الغموض يتزايد بشأن نوايا إيران للرد على مقتل محسن فخري زاده في العراق

الميليشيات تخرق الهدنة غير الرسمية مع واشنطن باستهداف قواعد أميركية.
الأحد 2020/12/13
عجز عن الرد أم أن الوقت لم يحن بعد؟

امتد الارتباك الداخلي في إيران بشأن الرد على اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده إلى العراق حيث يزداد الغموض يوميا حول الرد الإيراني المحتمل ضد القواعد العسكرية الأميركية في البلاد وذلك في وقت خرقت فيه بعض الميليشيات الهدنة غير الرسمية مع الولايات المتحدة بتوجيه ضربات لأهداف أميركية.

بغداد - تتناقض المؤشرات في العراق بشأن الرد الإيراني المحتمل على مقتل العالم النووي محسن فخري زاده، بالتزامن مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للهجوم الأميركي الذي أودى بأهم عسكري إيراني خلال العقد الأخير، قرب مطار بغداد، الجنرال قاسم سليماني.

وبينما خففت الميليشيات العراقية الكبيرة من لهجتها العدائية ضد الولايات المتحدة بعدما تأكدت من فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، كسرت ميليشيات صغيرة الهدنة غير الرسمية بين المجموعات الشيعية المسلحة والوجود العسكري الأجنبي في البلاد وهاجمت قوات تابعة للتحالف الدولي الخميس الماضي، بعد أسابيع من توقف هذا النوع من العمليات في العراق.

وأعلنت ميليشيا “سرية قاصم الجبارين”، التي يُعتقد أنها واجهة لمجموعات شيعية مسلحة معروفة، مسؤوليتها عن هجومين استهدفا قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في محافظة المثنى جنوبا وقرب مدينة بغداد وسط البلاد.

ولتجنب الردود الأميركية الانتقامية، عمدت الميليشيات الشيعية المعروفة في العراق إلى تشكيل ميليشيات وهمية مهمتها تبني أي هجمات على مصالح الولايات المتحدة في هذا البلد.

وتُدرك الميليشيات الشيعية التابعة لإيران أن واشنطن لن تتورع عن ضرب أي منها بعدما قتلت سليماني ومساعده أبومهدي المهندس، وشنت غارات بشكل منتظم ضد مجموعات شيعية مسلحة قرب الحدود العراقية السورية تسببت في مقتل العشرات من المقاتلين الذين تشغلهم إيران في المنطقة، فضلا عن ضرب أهداف داخل سوريا.

وقالت ميليشيا قاصم الجبارين، إن “المقاومة الإسلامية سرية قاصم الجبارين نفذت عمليات نوعية استهدفت فيها قوات الاحتلال في (مدينة) السماوة (مركز محافظة المثنى) وناحية اللطيفية (جنوب بغداد) أدت إلى إعطاب عدد من آليات القوات المحتلة”.

وأضافت “في الوقت الذي عاشت فيه قوات الاحتلال فسحة من الأمان والتي تجرعنا فيها مرارة الصبر على جرائم قوات الاحتلال، نعلن نحن المقاومة الإسلامية (سرية قاصم الجبارين) عن نفاد صبرنا وانتهاء الهدنة والبدء باستئناف عمليات استهداف القوات المحتلة إلى حين الجلاء الكامل وخروجهم مذلولين من أرض الأنبياء والأئمة والأطهار والشهداء الأبرار والقادة الأخيار”.

وتقول مصادر حكومية في بغداد إن الصورة ليست واضحة بشأن ما إذا كانت إيران فعلا تريد أن تفتح صفحة جديدة من العلاقة مع الولايات المتحدة بعد فوز بايدن بالسباق الرئاسي، لاسيما بعد تعهدها مرارا بالانتقام لعالمها النووي فخري زاده الذي قتل في عملية غامضة داخل طهران، تعددت الروايات بشأن طريقة تنفيذها، لكنها انتهت إلى نتيجة واحدة تقريبا، وهي أن الفاعل إسرائيلي بدعم أميركي.

وازدادت التوقعات خطورة في هذا الشأن بسبب تزامن توقيت اغتيال فخري زاده مع الذكرى السنوية الأولى لمقتل الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، خلال غارة أميركية في الثالث من يناير 2020 قرب مطار بغداد.

