إسلامية أخرى مما أدى إلى مقاطعة المخرج أصغر فرهادي حفل توزيع جوائز الأوسكار في عام 2017 بعد فوز فيلمه “البائع”، وبعد أن تطلب من السائق الانتظار لفترة وجيزة وتترجل من السيارة، تصل الشرطة على الفور وتأمر سائق سيارة الأجرة بالتحرك، وبعد أن يدور ويتوقف في مكان آخر يفقد أثر الراكبة التي تركت التمثال الذهبي (جائزة الأوسكار) في المقعد الخلفي.

 ليس لدى السائق أدنى فكرة عن التمثال لذا يسلمه في النهاية إلى مكتب البريد المحلي. يضع أحد العمال المسنين العاملين في البريد التمثال في حقيبته، وبعد انتهاء الدوام يذهب العامل إلى قريته بدراجته النارية حتى تتمكن عائلته من الحصول على فرصة لالتقاط الصور مع التمثال الذهبي (الدمية) قبل تسليمه لصاحبه. وفي رحلته إلى منزله ومع وعورة الأرض الترابية يسقط التمثال من حقيبته. الطفل يحيى مع رفيقته الطفلة ليلى اللذان يعملان في جمع النفايات يعثران على التمثال. ولكن ليس لديهما أية فكرة عن أهمية “الدمية” وقيمتها الفنية.

يسلط الفيلم الضوء على أصوات السينما الإيرانية من المخرجين السينمائيين الذين ينسب إليهم الفضل في أثراء ذائقته الفنية. ويركز على المخرج جعفر بناهي المرتبط بسينما الموجة الإيرانية الجديدة. ويمنح إشارة استثنائية إلى فيلمه “سيارة أجرة” لعام 2015 الذي كان الطفل يحيى يشاهده في بداية الفيلم، وتحدث في المشاهد الأخيرة من الفيلم عن الظلم والتأثير الذي واجهه بناهي على يد الحكومة الإيرانية بعد أن أعرب عن مخاوفه على زملائه المخرجين الإيرانيين محمد رسولوف ومصطفى الأحمد.

في فيلمه “الفائزون”، لا يكتفي ناظر باستخراج تفاصيل عن نشأته وحياته المبكرة في إيران، بل ينسج أيضا رسالة حب إلى السينما الإيرانية وصانعي الأفلام الذين ساعدوا في تشكيل مشهدها الحديث، ولكنهم تعرضوا للقمع أيضا بسبب اتباعهم رؤيتهم وشغفهم.

يحيى وهو طفل لاجئ أفغاني يعيش مع والدته، ومثل العديد من الأطفال في قريته يقوم بتمشيط مكب النفايات المحلي بحثا عن خردة لبيعها. يعثر يحيى على “الدمية الذهبية” كما يصفها، يبهره وزميلته في اللعب ليلى بريق التمثال، في البداية، لا يحيى ولا ليلى يريدان التخلي عن لعبتهما الجديدة، ولكن بعد تنبيه القرية بأكملها إلى التمثال المفقود، يتولى يحيى مهمة إعادة التمثال إلى مالكه الشرعي.

في الفيلم تمتزج جميع العناصر الخيالية والسيرة الذاتية معا بحيث يستمر الشعور الراقي المصمم بعناية للفيلم

بين الحصول على التمثال الثمين، يقضي يحيى أيامه بين المدرسة والبحث عن البلاستيك في مكب نفايات ضخم مع الأطفال المحليين الآخرين. يبيع يحيى أكياس القمامة الخاصة به إلى ساحة الخردة المحلية، ويحصّل أقراص فيديو لأفلام مختلفة من المشرف صابر (حسين عابديني)، إلى جانب كلاسيكيات قديمة مثل “سينما باراديسو” وفيلم “سائق سيارة الأجرة”. إن استعارة هذه الأفلام تغذي حب يحيى للسينما وهو الأمر الذي لا تشجعه والدته وترفضه بشدة.

أثناء انتظاره نسخة من التحفة السينمائية “سينما باراديسو”، يسرق من الحقيبة نسخة من فيلم “أغنية العصافير” ويفاجأ ببطل الفيلم ويكون مالك ساحة الخردة هو نجم الفيلم الممثل الحقيقي ناصر خان، الذي فاز بجائزة الدب الذهبي في برلين، والذي يدير في الواقع ساحة الخردة جنبا إلى جنب مع حسين عابديني (الذي لعب دور البطولة في فيلم ماجد مجيدي “الأب”).

