العمل الخيري سلاح الإسلاميين لتدعيم خزانهم الشعبي في الجزائر

توظيف التكافل الاجتماعي والتضامني لأغراض سياسية يثير حفيظة النخب.
الخميس 2020/12/24
المساجد جزء من حملة أذرع الإخوان

أعادت الأزمة الصحية التي يمر بها العالم بسبب تفشي فايروس كورونا المستجد منح إسلاميي الجزائر أداة العمل الخيري لاستمالة الناخبين، حيث تتحرك أذرع مقربة من التنظيم على غرار الاتحاد الطلابي الحر ووعاء من الكشافة الإسلامية على أكثر من صعيد من أجل الانخراط في تقديم المساعدات الاجتماعية والصحية وغيرها لاستقطاب الفئات الهشة.

الجزائر – ظلت “أسواق الرحمة” التي أطلقتها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في تسعينات القرن الماضي من أجل إغراء الشارع الجزائري لدعمها في الاستحقاقات الانتخابية، تمثل مدرسة تستلهم منها قوى الإسلام السياسي كيفيات توظيف العمل الخيري في استقطاب الوعاء الشعبي بالجزائر.

شكلت جائحة كورونا فرصة جديدة لتنظيمات وجمعيات محسوبة أو مقربة من أحزاب إسلامية في الجزائر من أجل توظيف الحملات التطوعية والأعمال التضامنية، بغية الظهور في ثوب الفاعل الاجتماعي المتفاعل مع حاجة الفئات الاجتماعية الهشة لمساعدتها على مواجهة الجائحة.

ويبقى تنظيم الاتحاد الطلابي الحر ووعاء من الكشافة الإسلامية وجمعيات محلية في البلدات والمدن تمثل ذراعا اجتماعية لأكبر الأحزاب الإخوانية في البلاد (حركة مجتمع السلم)، حيث تسجل حضورها دوريا في الأوضاع والحالات الاستثنائية سواء كانت صحية أو مناخية أو طبيعية، وحتى في المناسبات والأعياد الدينية.

وإذ دأبت القوى السياسية في الجزائر على إطلاق تنظيمات اجتماعية ونقابية وشبابية، من أجل تعبئة الشارع خلال الاستحقاقات السياسية والانتخابية، فإن أحزابا إسلامية ذهبت إلى أبعد من ذلك، من خلال استغلال الدين في حشد ودعم وعائها الشعبي، عبر توظيف الظروف الاجتماعية الهشة لبعض الفئات خلال المناسبات والأعياد الدينية لاستمالتها كقاعدة شعبية لها.

ومع مسارعة الحكومة في شهر مارس الماضي إلى تنظيم وتشديد الرقابة على عمليات التضامن الاجتماعي في إطار الجائحة الصحية، حيث تم حصرها تحت سلطة الهلال الأحمر الجزائري (مقرب من السلطة)، ونفس الشيء بالنسبة للتبرعات المالية التي خصصت لها حسابات مصرفية، درءا لأي توظيف سياسي للجائحة، فإن عمل تلك الآليات تحول إلى هيئات قاعدية كالتطعيم والتطهير في المدن والمباني الحكومية والمساجد، وجمع المواد الغذائية لصالح العائلات، بعيدا عن أعين السلطات المختصة.

الأحزاب الإسلامية استغلت الدين في حشد ودعم وعائها الشعبي، عبر توظيف الظروف الاجتماعية لبعض الفئات الهشة

وظهر حرص أتباع مختلف المذاهب الدينية على التطوع لخدمة المساجد تحسبا لعودتها أمام مرتاديها، فتم التطوع لعمليات ترميم وطلاء وتغيير الأفرشة وتنظيف المحيط، في صورة تخفي سباقا غير معلن بين تلك التيارات من أجل الاستحواذ على المساجد، باعتبارها مؤسسات يُصنع ويُوجه من خلالها الرأي العام، على اعتبار أن بيانات رسمية تحصي نحو 20 مليون مرتاد عليها.

وإذا كان التنافس الحزبي والسياسي على استقطاب الشارع دعما للمشروعات السياسية والاجتماعية المتداولة هو مبتغى الفاعلين في الساحة المحلية، فإن الأوضاع الصحية والمناخية والطبيعية وحتى المناسبات والأعياد الدينية تبقى مناسبات مفضلة لقوى الإسلام السياسي، فمع كل “كارثة” يعود للأذهان سيناريو “سوق الرحمة” التي أطلقتها جبهة الإنقاذ في تسعينات القرن الماضي.

