الغنوشي يثير غضب اتحاد الشغل بسبب الموظفين

تونس – لا يزال صدى تصريحات لرئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، الذي يرأس أيضا البرلمان التونسي، بشأن الموظفين والعمال يتردد في الأوساط النقابية والسياسية التي لم تتوان في توجيه سهام نقدها واتهاماتها له.
وكان الغنوشي قد قال في تصريحات صحافية إن “الموظف التونسي يعمل ربع ساعة في اليوم، ويتقاضى راتب 8 ساعات”، مؤكدا أن “البلاد لن تتقدم بالإضرابات في القطاعات العامة والخاصة، وإنما بالعمل”، في إشارة صريحة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية ذات النفوذ الواسع في البلاد.
وأثارت هذه التصريحات غضب اتحاد الشغل الذي لم يتردد في التنديد بها في بيان رسمي، فيما خرجت قيادته سواء الحالية أو السابقة بمواقف موحدة تستنكر مثل هذه التصريحات.
وقال الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي موجها خطابه للغنوشي “الذي يتحدث على ربع ساعة عمل، أقول له أنت لم تشتغل دقيقتين في حياتك”.
ودعا الطبوبي، الذي يقود جهودا لحلحلة الأزمة السياسية في تونس، الجميع إلى احترام أنفسهم، موضحا “حديثي موجه خاصة إلى من لا يستطيع تقديم أي شيء للبلاد والابتعاد عن المهاترات والغوغائية”، في إشارة ضمنية إلى الغنوشي الذي قال إنه سبب البلية.
ووجه الأمين العام السابق لاتحاد الشغل حسين العباسي وابلا من الانتقادات إلى رئيس البرلمان، قائلا في حوار مع إحدى القنوات التلفزيونية المحلية “أستغرب من تدخّل رئيس مجلس نواب الشعب الغنوشي في مسائل اجتماعية هي لا تعنيه أصلا”.
ودعا العباسي الأمين العام الحالي للمنظمة النقابية إلى عدم التسامح مع من يتطاول على الاتحاد ويشوه صورة العمال، في إشارة إلى الغنوشي.
في المقابل، ذهبت أوساط سياسية تونسية لم تتوان هي الأخرى عن استنكار تصريحات الغنوشي إلى أن رئيس البرلمان يُجهز لتطبيق ما وصفتها بإملاءات صندوق النقد الدولي وبقية المانحين الدوليين بما يشمل تسريح العمال.
وقال الناطق باسم حزب التيار الشعبي محسن النابتي إن “الغنوشي يمهد بتصريحاته لتنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي من خلال تحميل العمال والموظفين مسؤولية الأزمة الاقتصادية، وذلك من خلال العمل على تضخيم كتلة الأجور مثلا وهي الأضعف في المنطقة من أجل المساس بالطبقة العمالية”.
وتابع النابتي في تصريح لـ”العرب” أن “الغنوشي يكن عداء كبيرا للطبقة الفقيرة والمهمشة لذلك يحملها مسؤولية أزمة يعد هو أكبر المساهمين فيها، لأنه هو وحزبه أغرقا الوظيفة العمومية بالانتدابات العشوائية منذ قيام ثورة 14 يناير 2011 وتعيين زبانيته في المناصب الحساسة في الإدارة التونسية وغيرها”.
وأوضح أن “الغنوشي تعهد للدوائر الأجنبية التي أتت به ومكنته من السلطة بتنفيذ توصياتها التي من بينها تسريح العمال والضغط على كتلة الأجور، الغنوشي وبتصريحاته أيضا يقوم بعملية تشويه أخلاقية للعمال في استباق للجريمة التي سوف يقومون بها في وقت لاحق من طرد للعمال وغير ذلك من الإجراءات، الغنوشي يمهد للقيام بعدوان على الموظفين”.
ويأتي هذا التصعيد المتبادل بين حركة النهضة الإسلامية وبقية أطراف المشهد التونسي بشأن الموظفين في وقت تتعمق فيه الأزمة السياسية في البلاد التي تواجه أيضا شبح الانهيار الاقتصادي.
ويدفع المانحون الدوليون ممثلين أساسا في صندوق النقد الدولي والبنك العالمي نحو التقليص في كتلة أجور الموظفين سواء من خلال تسريح بعضهم أو التخفيض في أجورهم، علاوة على ضرورة إصلاح المؤسسات العمومية ورفع الدعم عن المواد الأساسية.
وبالفعل باشرت الحكومة التونسية برئاسة هشام المشيشي تنفيذ هذه الإصلاحات من خلال بدء عملية الرفع التدريجي للدعم عن السلع الأساسية، لكن ذلك يثير مخاوف من انفجار اجتماعي، لاسيما أن البلاد تشهد أزمة سياسية خانقة بين رؤوس السلطة.
ولا يزال الحوار الوطني الذي يُراهن عليه الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل حلحلة الأوضاع معطلا، رغم الرسائل الإيجابية التي بعث بها اجتماع الرئيس قيس سعيد أخيرا مع رؤساء حكومات سابقين وكذلك رئيس الحكومة المشيشي.
لكن ذلك الاجتماع بعث برسائل أخرى رفعت من منسوب التوتر خصوصا في ظل غياب توافقات حول الأولويات التي سيطرحها الحوار المُزمع تنظيمه، خاصة أن الرئيس سعيد يدفع نحو تغيير نظام الحكم وإجراء استفتاء على الدستور وهي خطوة لا تحظى بإجماع بين الفرقاء.
وبدا هذا المشهد وكأنه يُقرب تونس من انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، خاصة إثر تلويح الاتحاد بذلك كخيار أخير لإنهاء الأزمة التي تعرفها البلاد.