ناصر خان (رضا ناجي) منعزل اشتهر ذات مرة بدوره في فيلم حائز على عدة جوائز ولكنه يلعن اليوم الذي عمل فيه هذا الدور، مدعيا أن الشهرة جعلت الجميع يتوقعون منه أن يكون مترفاً ويعيش كريما بثروته المفترضة، لكن الواقع لم يدفع له حتى أجره مقابل تمثيله في الفيلم. تقبع جائزته “الدب الفضي” في صندوق قديم في منزله المتواضع، بينما يحاول الممثلان إخفاء هويتهما الحقيقية عن القرية والسلطات المحلية، والجدير بالذكر أن الممثل محمد أمير ناجي (أو رضا ناجي) – الذي لعب دور البطولة في “أغنية العصافير” (2008) و”أطفال السماء” (1997) – يلعب الدور نفسه.

 بعد فوزه بجائزة الدب الفضي، لا يستطيع ناصر تحمل ضغط الشهرة والتراجع من المجتمع للعمل في ساحة خردة. فقط بعد أن شاهد يحيى المهووس بالأفلام “أغنية العصافير”، تعرف على ناصر الممثل الشهير الذي هو عليه. في نفس الوقت، تبدأ حملة في البحث عن تمثال جائزة الأوسكار الذي ينتهي به المطاف في يد الطفلين يحيى البالغ من العمر تسع سنوات وصديقته ليلى وبشكل مضحك، يغطي الطفل يحيى التمثال بقطعة قماش للحفاظ على الحشمة وحتى لا تراه ليلى عاريا، وتم إحباط جهودهما لبيع الدمية الذهبية.

عندما يتم الكشف عن هويتهما من قبل بعض سكان المدينة، يصبح هذا التمثال رمزا للفجوة بينهم وبين ثقافتهم وفهم صناعة السينما بشكل عام. يمزج الفيلم بين الحقيقة والخيال من خلال الزج بصانعي الأفلام الإيرانيين البارزين الذين يلعبون أنفسهم الأدوار جنبا إلى جنب مع الطفل مغامي الذي يلعب دور يحيى الذي يشكل جزءا من طفولة المخرج نفسه.

حب السينما الإيرانية

تناول جميل وساخر لهواجس الطفولة البريئة
تناول جميل وساخر لهواجس الطفولة البريئة

في مساء السبت الماضي أعلنت السلطات الإيرانية مقتل المخرج السينمائي داريوش مهرجوئي وزوجته وحيدة محمدي في منزلهما بالقرب من العاصمة طهران، حيث تعرضا لطعنات بسكين. ويُعتبر داريوش مهرجوئي، البالغ 83 عاما، من أبرز السينمائيين الإيرانيين، وأحد مؤسسي الموجة الجديدة في السينما الإيرانية. ويبدو أن ماكينة قتل المثقفين والكتاب والفنانين بدأت تحصد ضحاياها من جديد.

وقبل ذلك، أوقفت السلطات عددا من الأسماء المعروفة في السينما الإيرانية على خلفية دعمها للتحركات الاحتجاجية، المخرجين السينمائيين جعفر بناهي، ومحمد رسولوف، ومصطفى آل أحمد، وأوقف بناهي (62 عاماً)، أحد أبرز الأسماء في السينما الإيرانية المعاصرة، ونال جوائز دوليّة عدّة أهمها جائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم في مهرجان برلين السينمائي عام 2015 عن “تاكسي طهران”، وعرفت عن بناهي مواقفه المعارضة للسلطات. وأدانه القضاء الإيراني في 2010 بتهمة “الدعاية ضد النظام” السياسيّ للجمهورية الإسلاميّة، وحكم عليه بالسجن ستة أعوام والمنع من إخراج الأفلام أو كتابتها لفترة طويلة، أو السفر والتحدث إلى وسائل الإعلام، وذلك في أعقاب تأييده التحركات الاحتجاجية التي تلت إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في العام 2009.

المخرج الإيراني، أسكتلندي الجنسية حسن ناظر أراد أن يكرم المخرج جعفر بناهي ومجموعة من الفنانين السينمائيين في فيلمه “الفائزون” الذي يعد قصيدة حب للسينما وللبهجة التي تمنحها، وتقديرا للسينمائيين الإيرانيين وإشادة بالإنجازات العظيمة لهم ويكرس هذا العمل لهم. لكنه يسلط الضوء أيضا على التناقض بين استحسان مهرجان الأفلام والجوائز التقدير العالمي التي تحظى به السينما الإيرانية والحياة الواقعية للممثلين وطاقم العمل وظروفهم المعيشية بمجرد انتهاء الاحتفاء بالفوز والجائزة، ويسمو هذا الشعور بالوعي الذاتي خلال خاتمة الفيلم.

