العطلات الأسرية نعمة أم نقمة

تكتسي الإجازات الأسرية أهمية بالغة نظرا إلى تأثيراتها الإيجابية على كافة أفراد الأسرة، إلا أنها لا تخلو من جوانب سلبية فقد تتحول من مصدر للراحة والسعادة والترفيه عن النفس إلى مناسبة للاختلافات والخلافات داخل العديد من الأسر.
برلين - يستغل أفراد العديد من الأسر فترة الإجازات للتجمع ولقضاء وقت جيد معا في الطهي والأكل والتحدث، حيث يراها البعض فرصة لأن يرى الأجداد أحفادهم المحبوبين، ويمكنهم أيضا البقاء معهم ليكون أمام الأب والأم فرصة للخروج بمفردهما، ولكن في الواقع بعد انقضاء ثلاثة أيام فقط يتلاشى السلام والانسجام ويبدأ الجميع في الاختلاف والجدال.
ويقول إكارت هامر، أستاذ علم الشيخوخة في الجامعة البروتستانتية للعلوم التطبيقية في لودفيجسبورج بألمانيا، إن هذا الأمر لا يدعو إلى الاستغراب موضحا أن “العطلات هي في الأساس حقل ألغام للعلاقات وليس بين الأجيال المختلفة فقط ولكن بين الأزواج أنفسهم”.
وعلى كل حال هناك مصادر لا حصر لها للخلافات؛ فالطفل ذو الأربعة أعوام لا يريد الذهاب إلى المتحف والوالدان لا يريدان الذهاب إلى الشاطئ مجددا والجد والجدة لا يريدان مراقبة الأطفال طيلة اليوم أيضا. ومن ناحية أخرى، لماذا يجب أن يستمر الأجداد في إعطاء الحلوى سرا للصغار طيلة الوقت؟ أليس الأب والأم صارمين للغاية؟
وبحسب هامر هناك مشكلة هيكلية تكمن وراء الطريقة التي نتعامل بها في العطلات، ويوضح “في الحياة اليومية نرى بعضنا البعض في المساء أو في عطلات نهاية الأسبوع على الأكثر والآن فجأة نرى بعضنا على مدار الساعة لثلاثة أسابيع”.
وغالبا ما يكون الاختلاف بين العطلات والحياة العادية أكبر بين الأجيال، حيث أن الكثير من الأجداد نادرا ما يرون أطفالهم وأحفادهم لأنهم ببساطة يعيشون بعيدا عنهم للغاية.
وعندما تتغير هذه المسافة فجأة إلى قرب متواصل، حتى أقوى العلاقات تقع تحت الاختبار، ويبين هامر ذلك “وأهمها أنه غالبا ما يتم إضفاء الصيغة المثالية على العطلة وكذلك توقعات كبيرة”. ولذلك ينصح بأن تكون لكل فرد من أفراد الأسرة غرفته الخاصة وأن يفعلوا الأشياء بمفردهم وبهذه الطريقة سيكون اللقاء مجددا أكثر متعة.
وقال المعالج المعني بالشؤون الأسرية هانز بيرفانجر إن العطلات يمكن أن تكون تجربة عاطفية للغاية، مضيفا أنها يمكن أن تكون صعبة للغاية أيضا بين الأسرة وبين الأجيال لأنه غالبا ما تكون هناك “خلافات عالقة”.
ونصح إكارت هامر الأسر الكبيرة بإجراء محادثات أولية قبل الشروع في عطلة جماعية، مضيفا “يمكن أيضا الاتفاق على ترك بعض النزاعات القائمة في الأسرة جانبا ولفترة قصيرة”. وإذا ما كان في الأسرة أطفال صغار، فينصح هامر أيضا بالاتفاق على بعض القواعد الأبوية قبل المغادرة. وفي النهاية غالبا ما يكون الآباء أكثر صرامة والأجداد أكثر لينا.
وأشار إلى أنه “في الأساس الآباء هم من يقررون القواعد عندما يتعلق الأمر بتربية الأطفال وهذا هو الحال أيضا خلال العطلات، ولكن يمكن أن تكون هناك بالطبع قواعد قليلة للعطلات فقط. ويمكن للأطفال فهم هذا الاختلاف”.
ونبه خبراء العلاقات الأسرية إلى أنه غالبا ما تقع خلافات بين الأزواج في الإجازات بسبب انشغال الشريك عن شريك حياته، أو الاختلاف حول برنامج محدد يتوافق حوله جميع أفراد العائلة.
وأكدت البحوث أن غالبية الزوجات والأزواج يعتقدون أن قضاء عطلة معا سيحسن علاقاتهم، وأن الإجازة تعد طريقة مثالية لإعادة الترابط بين الزوجين، كما أن تغير المناظر يبعث دائمًا على الرومانسية.
وشددت أخصائية العلاقات الأسرية الإنجليزية روزا جون على ضرورة أن لا يكون التنزه خلال الإجازات مكلفا كثيرا للزوجين، أو يستغرق وقتا طويلا، بل إن قضاء ليلة في فندق محلي، أو اكتشاف منطقة قريبة، يمكن أن يكون له نفس أثر القيام بإجازة على شاطئ ساحر، وأهم ما في الأمر هو الخروج والاستمتاع.
وأكدت أن القاعدة الأساسية التي يجب أن يتبعها الزوجان تتمثل في أن الإجازات لا تعني الهروب، بل تعني إعادة التواصل مع الآخرين.
هذا وكشفت دراسة أنجزتها جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو أن الإجازة تعد الطريقة المثلى لتحسين الأداء الإدراكي للإنسان، مشيرة إلى أنها ليست مجرد وقت يقضيه الإنسان متوقفا عن أداء ما اعتاد فعله بشكل عام، بل إنها ذات تأثير كبير ومهم على الصحة النفسية والعقلية والجسدية للإنسان، لافتة إلى أن قضاء عطلة ممتعة يساهم في الحد من الآثار الضارة المرتبطة بالتوتر؛ فكلما ابتعد الإنسان عن مشاغل الحياة ومسؤولياتها وبحث عن الاسترخاء لبعض الوقت تغيرت حياته الأسرية والاجتماعية إلى الأفضل.
وأظهرت دراسة أميركية سابقة أن الإجازات من الممكن أن تؤثر في صحة الإنسان العقلية، مشيرة إلى أن هذه التأثيرات السلبية ترجع إلى أسباب عديدة من بينها تزايد إنفاق الأسر في الإجازات والأعياد على الأكل والشرب، وذلك خلافا للأيام العادية.
ولفتت إلى أن العطلة أو الأعياد تعد مناسبات مميزة، حيث يجتمع كافة أفراد الأسرة والمقربين، إلا أنه قد يضطر الشخص إلى الدخول في مناقشات محرجة في شتى المجالات، مما يدفعه إلى الوقوع تحت سطوة محاولة فرض الرأي في الكثير من الأحيان وعدم تقبل الرأي مما يؤثر سلبا على صحته النفسية.
وأوضح الخبراء أن الترابط الاجتماعي قد يقلل من التأثير السلبي للتجمعات العائلية في الإجازات والأعياد، وهذا بدوره يقلل من توتر اللحظة، وخطر الإصابة بأمراض القلب.