الغلاء يدفع البسطاء في مصر إلى إحياء عادة كعك العيد المنزلي

دفع غلاء أسعار المواد الغذائية بعض الأسر العربية التي أنهكتها مصاريف شهر رمضان للعودة إلى العادات القديمة التي نسيتها لسنوات عديدة. فالعائلات المصرية والسورية البسيطة اختارت ألا تحرم أطفالها من فرحة الأعياد لذلك قرّرت صناعة الحلويات في المنزل في سهرات رمضانية تجمع ربات البيوت والجارات.
القاهرة - استقبلت ليلى سويف وهي أم لأسرة من أربعة أبناء من المنوفية شمال القاهرة جنون أسعار كعك العيد بالعودة مرة أخرى إلى صناعته بالمنزل لتجاوز أزمة الشح المالي، وإضفاء حالة من البهجة على أولادها بالتجمع حول حلقة صناعة الكعك.
واستغنت سويف عن تصنيع الكعك في المنزل بعد أن توفي شقيقها منذ سنوات، واتجهت للاعتماد على الشراء من محال الحلوى المنتشرة في أرجاء المدينة، ومثلها في ذلك الكثير من ربات البيوت اللاتي لجأن إلى راحة البال بشراء الكعك جاهزا.
وأمام تراجع الظروف المعيشية للأسرة، قررت ليلى وعدد من جاراتها العودة إلى العادات القديمة، والتي يظل الكعك المنزلي بأنواعه وأشكاله من أبرز ملامح وطقوس العيد في أحياء مصرية عديدة.
وبررت السيدة المصرية عودتها إلى عادة صنع الكعك في المنزل بأنه يتكلف فقط نصف سعره جاهزا، ويتوقف الأمر على نوع السمن المستخدم في إعداد وتجهيز الكعك، فإذا كان السمن بلديا تكون الكلفة مرتفعة نسبيا.
ووفق حساباتها الدقيقة، لا يتكلف تصنيع كيلوغرام من الكعك في المنزل أكثر من أربعين جنيها (حوالي 1.3 دولار)، ما يعادل أقل من نصف ثمن الكيلوغرام الجاهز، كما يُتاح لها أن تقوم بتنويع أشكاله ونقوشه.
وأشار عادل السيد الباحث في الشؤون الاجتماعية إلى أن عودة الأسر البسيطة لتصنيع الكعك المنزلي بإمكانيات أقل تعكس أصالة الزوجة المصرية وامتلاكها الكثير من البدائل التي تخفف بها الأعباء المالية عن أسرتها.
ولفت لـ”العرب” إلى أن إحياء العادات والتقاليد التي تجاوزها الزمن على وقع الغلاء وتوفير النفقات توجه محمود من جانب الأسر البسيطة، لكن الخوف أن تستثمره الحكومة في إضافة المزيد من الأعباء بدعوى امتلاك الناس للصبر والبدائل الخلّاقة.
وطال جنون الأسعار في مصر كعك العيد، حيث يبدأ سعر الكيلوغرام الواحد من مئة جنيه (حوالي 3.2 دولار)، وهناك محال حلوى ارتفعت فيها الأسعار إلى مستويات قياسية، ووصل سعر الكيلوغرام إلى 800 جنيه (25 دولارا)، لكن الثمن يختلف حسب النوع والمنطقة السكانية وشهرة المحال.
وكان قرار السيدة سويف بالعودة إلى صناعة الكعك في المنزل مفاجأة بالنسبة إلى أسرتها وجاراتها، لكنها شجعتهن على ذلك لصناعة البهجة والفرحة أيضا خلال التجمع على طاولة واحدة والسهر على صنع الكعك، كل واحدة منهن تقوم بمهمة منفصلة.
وبدأت الأم تجميع جارتها في منزلها، وتم الاتفاق على تصنيع الكعك بالتناوب وهن يساعدنها لتنتهي من المهمة، وتقوم بالمثل معهن عندما تنوي كل واحدة أن تصنع الكعك في منزلها، بشكل أعاد التكافل الاجتماعي والمودة بين الجيران.
