الغنوشي يضغط على المشيشي لإنقاذ مبادرة حزبه بشأن الحكومة

لجأت حركة النهضة الإسلامية في تونس إلى الضغط على رئيس الحكومة هشام المشيشي، بعد أن برزت بوادر فشل لمبادرتها الرامية لتشكيل حكومة سياسية جديدة، في مسعى لإرغام الرجل على تنفيذ أجنداتها من خلال ترؤس الحكومة التي تريدها عبر إجراء تعديل وزاري جديد يحوّل الحكومة الحالية إلى “حكومة سياسية” ما ينذر بالمزيد من تأزم المشهد السياسي في البلاد، لاسيما إذا رفض الرئيس قيس سعيد هذه المساعي.
تونس – دفع رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس راشد الغنوشي بتحركات جديدة تستهدف إنقاذ مبادرة حزبه لتشكيل حكومة سياسية، حيث يحاول الغنوشي تكريس ضغوط على رئيس الحكومة الحالي الذي يرفض الفكرة، إلى جانب مكونات من الحزام الداعم له.
وفي سياق هذه الضغوط التقى الغنوشي الذي يرأس أيضا البرلمان التونسي برئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، الذي يعدّ أحد أبرز حلفاء النهضة في الحزام السياسي الداعم للمشيشي.
وفيما لم تخرج حيثيات الاجتماع إلى العلن، فإن مصادر سياسية تونسية أكدت أنه تمّ التطرق إلى مسألة تشكيل الحكومة السياسية التي طرحتها النهضة، مشيرين إلى أن الغنوشي يضغط على المشيشي في سياق مناوراته بهدف دفعه إلى القبول بمقترح حكومة سياسية يرأسها.

محمد القوماني: لقاء الغنوشي والمشيشي والقروي تناول تكوين حكومة سياسية جديدة
وقالت تلك المصادر إن الهدف من تلك الضغوط هو إرغام المشيشي على إجراء تعديل وزاري جديد يحوّل الحكومة الحالية إلى حكومة سياسية، وهو ما لا يتواءم مع رؤية المشيشي الذي أكد سابقا أنه ما زال متمسّكا بتعديله الوزاري، الذي رفضه الرئيس قيس سعيد والذي شمل 11 حقيبة وزارية.
وبالرغم من أن الأطراف التي اجتمعت الجمعة في منزل الغنوشي لم تعلن رسميا عن مخرجات الاجتماع أو فحواه، إلا أن قيادات من النهضة توقعت أن يكون قد تمحور حول مسألة الحكومة.
وقال النائب البرلماني عن النهضة محمد القوماني “ليست لدي تفاصيل اللقاء لكن أتوقع أنه تناول مسألة المشاورات مع الأحزاب الحليفة ومختلف الفعاليات السياسية للبحث عن صيغة تكوين حكومة سياسية كما اقترحت النهضة ذلك برئاسة المشيشي”.
وأضاف القوماني في تصريح لجريدة “الصباح” المحلية أن “الخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها تونس هي من أهم النقاط، وأحد أبواب الخروج منها هو تطوير الحكومة الحالية لأدائها والاتجاه إلى حكومة تمثل الأحزاب وتخرجنا من أزمة التعديل الوزاري المعطل منذ 6 أشهر”.
ويعكس حديث القوماني بوضوح رهان حركة النهضة على الضغط على المشيشي لترؤس الحكومة السياسية التي دعت إليها نهاية الأسبوع الماضي، وذلك بعد أن اختبرت نوايا بقية الأطراف السياسية التي أعربت عن رفضها لمقترحها.
ولم يقتصر رفض مقترح النهضة على الأحزاب المعارضة داخل البرلمان على غرار حركة الشعب والتيار الديمقراطي، بل شمل أيضا حلفاءها على غرار كتلة الإصلاح الوطني (18 نائبا من أصل 217) برئاسة حسونة الناصفي والتي صعّدت مع الغنوشي خلال الأيام الأخيرة بشكل لافت.

