العقبة الكأداء بين السبسي والرئاسة

على عكس الكثير من التقديرات السياسية التي تعتبر أن حزب نداء تونس سيدفع الرئيس الباجي قائد السبسي إلى الانخراط في الانتخابات الرئاسية القادمة، فإن الأقرب إلى الواقع والمنطق أنه لا شيء يجعل قائد السبسي يحجم على التقدم إلى السباق الرئاسي ويفكر في الأمر مرارا وتكرارا، أكثر من الواقع التعيس الذي يعيشه الحزب.
بات نداء تونس منذ أكثر من ثلاث سنوات “الرجل المريض” الذي فشلت كافة وصفات العلاج في استدرار شفائه، وحالت أدواء الشخصنة وأمراض المحاصصة والانقسامات العميقة دون استرجاعه لوزنه السياسي في البرلمان والحكومة ولشعبيته في الشارع التونسي.
وأصبح الحزب الذي وُلد كبيرا بشرعية “الكتلة التاريخية”، عبارة عن كتل متناحرة في البرلمان أو في المشهد السياسي، وعوضا عن ضخ دماء جديدة في نداء تونس من خلال مؤتمر انتخابي عام يعيد تأثيث مفهوم القيادة وترتيب الأولويات وتنسيق المهام، انخرط الحزب في حلول ترقيعية عبر إبرام تحالفات وظيفية مع أحزاب مأزومة ووجوه سياسية متأزمة، الأمر الذي أدخله في عاصفة من الاستقالات والانشقاقات الجديدة والتي تكاد تسقط البيت الندائي على رؤوس أصحابه أو من تبقى منهم.
في بيئة ندائية شبيهة لا يُمكن لعاقل أن يتصور أن يتقدّم الباجي قائد السبسي بكل أريحية إلى الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة كممثل عن حزب يتآكل باطراد، قد يُفكر في الترشح باسم العائلة الدستورية أو بشكل مستقل مدعوم ببعض القوى المدنية ولاسيما منها القوى الحداثية والنسائية، ولكن أن يقتصر ترشحه على النداء المأزوم والمقسوم فهذا مستبعد بشكل كبير.
صحيح أن قائد السبسي لم يخف نيته الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، وصحيح أنه في آخر تصريح صحافي أشار إلى أن دستور البلاد والقانون الانتخابي لا يمنعانه من خوض السباق نحو قصر قرطاج، ولكن الصحيح أيضا أنه ربط ترشحه بقرار واضح من القيادة الشرعية التي سيثمرها المؤتمر الانتخابي الجامع لنداء تونس، وطالما أن مصير المؤتمر معلّق بنقص الإرادة السياسية وبالمكاسرات الاصطفافية وبحروب الإقالات والبيانات، فأي قرار صادر من قيادة الأمر الواقع هو قرار مستنقَص الشرعية لن يُفيد قائد السبسي في شيء.
ولأن الحزب بوضعه الحالي يفرخ الأزمات ويصدر التأزيم إلى الخارج، فإن قائد السبسي يؤثر التفكير مليا قبل خوض انتخابات الرئاسة بعنوان حزب يستهلك منه الكاريزما والقيادة والقوة الناعمة، ولا يمنحه سوى فائض التشكيك والشرعيات المنقوصة.
فرضيّة الفوز المر لا تغيب عن تفكير قائد السبسي، فالرجل يعرف أن إمكانية انتصاره واردة في السباق الرئاسي، صحيح أنها ليست بذات حظوظ 2014، ولكنها لا تزال قائمة وبشكل محترم، غير أن الذي يخشاه كامن في إمكانية انتصاره في قرطاج في مقابل خسارة النداء للانتخابات البرلمانية وتحوله إلى أقليّة غير وازنة في مجلس النواب، الأمر الذي يصير قائد السبسي إلى “رئيس المعارضة” في وجه “رئيس الحكومة والحكم” وهو استنساخ مرير لذات المشهد الحاصل اليوم.
يعرف قائد السبسي أن نصف التأييد الذي قدمته له حركة النهضة في انتخابات 2014 ونصف الرفض الذي قدمته للمنصف المرزوقي، كانا لغرض إقرار التجانس بين الحكومة والرئاسة حتى لا تكون الحكومة بلون سياسي والرئيس بلون آخر متناقض.
ويدرك أيضا أن ذات المشاورات السياسية تقريبا تحصل اليوم في مجلس شورى النهضة، حيث تراهن الحركة على تحالف مع يوسف الشاهد يبسط للثنائي الجديد السجاد الأحمر في الرئاسة والبرلمان والحكومة.
وكما وضعت الحركة المرزوقي على هامش تحالفاتها في 2014، تضع اليوم قائد السبسي خارج شبكة قراءتها للمشهد السياسي القائم والقادم، وستضع في الغد يوسف الشاهد على قارعة التشابك مع اللاعبين السياسيين الجدد.
لا يريد قائد السبسي أن يدخل الحرب الانتخابية بجناح برلماني مكسور وبحزب قاصر على فرض توجهاته في البرلمان، ولا يرغب في أن يكون رئيسا يراقب تطورات الأوضاع ولا يؤثر فيها، جزءا من سلطة تنفيذية لا يتحكم في تفاصيلها. اليوم يقف قائد السبسي دون جيش أو بجيش متهالك ومستنزف، ولا نعرف هل يتقدم أو يُحجم، ولكن ما نعرفه أن الجيوش المنضبطة تخلّد جنرالاتها وأن الجيوش الخائبة لا تسقط القلاع وتسقط في المقابل قادتها.