الغرب يدخل على خط أزمة الإنفاق العام في ليبيا

ضغوط أميركية وأوروبية لدفع الفرقاء الليبيين للتوافق على موازنة موحدة.
السبت 2024/06/29
توحيد مصرف ليبيا المركزي محور لقاء في بازل السويسرية

يثير تدهور الأوضاع الاقتصادية في ليبيا قلق القوى الغربية لاسيما مع استمرار الانقسام السياسي وما يمكن أن يحمله كل ذلك من انعكاسات سلبية على السلم الاجتماعي، وهو ما حدا بتلك القوى إلى التحرك والضغط على الفرقاء الليبيين للتوافق على الحد الأدنى وهو صياغة موازنة موحدة للبلاد.

عاد ملف الموازنة العامة للدولة ليتصدر اهتمامات الشارع الليبي نتيجة تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية التي تعرفها البلاد والتي انعكست على الوضع العام بالمزيد من شح السيولة من المصارف وارتفاع الأسعار وتراجع قيمة العملة المحلية.

وتسعى عواصم غربية في مقدمتها واشنطن لإقناع سلطات طرابلس وبنغازي بتوحيد الموازنة في أسرع الآجال لمساعدة الليبيين على تجاوز الظروف المعيشية القاسية التي يعيشونها.

وأكدت القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني خوري أن توحيد الموازنة ضرورة قصوى، وقالت إنها تحث أصحاب الشأن كافة على حل ما تبقى من خلافات لضمان إقرار الموازنة بشكل سريع والاتفاق على تنفيذها على نحو يتسم بالشفافية ويخضع للمساءلة.

وتصدّر توحيد مصرف ليبيا المركزي محاور اجتماع محافظ المصرف الصديق الكبير ونائبه مرعي مفتاح البرعصي، الخميس، مع عدد من إدارات بنك التسويات الدولي في مقره بمدينة بازل السويسرية.

ستيفاني خوري: يجب إقرار موازنة موحدة بشكل سريع والاتفاق على تنفيذها
ستيفاني خوري: يجب إقرار موازنة موحدة بشكل سريع والاتفاق على تنفيذها

كما تطرق الاجتماع إلى عدد من الملفات الأخرى من بينها  “التطوير في الخدمات المصرفية وإدارة الأصول والاحتياطيات، وتطوير أدوات ومجالات الاستثمار، ودور مصرف ليبيا المركزي في المحافظة على الاستدامة المالية للدولة الليبية، وجهود إدارة الرقابة على المصارف والنقد في الامتثال للمعايير الدولية الصادرة عن لجنة بازل للرقابة المصرفية، ورؤية مصرف ليبيا المركزي لوضع إستراتيجية للشمول المالي والتقنية المالية”.

واتفق محافظ المصرف المركزي ونائبه قبل اللقاء على إعداد موازنة موحدة للبلاد للمرة الأولى منذ 4 سنوات، وكما هو متفق عليه يجرى اعتماد الموازنة من مجلس النواب، الذي مرت الأربعاء الماضي الذكرى العاشرة لانتخابه.

وبالتزامن، بحث رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة عددا من الموضوعات والملفات المهمة، وفق بيان لديوان المحاسبة جاء فيه أن الاجتماع ناقش أسس الموازنة التنموية لعام 2024، ومتابعة مشروعات تطوير قطاع النفط والغاز، بحضور وزير النفط والغاز المُكلف خليفة عبدالصادق، ووزير التخطيط المُكلف محمد الزيداني، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عادل جمعة ومدراء الإدارات المختصة بالديوان.

وقال المكتب الإعلامي لرئيس حكومة الوحدة إنه تم خلال الاجتماع التأكيد على ضرورة تطوير الخطة التنموية وضمان التدفقات المالية للمشروعات الجارية ومتابعة المشروعات التنموية لقطاعي الكهرباء والنفط بهدف استقرار شبكة الكهرباء ومعالجة مختنقات البعض من البلديات وتوفير المواد التشغيلية اللازمة.

وكان رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي شدد الاثنين الماضي على ضرورة “التمسك بالسيادة الليبية في إدارة وطنية مشتركة للموارد المالية والطبيعية وتحديد أولويات الإنفاق العام»، ووعد بأنه سيطرح أفكارا جديدة للعام 2024، وذلك في ظل “استمرار فشل المشاريع البديلة للجنة المالية

العليا”، معتبرا أن “فشل المشاريع البديلة للجنة المالية العليا انعكس سلبا على الدولة وأداء مؤسساتها وهيبتها”.

ورأى المنفي أن “الحل الأمثل هو التوافق الوطني وفق أساس علمي على حكم محلي موسع لعدد من الوحدات التنموية إلى حين الاحتكام إلى الشعب الليبي في استفتاءات أو انتخابات عامة”، وفق تقديره.

وجاء موقف المنفي بعد ساعات من لقائه مع المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند والقائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا جيرمي برنت والوفد المرافق لهما، والذي أكدت أوساط مطلعة أن جزءا مهما منه تمحور حول ملف الانفاق العام. وكشف نورلاند أنه بعد يومين من الاجتماعات مع القادة الليبيين يعتقد أن ليبيا لا تزال في حاجة إلى حوار حول الشفافية والمساءلة في توزيع عائدات النفط، وتعزيز أمن الحدود، وضمان سيادة ليبيا.

كما أشار إلى أن التوصل إلى اتفاق بشأن خارطة طريق تؤدي إلى انتخابات تقبل نتائجها جميع الأطراف الرئيسية هو مفتاح استقرار ليبيا، مؤكدا أن الولايات المتحدة ستظل منخرطة في دعم الجهود الرامية إلى تحقيق هذا الهدف. وبحسب مراقبين، فإن هناك جهودا تبذل بين شركاء داخليين وخارجيين للبحث عن حلول مبتكرة لأزمة الإنفاق العام التي لا تزال تدفع نحو إهدار الثروة مقابل التضييق على معيشة الأغلبية الساحقة من الليبيين.