في واحدة من أكثر اللحظات إثارة في الفيلم، يتحدث الممثل ناصر عن نفسه، على الرغم من فوزه بجائزة التمثيل الدولية المرموقة، إلا أنه فقير ومعدم ويشحذ قوت يومه. الفيلم يشير إلى حقيقة إيران التي لديها تقاليدها السينمائية الخاصة وساهمت بشكل كبير في السينما العالمية، لكنها لا تمنح التقدير والمكافآت من هذه المساهمة للفنانين والعاملين في هذا المجال. ويتجسد ذلك في صورة ناصر وهو يقود شاحنة متهالكة مع جائزة الدب الفضي التي سبق وأن حصل عليها موضوعة على لوحة القيادة. ليست الصورة المثالية لفنان حاز على جوائز. ومع ذلك، فإن التركيز على منظور يحيى – مع تفاؤل الطفل – يمنح حتى المصاعب إحساسا بالأمل.

الفيلم مليء بالصدق النابع من القلب وتذكير بسحر السينما وجنائنها من خلال سرد قصة طفل في عالم قاس

في المشهد الختامي، يلتقط ناصر الصور ويوقع للمعجبين أثناء وقوفه بجانب شاحنته. لقد تزامنت الحقيقة والخيال أخيرا ووصلا إلى ذروتهما، وبدلا من انهيار الخيال في الفيلم جعلنا المخرج نشعر كما لو كنا نشاهد فيلما وثائقيا مقنعا، وهذا المشهد يعزز إحساسنا بالأمل. وتمتزج جميع العناصر الخيالية والسيرة الذاتية معا بحيث يستمر الشعور الراقي المصمم بعناية للفيلم. وينتهي الفيلم بملاحظة من التفاؤل.

يجلس يحيى بعد أن عرف رمزية الدمية الذهبية وتعني جائزة الأوسكار في سيارة أجرة في طهران – يقودها جعفر بناهي – (كل ما تراه هو الجزء الخلفي من رأس السائق) لإعادة التمثال الصغير إلى متحف السينما في طهران. “أنت في السينما أيضا؟” يسأل يحيى. “يعتمد الأمر على ما تعنيه بـ’في السينما'” يجيب بناهي الذي فاز بجائزة الدب الذهبي في برلين عام 2015 عن فيلمه “تاكسي طهران”، لكنه لم يتمكن من استلامه شخصيا لأنه كان قيد الإقامة الجبرية ومنع من التصوير.

هي ليست مجرد مزحة، ولكنها بادرة تضامن سياسي مع هذا الفنان المقموع من النظام حين يختتم الفيلم بمشهد “التاكسي” في تكريم واضح إلى حد ما لجعفر بناهي. يرقى الفيلم بالمخرج حسن ناظر إلى مستوى إلهامه. “الفائزون ” فيلم مليء بالصدق النابع من القلب وتذكير بسحر السينما وجنائنها من خلال سرد قصة طفل في عالم بالغ قاسي. لا يظهر فيلم “الفائزون” الحب والتقدير بالسينما الإيرانية فحسب، بل يظهر أيضا مكانتها في العالم.

 في فيلم “الفائزون” لا يكتفي المخرج حسن ناظر بالكشف عن تفاصيل من نشأته وحياته المبكرة، بل ينسج أيضا رسالة حب للسينما الإيرانية وصانعي الأفلام الذين ساعدوا في تشكيل مشهدها السينمائي الحديث، ولكنهم تعرضوا للقمع أيضا بسبب اتباعهم رؤيتهم الخاصة وشغفهم، ويكشف المخرج الإيراني ناظر عن نيته من المقدمة الافتتاحية للفيلم بتكريس إهداء بمثابة استذكار للمخرجين الكبار. “الفائزون” هو انعكاس للواقع والنظرة الدونية إلى السينما أو العاملين في هذا الحقل.

بينما يسلط الفيلم الضوء على تعقيدات الشهرة ويحطم واجهات الشهرة وصناعة الأفلام، فإنه لا يهمل ولا يقلل من أهمية السينما في البحث عن الحقيقة. أو الحب الذي تكنه هذه الشخصيات من الممثلين أو صانعي الأفلام. في نهاية المطاف يؤكد الفيلم الموضوع الأساسي بالنسبة إلى السينما الإيرانية، وهو أن السينما هي شكل أساسي من أشكال البحث عن الحقيقة.

عمالة الصغار

Thumbnail

الطفل يحيى اللاجئ الأفغاني البالغ من العمر 9 سنوات وصديقته المقربة ليلى يتدافعان فوق مكب النفايات المحلي بحثا عن المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير لإعالة والدته الأرملة، قصة اللاجئين ومعاناتهم لها حضور هادئ في فيلم المخرج حسن ناظر الجديد “الفائزون”. بطل الرواية هو ابن مهاجر أفغاني يكسب رزقه في قرية إيرانية معزولة. مثل المخرج نفسه، يسعى يحيى إلى شغفه بالأفلام في ظل معارضة الوالدة، حيث يسهر حتى وقت متأخر لمشاهدة الكلاسيكيات القديمة التي أعارها له المشرف على ساحة الخردة حيث يبيع له الأطفال أكياس القمامة التي جمعوها من أطراف القرية.

