الغاز الصخري الجزائري.. النقمة والنعمة

القرار حول الغاز الصخري الآن في منعطف حاسم بين عائدات آنية وعائدات إضافية تكون متنفسا إذا وظفت خارج منطق الريع وبين تفكير في مستقبل الأجيال القادمة وفي الأمن الغذائي.
الخميس 2023/03/09
الإقبال الأوروبي على الغاز الجزائري وفر لتبون هامش مناورة أوسع

عاد الحديث في الجزائر عن الالتفات مجددا إلى الغاز الصخري كملاذ للاقتصاد المحلي ولضمان المزيد من حاجيات السوق الأوروبية الباحثة عن مصادر تموين دائمة تكون بديلا للغاز الروسي، لكن غياب النقاش المجتمعي يجعل الخطوة محفوفة بالمخاطر، فالانشغالات التي رفعها محتجون منذ العام 2014 لا زالت دون إجابة إلى حد الآن.

وخلال العام 2014، قطع ناشط سياسي مسافة تفوق الألف ميل سيرا على الأقدام من أجل تعبئة الجزائريين للوقوف في وجه مشروع استغلال الغاز الصخري، وانتقل ناشطون وقادة سياسيون من الشمال إلى البلدات الصحراوية التي كانت مرشحة لتكون قاعدة أولية للمشروع، لمساندة مواطنيها الرافضين للمشروع.

ولأن الأحداث تسارعت في الجزائر منذ انتخابات الرئاسة التي جرت العام 2014، فإن الأضواء حجبت عن مشروع الغاز الصخري، وبقيت نفس الانشغالات والتساؤلات بدون أجوبة إلى حد الآن، وكل حديث عن العودة إليه يتطلب تقديم الإجابات المقنعة وإلا بقي نفس اللغط ونفس الموقف الشعبي.

◙ بلدية حاسي مسعود هي عاصمة الغاز والنفط الجزائري، لكن زائرها لا يرى شيئا يوحي بذلك، فالعوائد التي تدرها على البلاد لا يظهر لها أثر في حياة ومستوى معيشة سكان البلدية

وإذا كان الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة قد أرجأ الأمر في بدايته تلبية لرغبة سكان المناطق الجنوبية، وأعاب على الحكومة آنذاك سوء التواصل والافتقاد للغة الحوار مع الشارع، فإن التساؤل يطرح حول موقف الرئيس عبدالمجيد تبون، وكيفية تعاطيه مع الملف، خاصة وأن نفس الانشغالات لا زالت نفسها ولم تتغير قيد أنملة واحدة.

ولا زال الأمر في حاجة إلى نقاش واسع وعميق داخل المجتمع من أجل بلورة خيار نهائي قوامه الذهاب إلى الاستثمار في الغاز الصخري واستثمار أمواله في تنمية شاملة وبناء اقتصاد قوي، مقابل التضحية بالبيئة والإنسان وبمخزون المياه الجوفية، وبين غض النظر عنه إلى الأبد، والتفكير في بعث زراعة صحراوية يمكن أن تغذي دولا وشعوبا بأكملها والحفاظ على المياه الجوفية، التي لا يستبعد أن تكون نفط المستقبل وسبب الصراعات والحروب القادمة في العالم.

تداولت تقارير غربية مؤخرا أخبارا عن توجه الجزائر إلى استغلال الغاز الصخري، وتحدثت عن شركات عالمية مؤهلة لاستغلاله إلى جانب المجمع المحلي (سوناطراك) كشركتي إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية، ولا يستبعد دخول شركات أميركية وغربية أخرى على الخط.

والمسألة لم تأت من فراغ، فقد تحدث مسؤولون إيطاليون منذ أسابيع على هامش زيارة رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني إلى الجزائر عن وضع النقاط على الحروف بالنسبة إلى الاتفاق في مجال الطاقة المبرم بين البلدين، خاصة في مجالات المرافق التحتية والتكنولوجية في استغلال الغاز الصخري الجزائري.