ونقل سفراء الاتحاد الأوروبي الأربعاء مواقف دولهم إلى المنفي، وأكدوا في بيان مشترك استعداد الاتحاد للمساعدة بشأن الموازنة الموحدة “لتشجيع إحياء مجموعة العمل الاقتصادية لعملية برلين مع الرؤساء المشاركين الآخرين، وتشجيع جميع المؤسسات المعنية على العمل بشكل وثيق مع المجموعة في الأشهر المقبلة”.

وينتظر أن يتم خلال الأيام القادمة عقد اجتماع لمجموعة العمل الاقتصادية المنبثقة عن لجنة المتابعة الدولية لمخرجات مؤتمر برلين، والتي تضم في عضويتها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومصر، إلى جانب الأمم المتحدة، وذلك بهدف مناقشة سبل مساعدة الأطراف الليبية على التوافق حول موازنة موحدة للدولة.

 وحذر سفراء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المعتمدون لدى ليبيا خلال اجتماعهم في طرابلس من مخاطر الفساد المالي في ليبيا، وتأثيره على زعزعة الاستقرار في منطقتي البحر المتوسط والساحل الأفريقي، مشددين على ضرورة إيجاد آلية وطنية لمكافحته.

اجتماع لمجموعة العمل الاقتصادية خلال الأيام المقبلة لمناقشة سبل مساعدة الليبيين على التوافق حول موازنة موحدة

وأكدت مصادر مطلعة أن الجانب الأميركي يجري اتصالات عدة مع مختلف الفرقاء لإقناعهم بضرورة حل أزمة الموازنة وفق ما تم الاتفاق عليه  قبل أسبوعين في تونس، خلال اجتماعات أشرف عليها وكيل وزارة الخزينة بالولايات المتحدة، وحضرها محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة وأعضاء من اللجنة المالية بمجلس النواب، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، بالإضافة إلى وفد حكومة الوحدة الوطنية المكون من وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عادل جمعة، ووكيل وزارة الاقتصاد سهيل بوشيحة، والناطق باسم الحكومة محمد حمودة، ووفد المنطقة الشرقية ممثلا في رئيس صندوق إعادة إعمار ليبيا بلقاسم حفتر، ومسؤول من وزارة المالية بالحكومة المنبثقة عن البرلمان .

وأشارت المصادر إلى إصرار حكومة الدبيبة على القيام بدور السلطة المركزية التي تشرف على إدارة الموازنة، في ما أكدت حكومة أسامة حماد على تمسكها بالشرعية البرلمانية بعد مصادقة مجلس النواب أواخر أبريل الماضي على الموازنة المقدمة من قبلها بقيمة 90 مليار دينار ليبي (نحو 18.4 مليار دولار)، دون موازنة التنمية.

وبحسب أوساط ليبية مطلعة، فإن موازنة الدولة في ليبيا تحولت إلى شأن أميركي – أوروبي، وأن هناك مشاورات تجري على أكثر من صعيد لتقريب المسافات بين الفرقاء، ومنها دعوة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة محمد تكالة لزيارة باريس في أقرب وقت ممكن.

ويخشى المراقبون من استمرار حالة الانقسام السياسي والحكومي في تبديد كل المساعي الهادفة لحلحلة الأزمة المالية والاقتصادية عبر التوزيع العادل للثروة. وفي مارس الماضي، أكد محافظ مصرف ليبيا المركزي على ضرورة إعداد موازنة موحدة لتجاوز مأزق المالية العامة في البلاد، وذلك في رد على خطاب لرئيس الحكومة المنتهية ولايتها حول الوضع الاقتصادي والمالي للدولة.

 وأشار الكبير إلى أن الوضع المالي للبلد ليس جيدا، مما أجبر المركزي على اتخاذ إجراءات لترشيد استخدامات النقد الأجنبي لتوفير الاحتياجات الأساسية واللجوء إلى جزء منه عند الضرورة، متهما حكومة الوحدة الوطنية بعدم قيامها بالإجراءات التجارية والمالية المصاحبة بجانب تدابير البنك، وإنما توسعت في الإنفاق العام وبالأخص الاستهلاكي بما في ذلك الرواتب التي تجاوزت 65 مليار دينار (13.5 مليار دولار).

وخلال إحاطتها الأولى أمام مجلس الأمن قالت القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إن “الوضع أصبح أكثر صعوبة حيث العائلات والأعمال الصغيرة تواجه الأسعار المرتفعة وقدرات شرائية متراجعة وإمكانية بسيطة للوصول إلى السيولة النقدية”، مضيفة أن “هناك حاجة لتوحيد الموازنة الوطنية وهذا أمر ضروري”. وحثت كل الأطراف أصحاب المصلحة “لتسوية الخلافات القائمة لضمان تبنٍّ سريع والاتفاق على تنفيذ شفاف ومسؤول لهذه الاتفاقات”.

ويرى متابعون للشأن الليبي أن ملف الإنفاق العام في ليبيا أصبح ملفا غربيا بامتياز، وخاصة من حيث الاهتمام الأميركي المتزايد بضرورة تحقيق توحيد موازنة الدولة وتأمين دور مصرف ليبيا المركزي في تحديد سياسات الدولة المالية والاقتصادية، في ما تبدو الأطراف المحلية غير قادرة على تجاوز حالة الانقسام السياسي والحكومي، وبالتالي على ضمان التوزيع العادل للثروة، وإخراج البلاد من أزمتها المالية المتفاقمة.

4