يركز الفائزون في البداية على الطفل يحيى، وهو في سن المراهقة يعيش بشكل متواضع في قرية في شمال البلاد. يستعيد عن غير قصد جائزة أوسكار أصغر فرهادي لعام 2017 عن فيلم “البائع” في رحلته في البحث عن القمامة. يظهر ناظر في فيلمه صورة لصعوبة العيش في المدن الصغيرة في إيران، حيث يتعين على الأطفال العمل لمساعدة أسرهم منذ سن مبكرة إلى حد ما، حتى أنهم يقومون بأعمال شاقة مثل جمع القمامة من مكبات النفايات.

نجح المخرج في عدم إباحة البؤس الموشوم على وجوه الشخصيات الرئيسة في الفيلم وخصوصا الأطفال العاملين في جمع القمامة. أحد الجوانب البارزة في فيلم “الفائزون” قدرة مخرجه على استخلاص أداء استثنائي من ممثليه الأطفال. وهذه السمة مميزة ومتأصلة في السينما الإيرانية، وكانت واضحة في الكيمياء بين مغامي ومحمد خاني.

فيلم "الفائزون" بمثابة تكريم للسينما الإيرانية وتقدير للكبار من للمخرجين الأساطير والمضطهدين في موطنهم

التصوير السينمائي الجميل برز في لقطات معبرة ومدهشة، وتمكن المصوران أراش سيفي وأرش سيفي جامادي من إنشاء صور جميلة من الخلفية الرائعة لإيران، لقطات مكب النفايات الشاسع حيث يجمع الأطفال القمامة تخلق أيضا لحظة من الدهشة وهم يركضون خلف سحابة غبار وحقائبهم تهب في مهب الريح مثل الطائرات الورقية. في مشهد آخر يرى يحيى وصديقته المقربة ليلى يركضان عبر مسار قطار فارغ وبعد يستلقيان على السكة، تبقى كاميرا حسن ناظر بعيدة في عكس البؤس، ولكنها قريبة من براءة الأطفال، بحيث يظهر العالم من خلال عيون طفل متحمس يملأ كل مشهد بإشارات إلى الأفلام القديمة.

 إنها رسالة حب للأفلام التي ألهمته وفي نفس الوقت نقد اجتماعي وسياسي يغذيه سحر الممثلين الأطفال الرائعين. مغامي هو بطل مبهج، يتجادل مع عابديني في العديد من المناسبات ويشكل ثنائيا مبكرا مع الطفلة هيليا محمد خاني التي تلعب دور ليلى صديقة يحيى. دور الطفل يحيى الشغوف بالسينما يمثل شخصية المخرج ناظر وعشقه للفن السابع وشغفه بالسينما والإبداع الفني.

لجأ المخرج نفسه إلى أسكتلندا بعد أن هرب من وطنه في إيران وكانت لديه رغبة في السينما لم يستطع تحقيقها في بلده الأصلي، في حين أن أنظمة بلاده شهدت في كثير من الأحيان تعرض صانعي الأفلام للاضطهاد بسبب عملهم. إنه قصيدة حب للسينما الإيرانية ومخرجيها الذين كان حبهم للسينما اكبر من كل القيود التي تفرضها عليهم بلادهم، إلى درجة انهم يفوزون بجوائز لا يستطيعون الحصول عليها، فيلم مدين لطرقات عباس كيارستمي، ولتاكسي جعفر بناهي، وأطفال مجيد مجيدي، ومدين للسينما الإيرانية لما تقدمه لنا من فن راق يستحق التكريم والإشادة.

في الختام على غرار فيلم “إمبراطورية النور” لسام مينديز، فيلم “الفائزون” بمثابة تكريم للسينما الإيرانية وتقدير للكبار من للمخرجين الأساطير والمضطهدين في موطنهم. لا يقدم فيلم المخرج حسن ناظر أي انتقاد صريح للنظام في إيران. بدلا من ذلك، يتكيف مع التقليد الإيراني للأفلام المتعاطفة عن الأطفال.

المخرج أب لطفل عمره 7 سنوات يضع ملصق فيلم “سينما باراديسو” على جدار غرفة نومه في أبردين، ويحب مشاهدة الأفلام مع الأب المخرج، خاصة تلك التي تخص الأطفال. ولكن على الرغم من أن المنزل الرئيسي للعائلة يقع الآن في أسكتلندا، إلا أن حسن ناظر يصر على أنه لن يتوقف أبدا عن النظر إلى الأرض التي ولد فيها. يقول “أحاول دائما إدخال الثقافة الإيرانية في أفلامي، لأنه شيء لا يمكنني الابتعاد عنه، حتى لو كانت القصة تحدث في مكان مختلف تماما، فستكون هناك دائما شخصية من إيران“.

12