قادة الميليشيات يحاولون الإيحاء بأن الرد الإيراني على مقتل زاده بالعراق سيكون مزلزلا لكنهم لا يتبنون شيئا صريحا

وتقول تقارير صحافية أميركية إن إيران ربما تجهز لهجمات ضد مصالح الولايات المتحدة عبر ميليشيات شيعية تابعة لها في العراق.

ويحاول قادة الميليشيات العراقية الإيحاء بأن الرد الإيراني على مقتل فخري زاده في العراق سيكون مزلزلا، بسبب تزامنه مع ذكرى مقتل سليماني، لكنهم لا يتبنون شيئا صريحا ضد الولايات المتحدة حاليا.

ويقول مراقبون إن سلوك قادة الميليشيات الشيعية في العراق، يترجم ارتباك راعيتهم إيران، التي تمر بحالة من عدم اليقين بشأن السياسة الأميركية المنتظرة تجاهها في عهد الديمقراطي بايدن.

ويعجز المراقبون في العراق عن التكهن بشأن سلوك إيران وميليشياتها، وما إذا كانت ستكتفي بالجعجعة الإعلامية أم أنها قد تلجأ إلى عمل متهور ضد الولايات المتحدة ثأرا لمقتل فخري زاده بالتزامن مع ذكرى مقتل سليماني.

وفي العراق، لا تزال حادثة مقتل سليماني تثير الجدل، وتكشف عن مستوى السطوة الإيرانية على قرار هذا البلد، إذ دخل اثنان من رؤساء الوزراء السابقين في سجال علني، الأسبوع الماضي، بشأن ما إذا كانت بغداد قد علمت مسبقا بالعزم الأميركي على تصفية الجنرال الإيراني البارز.

وقال حيدر العبادي، وهو الذي كان رئيسا للوزراء بين 2014 و2018، إن حكومة خليفته عادل عبدالمهدي كانت على علم بالغارة الأميركية التي قتلت سليماني والمهندس.

وقال العبادي في خطاب بمناسبة الذكرى السنوية لإعلان الانتصار على تنظيم داعش إن الطائرة الأميركية المسيرة التي نفذت الهجوم على موكب سليماني والمهندس قرب مطار بغداد، “حصلت على موافقة عراقية”.

لكن عبدالمهدي نفى فورا في رد مفصل، ما يكشف مقدار الرعب الذي يعتري ساسة العراق بشأن كل ما يتصل بإيران.

وقال عبدالمهدي في رده المكتوب، الذي وزع على وسائل الإعلام في بغداد الجمعة، “ننفي نفيا قاطعا ما تتداوله بعض وسائل الإعلام من أن جهات عراقية رسمية قد أعطت موافقات على طيران أمیركي استهدف الشهيدين المهندس وسليماني ورفاقهما، على العكس كان هناك تقيد صارم بقواعد الحركة سواء الأرضية أو الجوية، مع حصول خروقات بين وقت وآخر، كانت تسجل دائما، ونعلم الطرف المعني بها ونسعى للتعامل معها، وإيقافها”.

وأضاف “حصل منذ صيف 2019 تصعيد خطير بسبب ما حصل من قصف وقصف متبادل لمقرات حشدية عسكرية تابعة للحشد الشعبي أو لمواقع تواجد قوات التحالف والسفارة اضطرت معه القيادة العراقية التشديد على منع كل أشكال الطيران المسير وغير المسير إلا بموافقة الجهات الرسمية العراقية”.

وتابع أن “الأوضاع استمرت بالتصاعد سريعا خصوصا بعد قصف معسكر للحشد الشعبي في القائم وسقوط العشرات من الشهداء والجرحى، وما أعقب ذلك من تشييع كبير للشهداء واعتصام أمام السفارة الأميركية، أعقبه طلب متكرر من الجهات الرسمية الأميركية بالسماح لإدخال قوات جديدة إلى العراق أو للسماح لطائرات التحالف باستخدام المناطق المحظورة أو باستخدام الترددات العراقية، أو إدخال منظومة باتريوت، وهو أمر رُفض بشكل مكتوب وصريح رغم الإلحاح الأميركي”.

وبدا عبدالمهدي في رده منحازا إلى الإيرانيين ومحاولا إرضاءهم، وهو أمر متوقع بالنظر لدورهم البارز في تنصيبه، وحماية حكومته في مواجهة أوسع حركة احتجاج شعبي تشهدها البلاد، بدءا من أكتوبر 2019، وانتهاء باستقالة رئيس الوزراء السابق.

3