العلاقات الفرنسية – البريطانية… عقود من التقارب والتنافر

مواقف باريس الأكثر قسوة بشأن بريكست تعكس مواقف لندن.
الاثنين 2021/01/11
أوجه تعاون لا تخفي التدافع

لندن - هناك رابطة قوية تجمع بين البريطانيين والفرنسيين منذ الأزل، حيث تتعايش دولتاهما على مقربة جغرافية وثيقة، كما يربط بينهما تاريخ طويل من المودة والتنافر، لكن التنافر هو الجزء الملاحظ بصورة أكبر من الاحترام المتبادل.

وعلى الرغم من ذلك، فقد كشفت محادثات التجارة الأخيرة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، أن البريطانيين يشبهون الفرنسيين في الكثير من النواحي، أكثر من تشابههم مع أبناء عمومتهم في اللغة، وهم الألمان. وحتى مواقف باريس الأكثر قسوة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كانت تعكس مواقف لندن.

وقد أصرت الحكومتان على العديد من الخطوط الحمراء ورفضت فرنسا استفادة المملكة المتحدة من برامج أوروبية، مثل برنامج التبادل الطلابي “إيراسموس” القائم منذ عام 1987، ومشروع “غاليليو” الخاص بتطوير قمر صناعي للأغراض العسكرية، بينما طالبت حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بإنهاء حرية تنقل مواطني الاتحاد الأوروبي في أراضيها. ويمكن القول إن الأمر كان فارقا بصورة أكبر بالنسبة إلى هذين الشريكين التقليديين أكثر مما كان عليه بالنسبة إلى برلين.

وفي الدولتين، فإن الخسارة المؤلمة للإمبراطورية لم تؤد إلى محو التطلعات العالمية، حيث تحظى كل من الدولتين النوويتين بمقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولدى كل منهما أفكار هائلة لما يمكن أن يقدماه من خلال إبراز قوتهما التجارية وثقلهما العسكري.

ويجعل ذلك منهما مختلفتين عن حلفائهما الأميركيين والألمان، حيث تتمتع الولايات المتحدة بقوة حقيقية، كما يمكن لألمانيا أن تمتلكها ولكنها لا ترغب في ذلك.

ومن جانبها، تسعى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى توطيد العلاقة بين البلدين في قلب الاتحاد الأوروبي، من خلال ابتكار تقاليد “الصداقة” بقوة، إلا أن ذلك لا يغير الديناميكيات الحقيقية.

وفي الوقت نفسه، تهيمن على الصورة الكبيرة، مثلما كانت دائما، سياسات القوة والنفوذ المالي عبر الأطلسي. ولطالما اعتقدت فرنسا أن البريطانيين مستضعفون للغاية أمام القوة العظمى الأميركية، بينما يرى البريطانيون أن الفرنسيين يتوسلون أمام الاقتصاد الألماني العظيم، فيما لا يجعل القيام بأدوار ثانوية التنافس عبر القناة الإنجليزية من أجل الحصول على منافع، أقل قوة.

رغم أن التوقعات الاقتصادية تأتي وتذهب، تبقى المنافسة والتعاون بين هاتين الدولتين العظميين بلا نهاية على الإطلاق

وفي ما يخص القوة الناعمة، لطالما انتصرت فرنسا في المعركة من أجل كسب مودة الطبقة الوسطى الثرية في بريطانيا. كما يحب البريطانيون الطراز والمطبخ الفرنسيَين، ويتطلعون إلى المنازل الموجودة في لوبرون بفرنسا، وليست تلك الموجودة في ولاية بادن فورتمبيرغ الألمانية.

كما يكثر البريطانيون الناطقون باللغة الفرنسية في “وكالة الليسيه” الفرنسية في لندن (وهي وكالة التعليم الفرنسي في الخارج)، أما الأمر في المدرسة الألمانية فليس كذلك.

ومن جانبه، يشعر ماكرون بالغيرة بسبب القوة المالية للندن، ويرغب في أن تحل باريس محلها. وحتى وقت قريب، كان يُفترض أن تدور العلاقة بين البلدين حول تنافس وطني في طريقه إلى الزوال، وصداقة متنامية يحتضنها الاتحاد الأوروبي.

ولم يكن من قبيل المصادفة أن يفرض ماكرون ما يشبه الحصار المصغر على بريطانيا خلال الأيام القليلة الأخيرة التي سبقت فترة أعياد الميلاد، حيث بدا أن اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي يساوي المليارات بالنسبة إلى الطرفين، قد تعثر بسبب الخلاف حول قضايا متعلقة بالصيد.

وأغلقت فرنسا بشكل مفاجئ حدودها مع بريطانيا قبيل الكريسماس، ما تسبب في تأخيرات بقطاع النقل في إقليم كنت الإنجليزي الواقع في جنوب شرق البلاد، حيث قضى الآلاف من سائقي المسافات الطويلة أياما انتظارا في طوابير لإتمام إجراءات دخولهم.

ورفض الفرنسيون السماح لسائقي الشاحنات بنقل بضائعهم عبر القناة الإنجليزية، بدافع أن السلالة الجديدة شديدة العدوى من وباء كوفيد – 19 والتي ظهرت لأول مرة في بريطانيا يجب أن تبقى بعيدة.

وقال رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس في تصريحات له مؤخرا، إن بلاده ستبقي على حدودها مغلقة أمام القادمين من بريطانيا في المستقبل المنظور، بسبب السلالة المتحورة من فايروس كورونا التي تنتشر هناك بشكل سريع.

وأكد كاستيكس أن أي شخص سيتم السماح له بالسفر سيتعين عليه تقديم نتيجة تحاليل سلبية للفايروس قبل دخوله فرنسا.

ويوجد في فرنسا حتى الآن مجموعتان من سلالة كورونا الجديدة، والتي يقال إنها أسرع في الانتشار.

من ناحية أخرى، اكتفت دول أخرى بحظر السفر الجوي إلى مطارات المملكة المتحدة. وعلى الرغم من أن التوقعات الاقتصادية تأتي وتذهب، تبقى المنافسة والتعاون بين هاتين الدولتين العظميين بلا نهاية على الإطلاق.

5