الغنوشي يتحدى نداء تونس: من يستطيع تشكيل حكومة دون النهضة فليفعل

الهيئة السياسية لحركة نداء تونس تصف التصريحات الأخيرة لرئيس حركة النهضة الإسلامية بـ"الخطيرة" وتكشف أن هذه الحركة لم تبتعد عن طبيعتها غير المدنية.
الاثنين 2018/11/05
النهضة تكشف وجهها الآخر

تونس - لم يكن التحدي الذي أطلقه راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإسلامية، لحركة نداء تونس، وبقية القوى السياسية في البلاد، مجرد رسالة سياسية مُرتبطة بالتجاذبات الحالية حول التعديل الوزاري المرتقب الأسبوع الجاري، بقدر ما يعكس محاولة لخلط الأوراق التي لها صلة مباشرة بالأزمة الراهنة، التي دخلت مرحلة خطيرة من الانسداد.

ويعكس هذا التحدي تحولا خطيرا في الموقف أملته التطورات السياسية المتسارعة، التي تُؤشر إلى قرب دخول تونس في مرحلة من الصراع السياسي بمعادلات جديدة، تفرض على الطبقة السياسية مناخا يدفعها بقوة نحو تغيير سياساتها السابقة، التي انتهجتها قبل الإعلان عن انتهاء التوافق بين حركتي النهضة والنداء.

وتستدعي هذه المرحلة توازنات واصطفافات جديدة، خاصة وأن الغنوشي بهذا التحدي، أظهر بوضوح أن حركته المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، لا تتوقف عن اللعب على أكثر من وتر لإطالة أمد الأزمة الراهنة، عبر إعادة تعويم عناصرها، لإرباك المشهد السياسي من خلال استعراض عضلاتها التي استقوت بتشتت وانقسام بقية القوى الحزبية الأخرى.

ولا يخلو التحدي الذي أطلقه الغنوشي من الاستفزاز، حيث قال في تصريحات إذاعية، تعقيبا على الدعوات لتشكيل حكومة جديدة لا تضمّ حركة النهضة، “من يستطيع أن يُكوّن حكومة دون النهضة فليفعل”، مشيرا في نفس الوقت إلى أن “الحياة السياسية قائمة على التنافس وإلى أن المشاركة في الحكومة ليست فرضا على الأحزاب”. وأضاف الغنوشي في إشارة إلى التعديل الوزاري المُرتقب، “من أراد فليُشارك ومن لم يرد المشاركة فله ذلك”، مؤكدا في المقابل على ضرورة إجراء التعديل، وأن حركته ستُشارك فيه “على قاعدة خدمة المسار الديمقراطي بتونس”.

وكانت الهيئة السياسية لحركة نداء تونس، قد دعت في بيان وزعته في وقت سابق، إلى “مشاورات سياسية بين القوى الديمقراطية لتشكيل حكومة جديدة لا تشارك فيها حركة النهضة”.

وأكدت “استعدادها للتشاور مع الطيف الديمقراطي التقدّمي لتشكيل الحكومة المقبلة وطبيعة التعديل الوزاري بدون مشاركة حركة النهضة”. ووصفت في بيانها التصريحات الأخيرة لراشد الغنوشي، بـ”الخطيرة وتكشف أن هذه الحركة لم تبتعد عن طبيعتها غير المدنية ومحاولاتها وضع يدها على مفاصل الدولة والسعي إلى تغيير إرادة الناخبين عبر فرضها شروط التحوير الوزاري المقبل”.

سامي الطاهري: التعديل الوزاري سيؤبد الأزمة، وسينتج نفس الأمراض
سامي الطاهري: التعديل الوزاري سيؤبد الأزمة، وسينتج نفس الأمراض

وعاد سليم الرياحي، الأمين العام لحركة نداء تونس، السبت، إلى التأكيد على هذا الموقف، حيث دعا من جديد إلى تشكيل حكومة جديدة لا تُشارك فيها حركة النهضة، كاشفا في نفس الوقت أن مشاورات تجري حاليا لتشكيل مثل هذه الحكومة.

وفيما يتواصل الجدل حول هذه المسألة المُرشحة للمزيد من التفاعل في أعقاب التحدي الذي أطلقه راشد الغنوشي، تترقب الأوساط السياسية إعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد، عن تعديل وزاري واسع خلال الأسبوع الجاري، كان قد وعد به في مايو الماضي.

وتُرجح الأوساط السياسية أن يشمل هذا التعديل عشر حقائب وزارية، وذلك في سياق حكومة جديدة ستحمل اسم “حكومة الائتلاف الوطني”، يُنتظر أن يتم عرضها على البرلمان لنيل الثقة إذا ما تأكد يوسف الشاهد من حصوله على 109 أصوات المطلوبة لتجديد شرعيته.

وكان الرئيس الباجي قائد السبسي وصف الحكومة الحالية بأنها “ليست شرعية”، وعليها تجديد شرعيتها من البرلمان.

ويحظى لجوء يوسف الشاهد إلى التعديل الوزاري لتجديد شرعيته، بتأييد حركة النهضة الإسلامية، ونواب الكتلة النيابية الجديدة “الائتلاف الوطني”، فقط فيما لا تزال حركة مشروع تونس برئاسة محسن مرزوق، لم تحسم أمرها بعد، رغم ربطها المشاركة في التعديل باستجابة رئيس الحكومة إلى جملة من الشروط منها تعهده بوضع حد لنشاط هيئة الحقيقة والكرامة.

وفي المقابل، تكاد بقية القوى السياسية تُجمع على رفض التعديل الوزاري المُرتقب، الذي دفع النائب البرلماني، منذر بالحاج علي، إلى وصفه في تصريحات إذاعية بـ”غير الدستوري”.

وتوقع في هذا السياق، أن رئيس الحكومة “لن ينجح في تمريره في مجلس نواب الشعب نظرا لمخالفته للدستور”، محذرا الشاهد “من المس بأساسيات الدولة”، قائلا “الشاهد بصدد ارتكاب خطأ كبير باعتقاده أن الدستور التونسي الجديد يخول له الحصول على الصلاحية المطلقة لتغيير التركيبة الحكومية”.

واعتبر بالحاج علي أن الشاهد الذي ارتكب تجاوزا دستوريا سابقا بعدم عرض حكومته على البرلمان لتجديد الثقة، يُحاول “الالتفاف” على النصوص القانونية عبر عرض التعديل الوزاري على التصويت بالبرلمان، وتسويقه لاحقا على أنه تجديد للثقة في الحكومة ورئيسها.

وبالتوازي، ارتفعت الأصوات الرافضة لهذا التحوير، حيث اعتبر سامي الطاهري، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، أن التعديل الوزاري المرتقب “هو حل ترقيعي لن يلبي الانتظارات لتجاوز الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ شهر فبراير الماضي”. وحذّر في هذا الصدد، من أن هذا التعديل “سيؤبد الأزمة، وسيتسبب في إعادة إنتاج نفس الأمراض مع تواصل حالة التجاذب السياسي واقتسام الوزارات على أساس أنها غنيمة من قبل الائتلافات الجديدة التي تتشكل وفقا للولاءات والانتماءات”.

وعلى وقع هذا الموقف، وصف زهير حمدي، الأمين العام للتيار الشعبي، في كلمة ألقاها السبت، التعديل الوزاري المُرتقب، بأنه “عملية بيضاء لإعادة الانتشار داخل القوى الرجعية على أساس تقاسم الغنائم على حساب مصالح الشعب، ستكون لها عواقب سياسية واقتصادية واجتماعية وخيمة”.

4