هشام الحاجي: النهضة تتوجس من فشل مبادرتها خاصة أن حزام المشيشي يتفكك
ويرى مراقبون أن النهضة لجأت إلى الضغط على المشيشي بعد بروز بوادر فشل مقترحها بشأن تشكيل حكومة سياسية، وهو مقترح اعتبرته أوساط تونسية مناورة جديدة من الحركة.
واعتبر المحلل السياسي هشام الحاجي أن “حركة النهضة متوجّسة من فشل مبادرتها، خاصة أن حزام المشيشي السياسي وهم حلفاء النهضة يقترب من التفكك، لذلك أعتقد أن اللقاء يبعث برسائل متعددة الاتجاهات”.
وأضاف الحاجي في اتصال هاتفي مع “العرب” أن “المفروض أن لقاء بمثل هذه الأهمية أن يعقبه بيان أو تصريحات تبين للرأي العام الحدّ الأدنى من محتواه، اللقاء وصف بالطارئ والعاجل وتطرق لمسائل خلافية بالأساس، هو ليس لقاء لمواجهة فايروس كورونا بل هو لقاء لمناقشة مسائل خلافية بين الأحزاب الحاكمة”.
ويبدو أن من بين تلك المسائل بعض المقربين من المشيشي والذين تنزعج منهم النهضة، حيث تصاعد الحديث خلال الساعات الماضية عن مطالبة الغنوشي للمشيشي بإقالة كلّ من وليد الذهبي مستشار رئيس الحكومة وكذلك معز المقدم وهو رئيس ديوان المشيشي.
وفتح ذلك الحديث الباب واسعا أمام التأويلات خاصة أن قيادات من النهضة لم تتردد مؤخرا في توجيه سهام نقدها للثنائي المذكور.
وقال الحاجي إن “الخلافات الحادة تخيم على المشهد، فالنهضة وقلب تونس يريدان ضمانات من المشيشي من أنه لن يشكل حزبا جديدا ولن يترشح إلى الانتخابات المقبلة، خاصة بعد تأكدهما من أنه أحاط نفسه ببعض الوجوه التي يعتبرها هؤلاء مثيرة مثل طلبة التجمع سابقا ويشمل هؤلاء مستشارين للمشيشي”.

حاتم المليكي: النهضة تريد أن تتواجد مباشرة في المناصب الهامة ومراقبة عمل الحكومة
لكنّ أوساطا تونسية اعتبرت أن مطالبة النهضة بإقالة وجوه في الحكومة ليست بمعزل عن الدعوة إلى تشكيل حكومة سياسية، حيث يصبّ كلا الموقفين في تحقيق الحركة هدفين يخدمان أجنداتها: إما فرض خضوع المشيشي التام لها مع عدم تحمل مسؤولية حصيلة حكومته، وإما تسلم مقاليد الحكم مباشرة من خلال حكومة سياسية.
وقال النائب البرلماني حاتم المليكي إن “النهضة تريد أن تكون متواجدة مباشرة في المناصب الهامة، ومراقبة عمل الحكومة”.
وأردف المليكي في تصريح لـ”العرب” أن “النهضة لها هدفان من وراء ذلك تريد تحقيقهما: تسعى إلى قطع الطريق بمسؤولين تابعين لها جرى تعيينهم سابقا وعدم فتح ملفات متعلقة بها، وهي تريد أيضا أن يكون وجودها واضحا في الحكم”.
وتواجه حركة النهضة رفضا واسعا لمقترحها بشأن تشكيل حكومة سياسية، حيث رفضت أحزاب التيار الديمقراطي وحركة الشعب (38 نائبا) وكتلة الإصلاح الوطني ذلك المقترح.
وفي المقابل، لم يبلور حزب قلب تونس موقفه بعد حيث قالت مصادر من داخله إنه سيتم إجراء اجتماع لاحقا للكتلة والحزب مع رئيسه نبيل القروي، لبحث مخرجات لقائه مع الغنوشي والمشيشي واتخاذ موقف واضح من دعوة النهضة.
وكانت النهضة قد دعت في ختام مجلس شوراها المنعقد السبت والأحد الماضيين إلى تشكيل حكومة سياسية، في خطوة عكست مناورة جديدة من الحزب للتملّص من حصيلة الحكومة الحالية وإعادة خلط الأوراق، خاصة مع تأزم المشهد السياسي الذي جعل من الأصوات المنادية بتنظيم انتخابات عامة مبكرة ترتفع.