والآن في جيب الرئيس تبون ورقتان ثقيلتان يفاوض بهما الرافضين لمشروع استغلال الغاز الصخري، أولاهما حاجة البلاد إلى المزيد من العائدات من أجل تحقيق طفرة اقتصادية وتلبية الحاجيات المحلية المتزايدة، وتحويل بلاده إلى رئة تضخ الهواء للاقتصاد الأوروبي، بضمان توفير المزيد من الحاجيات ومساعدته على التخلص من الضغوط الروسية.

ويبدو أن الإقبال الأوروبي على الغاز الجزائري منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية وفر للسلطة الجزائرية هامش مناورة أوسع للحصول على التكنولوجيات الحديثة المستعملة في استغلال الغاز الصخري، من أجل تحقيق منفعة متبادلة للطرفين، وهو ما تحدث عنه رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن عندما شدد على ضرورة مساهمة أوروبا بالأموال والتكنولوجيا في استثمارات سوناطراك من أجل تطوير قطاع الطاقة في البلاد.

◙ لأن الأحداث تسارعت في الجزائر منذ انتخابات الرئاسة التي جرت العام 2014، فإن الأضواء حجبت عن مشروع الغاز الصخري، وبقيت نفس الانشغالات والتساؤلات بدون أجوبة إلى حد الآ

لكن رغم ذلك تبقى عناصر المعادلة متنافرة وغير قابلة للانسجام إلى حد الآن، فميزات وفوائد اللجوء إلى الغاز الصخري واضحة للجميع، وكذلك ميزات وفوائد القطاع الزراعي واضحة أيضا، وهي التي تعززت أيضا بنقاش حول أمن غذائي إستراتيجي بدأ يؤرق العالم، والصحراء الجزائرية ستتحول إلى سلة غذاء للعالم متى تم الاهتمام بها والتركيز عليها.

وعلى ذلك فإن القرار الآن في منعطف حاسم، فهو مخير بين عائدات آنية وعائدات إضافية تكون متنفسا إذا وظفت خارج منطق الريع، وبين تفكير في مستقبل الأجيال القادمة وفي الآمن الغذائي، وفي جميع الحالات فإن السلطة الجزائرية المتفردة بكل القرارات أمام مسؤولية تاريخية، ولو أن منطقها المتسرع وغياب المناخ الملائم للنقاش الحر والمستفيض حول القضايا الكبرى يصب في وعاء الخيار الأول أكثر من الثاني، فالغرب بشكل عام لا يفكر الآن إلا في مصالحه الآنية ويضغط بكل ما أوتي من قوة في هذا الاتجاه.

وحتى مع ذلك فإن السلطة تبقى بعيدة عن مستوى بلورة خطاب وحوار مقنع وشفاف يقنع سكان المناطق المعنية، والرأي العام بشكل عام بالمشروع، فهي فشلت إلى حد الآن في تسويق خطابها بشكل سليم للشارع الجزائري، وقد تلجأ إلى تجريم أمني وقضائي للمواقف المعارضة له، كما يجري مع من يعارضها سياسيا، الأمر الذي سيكون مرورا بالقوة يضاف إلى محاولات مرور سابقة تتراكم الآن وقد تنفجر قبل أن يتجسد المشروع أصلا.

بلدية حاسي مسعود هي عاصمة الغاز والنفط الجزائري، لكن زائرها لا يرى شيئا يوحي بذلك، فالعوائد التي تدرها على البلاد لا يظهر لها أثر في حياة ومستوى معيشة سكان البلدية، ومنه يجدر التساؤل كيف سيقتنع سكان أدرار وعين صالح بمشروع الغاز الصخري، وهم يرون غيرهم يئنون تحت وطأة الفقر والتهميش في حاسي مسعود ولم يغير النفط والغاز العادي شيئا من حياتهم على مر العقود الماضية؟

9