العودة إلى ضرر كتاب

الكتاب المتاح اليوم تحميله مجانا من على الإنترنت، يحظى بتعليقات تصفه بالمهم، حتى وإن كان يسرد أن خليفة راشدا كان يتحدى خصومه بشرب السم القاتل أمامهم ولا يموت!
الاثنين 2022/02/07
هل يبدو مفيدا لهذه المقالة ذكر اسم الكتاب؟

بمصادفة غير متوقعة حصلت على نسخة إلكترونية من كتاب سبق وأن قرأته قبل أربعين عاما. واليوم لا أخفي انجذابي آنذاك إلى محتوى الكتاب المثير للشغف بمتنه المليء بالزيف التاريخي. الشغف وحده دفعني حينها لاستمرار القراءة، مع أنه وفق المنطق العقلي لا يمكن تصديق كل ما ورد في متن الكتاب الذي يتحدث بطريقة الاحتجاج والنقل لوقائع الخلاف بين الطوائف الإسلامية من عصر النبوة حتى منتصف العصر العباسي.

لم أتحدث وقتها مع محيطي الأسري والأصدقاء على الخلاف الفج الذي كان يدفع إليه هذا الكتاب بعبثية وتدليس. لكن ازدرائي لفكرة الكتاب كان يتصاعد كلما تقدمت بالعمر. فالعقل التحليلي للإنسان يتطور مع التجربة، لذلك كنت أستعيد في قراءتي الجديدة ما قرأته قبل عقود وأسخر من فكرة الحماس التي انتابتني حينها.

كانت النسخة الإلكترونية التي نزلت عليّ بشكل مفاجئ أشبه بهدية تاريخية لصورة قديمة بالأسود والأبيض من مقتبل العمر. لذلك أعدت القراءة على مدار ثلاثة أيام مستمرة بوعي منتصف العمر.

يا إلهي كيف لم ينتابني وقتها ما شعرت به اليوم من قرف، عندما يتسم صاحب الكتاب بالوضاعة في وصف الآخر، بينما يؤلّه غيره! ومؤلف الكتاب الذي يوصف بالعلّامة من القرن السادس الهجري عند طائفة إسلامية، لا يمكن إلا أن يعبر عن الكراهية في أقصى صورها وليس مجرد سارد لكلام فارغ.

الأكثر قسوة على الوعي البشري، أن الكتاب المتاح اليوم تحميله مجانا من على الإنترنت، يحظى بتعليقات تصفه بالمهم، حتى وإن كان يسرد أن خليفة راشدا كان يتحدى خصومه بشرب السم القاتل أمامهم ولا يموت، وهو قادر على التحدث بكل لغات الأرض آنذاك!

هذا الكتاب المكون من جزأين، يعد مصدرا لا ينضب للاستعانة به من قبل رجال الدين الطائفيين والعقول القبورية القاصرة في تصديق الخرافة التاريخية باعتبارها حقيقة يجب استعادتها في تعميق العداء من أجل إضفاء دور الضحية على فئة من المسلمين.

بعد القراءة الواعية الثانية لهذا الكتاب، كنت أريد أن أحسب الضرر الذي لحق بي وأنا أقرأه في عمر لم يصل العشرين. وهو في النهاية ضرر أقل عندما يقارن اليوم على مجتمعات برمتها بينما تضعه مرجعيات دينية في صدر مكتباتها الحافلة، ويتم الاستشهاد بفقرات منه في برامج تلفزيونية ومجالس دينية بوصفها دليلا مضافا لزيادة منسوب الكراهية بين الطوائف الإسلامية.

كم يبدو التاريخ الإسلامي هشا عندما يوجد فيه مثل هذا “المؤلف العلامة” الذي يسرد بصلافة قدرة بعض من يؤمن بهم تفوق ما حققه سوبرمان في آخر أفلامه وبرعاية ربانية.

في النهاية هل يبدو مفيدا لهذه المقالة ذكر اسم الكتاب؟ سنتجاهله كي لا نزيد منسوب الكراهية المتصاعدة في المجتمعات الإسلامية!

20