وصار من السهل على سبيل الذكر التمييز خلال شهر رمضان بين موائد الإفطار، كأن تكون لرجل أعمال ينوي الترشح لانتخابات ما، أو جمعية أو منظمة ذات توجه سياسي تحاول من خلال إفطار صائم شريد أو متسول كسب صوت انتخابي خاصة قبل الاستحقاقات.

ويحمل إيلاء أحزاب إخوانية أهمية قصوى للدوائر الاجتماعية في البلديات والمجالس المنتخبة نوايا توظيف الحاجات الاجتماعية للفئات الهشة في تلميع صورة الإسلاميين لدى الرأي العام، أو دغدغة مشاعر هؤلاء لتعبئتهم سياسيا وانتخابيا مقابل الحصول على المساعدات الاجتماعية التي ترصد لها الحكومة سنويا أغلفة مالية ضخمة.

ومنذ أن أبدت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في مطلع تسعينات القرن الماضي استعدادها لاحتواء غضب الجيش آنذاك، عبر التنازل عن نتائج الدور الثاني للانتخابات التشريعية، وعن رئاسة الحكومة ومعظم الحقائب الوزارية، والاحتفاظ بثلاث حقائب فقط، هي العدل والتربية والشؤون الاجتماعية، يكون الإسلاميون في الجزائر قد نهلوا من مصدر واحد، وهو الاستحواذ واستغلال الدوائر الاجتماعية لاستمالة الشارع بواسطة المساعدات، حتى لو تجاوز الأمر المغزى الديني والأخلاقي.

وفوق ذلك، لا يهم هؤلاء إن كانت المسألة على مستوى مركزي أو محلي، لأن المهم بالنسبة لهم هو شراء تعاطف الفئات المسحوقة وضمان صوتها في الاستحقاقات الانتخابية والاستعراضات السياسية، ولذلك لا تتوانى جمعيات أو مستقلون إسلاميون في توظيف العمل الخيري والتطوعي لأغراض سياسية.

 إغراء الشارع الجزائري
إغراء الشارع الجزائري

وبين الجذور العميقة للفعل الخيري والتضامني المستلهم من الرصيد الديني والاجتماعي المتوارث عبر الأجيال في الجزائر، دخل الإسلاميون خلال العقود الأخيرة على الخط، ليتحول بذلك إلى استثمار سياسي، تعكف على تنفيذه جمعيات ومنظمات مختلفة وناشطون مستقلون، رغم محاولات السلطات المختصة التحكم في النشاط الجمعوي وتحييده عن الأيادي السياسية أو الأيديولوجية.

ومنذ الزلزال الذي ضرب مدينة بومرداس وضواحيها العام 2003، ظهر الإخوان في صدارة المحتكرين للعمل الخيري والتطوعي، وأخذ ذلك أبعادا إقليمية لما تم تنظيم حملات كبيرة للتضامن مع قطاع غزة، وتم شحن مساعدات ضخمة على عدة مرات إلى هناك خاصة خلال إدارة الإخوان للشؤون السياسية في مصر.

كما عكفت جمعية علماء المسلمين الجزائريين المقربة من الإخوان على تنظيم حملات تطوعية لفائدة سكان القطاع، بالتنسيق مع فاعلين إسلاميين في هذا المجال، في خطوة تترجم التضامن الدولي والإقليمي بين منتسبي التيار الدولي، في حين يغيب ذلك عمن لا يقاسمونهم نفس الخلفية الأيديولوجية على غرار مجتمعات الحدود الجنوبية أو النازحين الأفارقة بالجزائر.

ورغم انكماش وعاء الإسلاميين خلال السنوات الأخيرة، لأسباب مختلفة ومتعددة، إلا أن ورقة الخدمات الاجتماعية تبقى رهانا وازنا لديهم في مفاصل الدولة والمؤسسات الرسمية والأهلية لقناعة لديهم بأن “إطعام البطن من إطعام صندوق الاقتراع”، وهي أقرب الوسائل للتلاعب بعواطف هؤلاء، خاصة في ظل توسع دائرة الفقر في المجتمع.

ويبقى بالنسبة لهؤلاء ثوب العمل الخيري والتطوعي أفضل غطاء لتمرير مختلف الخطابات الإسلامية والبقاء قريبا من الفئات المسحوقة، حتى لو أن المخطط صار مصدر استنكار النخب الثقافية والسياسية، بعد المساس بالعمل الخيري والتطوعي كقيمة دينية وأخلاقية لا يراد منها مقابل.

13