العشائر العربية الإجرامية تؤرق أجهزة الأمن الألمانية

رغم إعلان السلطات الألمانية أنها لن تظهر أيّ نوع من التسامح مع الجرائم التي ترتكبها العصابات العربية إلا أنها لم تستطع وضع حدّ لها.
الجمعة 2021/02/19
قصور أمني في تطويق الجريمة

ظاهرة العشائر الإجرامية التي تشكل مجتمعات موازية وتمتلك مشاريع لتبييض أموال المخدرات وتجارة السلاح والسرقة والقتل بناء على الطلب ليست جديدة في ألمانيا، لكنها تعود دوريا إلى الواجهة كلما نفذت الشرطة مداهمات لمناطق سيطرة تلك العصابات أو اعتقلت أفرادا منها.

برلين- شكل غياب الرقابة الحكومية وانعدام الأفق في ما يخص مجال العمل والتعليم أرضا خصبة لبروز العشائر العربية الإجرامية في ألمانيا التي تعزز نفوذها بعد نجاحها في استقطاب أعضاء جدد من المهاجرين على إثر موجة اللجوء الكبيرة التي عرفتها ألمانيا سنة 2015.

ووفق تصنيف مكتب مكافحة الجريمة الألماني، تأتي العصابات العربية في المرتبة التاسعة بعد التركية، البولونية، الألبانية، الصربية، الروسية والإيطالية. ورغم أن العصابات العربية ليست الأخطر في ألمانيا إلا أن ثمة ما ميزها.

وأعلنت الشرطة الألمانية بالعاصمة برلين الخميس القيام بحملة مداهمات كبرى ضد جرائم العشائر في برلين ومحيطها. وأوضح الادعاء العام على تويتر أن حملات المداهمة كانت موجهة ضد مشتبه فيهم من عشائر تنحدر من أصول عربية ومواطنين روس من أصول شيشانية، فيما تتنازع العصابتان على النفوذ في المدينة وسبق أن اشتبكتا في خريف 2020.

وبحسب مكتب مكافحة الجريمة، هناك في ألمانيا نحو 14 عصابة عربية، تتخذ العائلات الإجرامية هذه من أربع ولايات ألمانية مسرحا لها، وهي: برلين، بريمن، شمال الراين – ويستفاليا وساكسونيا السفلى، وفي مدن فيها بالتحديد وهي: برلين وبريمن وإيسن ودورتموند ودويسبورغ.

رالف غضبان: العصابات العربية الموجودة في ألمانيا ترتكز بصورة أساسية إلى تكوينها العشائري
رالف غضبان: العصابات العربية الموجودة في ألمانيا ترتكز بصورة أساسية إلى تكوينها العشائري

ويوجد في العاصمة برلين لوحدها أربعة آلاف شخص ممن ينتمون إلى هذه العائلات ويُعدون من الفاعلين. وفي مدينة إيسن أكثر من 6 آلاف شخص. وفي بريمن توجد 33 عائلة تنتمي إلى هذه المجموعة وتتكون من 2500 فرد على الأقل.

وبحسب تقرير للقناة الألمانية الأولى، فإن أكثر تلك العائلات نفوذا في منطقة الرور في ولاية شمال الراين – ويستفاليا هي عائلات أبوشاكر والزين وعميرات.

وتعود أصول غالبية العصابات العائلية إلى لبنان، حيث وصل معظم أفرادها في أوج الحرب الأهلية قبل 3 عقود وانخرطت في تجارة المخدرات والسرقات، وتعمد اليوم هذه العصابات إلى استغلال ظروف اللاجئين لتنفيذ مختلف الأعمال الإجرامية.

ويقول ماتياس روه الخبير في شؤون المجتمعات العربية “لم يكن لهؤلاء المهاجرين الحق في التعليم أو العمل، لذا أصبحت بيئتهم ملائمة للانحراف”.

ونفذت العصابات العربية هذه أكثر العمليات إثارة، حيث سرقت قطعة نقدية من الذهب الخالص تزن 100 كيلوغرام بقيمة أربعة ملايين يورو من أحد متاحف برلين ونفذت عمليات سطو مسلح في وضح النهار على أحد البنوك وسرقت 9 ملايين يورو، وكذلك نفذت عمليات شهيرة على الكازينوات ومحلات بيع المجوهرات في برلين.

وقد صادرت السلطات الألمانية في وقت سابق 77 عقارا بقيمة نحو 10 ملايين يورو بعدما اشتبهت بمصادر شرائها. ورغم إعلان السلطات الألمانية أنها لن تظهر أيّ نوع من التسامح مع الجرائم التي ترتكبها هذه العائلات وألقت القبض على عناصر منها، إلا أنها لم تستطع حتى الآن وضع حدّ لها رغم قيامها بحملات مداهمة واسعة على مقار أفرادها.

والتحدي الأكبر أمام مكتب مكافحة الجريمة هو صعوبة ترقب مصدر تدفق الأموال للعصابات تلك ومسارها. وتكمن صعوبة التحقيق في جرائم هذه العصابات في عدم قدرة الأجهزة الأمنية على التغلغل في هياكلها عبر محققين سريين، بالإضافة إلى أن هذه العصابات تمارس ضغوطا كبيرة وتهديدات على الشهود الذين يحاولون فضح ممارساتها الإجرامية.