وهناك أمهات قررن العودة إلى تصنيع الكعك بالتجمع في منزل سيدة واحدة، وإنجاز كميات كبيرة وتوزيعها بينهن في النهاية نظير جمع مساهمات مالية لشراء المستلزمات.
وتتذكر صابرين محمد وهي أيضا قررت العودة إلى صناعة الكعك بنفسها، أنها تركت هذه العادة منذ سنوات، والآن أصبحت مضطرة لاستعادة مهاراتها القديمة في إضفاء البهجة على أولادها.
وقالت صابرين لـ”العرب” إن ربة المنزل في الريف لديها الكثير من مستلزمات صناعة كعك العيد، ولا تواجه أزمة في شراء المكونات، فهناك الكثير من الأسر تمتلك الدقيق المصنوع من القمح والسمن المستخلص من ألبان الماشية، مع السكر الذي يتم صرفه على بطاقات التموين.
ويخفف الاكتفاء الذاتي من مستلزمات إنتاج الكعك في المنزل من وطأة الإنفاق على شراء احتياجاته الضرورية واللازمة لتصنيعه في المنزل، مثل حالة صابرين.
ويحمل التصنيع المنزلي للكعك بالنسبة إلى صابرين مزايا أخرى بخلاف انخفاض تكلفته، إذ يكفي تجمع الصديقات والأبناء في أوقات الإعداد والتجهيز والخبز والالتفاف حول طاولة لنقش الكعك ثم تسويته في الأفران البلدية، وهذه فرحة مضاعفة.
وقالت صابرين “قررنا البدء مع العشر الأواخر من شهر رمضان، وكل سيدة بسيطة تأتي بما لديها من دقيق وسمن وسكر، نجلس في مكان واحد ونبدأ العمل بعد الإفطار ونستمر حتى الساعات الأولى من اليوم التالي”.
ربات بيوت قررن العودة إلى تصنيع الكعك بالتجمع في منزل سيدة واحدة وإنجاز كميات كبيرة وتوزيعها بينهن
ولا تنكر صابرين أن تجمعات البسطاء لصنع الكعك تنسي الهموم المتراكمة عليهن، ويلقين الغلاء وصعوبات المعيشة خلف ظهورهن ويتبادلن النكات وتتعالى الضحكات، ورغم بساطة المشهد إلا أنه يعيد ذكريات جميلة.
وبلغت مظاهر الاقتصاد عند البسطاء أن قررت بعض العائلات العودة إلى طهي الكعك في الأفران الطينية، وهذه يكون وقودها من حطب الأشجار.
ولا تزال الكثير من الأسر في ريف مصر تمتلك الأفران الطينية أمام ارتفاع أسعار أنابيب الغاز، لكن تواجه فتيات الجيل الحالي صعوبة في استخدام الأفران القديمة، في حين يكون الأمر سهلا وبسيطا على المرأة التي تربت داخل أسرة ريفية ونشأت على هذه العادة القديمة.
وليس من السهل على أي عائلة أن تُحيي عادة تصنيع الكعك في المنزل دون أن يكون من بين أفرادها سيدة لديها خبرة التصنيع ومهارة الإعداد واختيار المقادير بميزان مضبوط، حتى لا يفسد المنتج النهائي.
وأوضحت صابرين أن استدعاء المهارة في إعداد الكعك ضرورة حتمية، ويصعب على أيّ امرأة دون خبرة أن تنجز المهمة، فتسوية الكعك تتطلب مهارة وسرعة وصبرا وقوة تحمل، وأي تقصير في خطوة بعينها أو تراخ في مرحلة ما قد يتسبب في فشل المهمة برمتها.
وتظل القيمة الأهم للكعك المصنوع في المنزل أنه أعاد تشغيل سيدات كن متخصصات في هذه الصناعة المنزلية قبل سنوات، وصار يتم تأجيرهن لإعداد وتصنيع الكعك من العائلات التي لا تجيد تجهيزه منزليا، مقابل حصولهن على أجر بسيط أو منحهن جزءا من الكعك.