هناك في ألمانيا نحو 14 عصابة عربية تتخذ العائلات الإجرامية هذه من أربع ولايات ألمانية مسرحا لها

كما أن صلة القرابة التي تجمع بين أفراد تلك العصابات تجعل من الصعب جدا الحصول على أي معلومات حول نشاطاتها الإجرامية أو هياكلها وطرق تعاملها. ويرى الباحث الاجتماعي والخبير في قضايا الهجرة رالف غضبان أن “العصابات العربية الموجودة في ألمانيا ترتكز بصورة أساسية إلى تكوينها العشائري” وهو ما يعرقل جهود تتبعها وتعقب مسار عملياتها.

ووفق السلطات الألمانية، يكمن الخطر اليوم في جانبين، الأول عمل هذه العشائر على تجنيد اللاجئين وثانيا أن المهاجرين الجدد أصبحوا ينافسون العشائر العربية المقيمة في ألمانيا منذ فترة طويلة ويضعونها تحت الضغط.

وهؤلاء اللاجئون مفيدون بشكل خاص بالنسبة إلى هذه الأسر العربية بسبب وجوههم الجديدة غير المعروفة للشرطة الألمانية. وهؤلاء الوافدون الجدد الذين تحولوا إلى مجرمين مستعدون للمخاطرة من أجل خدمة عائلات الجريمة حتى يتجنبوا ترحيلهم. وحتى بين أفراد هذه العائلات يمكن أن تبدأ المعارك بسهولة.

وإلى جانب تجنيدهم، تتحول أزمة اللاجئين إلى مصدر ثروة ضخمة لهذه العائلات من خلال تأجير وبيع مراكز “اللاجئين”. وفي وقت سابق كشفت شرطة برلين أن عصابات الجريمة من العرب “تحقق ثروة كبيرة” من خلال تأجير مساكن للحكومة الألمانية لاستخدامها كمراكز لجوء بأسعار.

المافيات الإيطالية والصينية والروسية في أوروبا تدير أموالا بما يفوق أحيانا موازنات دول

ويقول الناطق باسم اتحاد نقابات العاملين في الشرطة الألمانية بنيامين يندرو إن “العصابات باتت تقوم بعمليات غسيل لأموالها عبر استثمارها في أعمال قانونية، ما يجعل من الصعب على الأجهزة الأمنية تتبع أثر تلك الأموال وإدانة أصحابها”.

ويشير تقرير نشره موقع فانينس تويتر إلى أن مجال تأجير مراكز اللاجئين أصبح “أكثر ربحية من تجارة المخدرات”، حيث كانت هذه العائلات تشتري العقارات وتؤجّرها لطالبي اللجوء بأسعار مبالغ فيها وهي طريقة سهلة لغسيل الأموال.

ورغم قوة العصابات العربية في ألمانيا إلا أنها لا ترتقي إلى مستوى المافيات الإيطالية والصينية والروسية في أوروبا والتي تدير أموالا بما يفوق أحيانا موازنات دول. وتقول خبيرة شؤون المافيا الصحافية الألمانية بيترا ريسكي إن المافيا الإيطالية داخل ألمانيا أكثر دهاء من العصابات العربية.

وتشير ريسكي إلى أن المافيا “تفضل الذهاب إلى الأماكن التي يسير فيها الاقتصاد بنجاح، وألمانيا هي البلد الوحيد في أوروبا الذي يزدهر فيه الاقتصاد، وبالتالي فإن ألمانيا جد جذابة بالنسبة إلى المافيا. مشاريع البناء الكبرى في القطاع العام لم تعد موجودة تقريبا في إيطاليا، لكنها موجودة في ألمانيا”.

4 آلاف شخص ينتمون إلى العصابات العربية ينشطون في برلين

وتدير المافيا الإيطالية تعاملات مالية بقيمة 150 مليار دولار سنويا وتنظم أكبر تجارة للمخدرات في أوروبا. ووصلت المافيا في إيطاليا إلى حد شن هجمات بسيارات مفخخة ضد منشآت الدولة في تسعينات القرن الماضي.

ويردد خبراء في شؤون الجريمة المنظمة في العالم عبارة تقول إن “المافيا في إيطاليا لا تعدو كونها ابنة المافيا الروسية”، في إشارة إلى قوة وقسوة إحدى أهم تشكيلات الجريمة المنظمة، تلك التي تأسست في بدايات القرن الماضي إما داخل روسيا القيصرية أو على أيدي مهاجرين روس في أوروبا.

ومثل ظهور المافيا الصينية الوافدة مع بداية الألفية الثالثة تحديات لنظيراتها الإيطالية والروسية. وبخلاف المجموعات الأخرى، يتميّز الصينيون بمرونة كبيرة وقدرة على التخفي، مع تبديل الشخصيات الأساسية باستمرار. وتنشط هذه المافيا في تهريب السلع الاستهلاكية وبيع المعدّات والأدوية وتسيطر على الأسواق التي تدر البلايين من الدولارات.

5