العزوف عن الزواج يهدد المنظومة الاجتماعية في محافظة ديالى العراقية

رغم مرور أكثر من ست سنوات على طرد تنظيم ما يسمّى بالدولة الإسلامية “داعش” من المناطق التي احتلها، في محافظة ديالى شرقي العراق، إلا أن تداعيات هذا الاحتلال لا تزال تلقي بظلالها وأصبحت تهدد المنظومة الاجتماعية في تلك المناطق. ومن بين هذه التداعيات مشكلة عزوف الشباب عن الزواج بسبب حالة الفقر التي خلفها التنظيم المتطرف.
بعقوبة (العراق) – للعام السادس على التوالي يؤجل الشباب محمد، وعثمان، وشاكر، الذين يسكنون في قرى محررة من تنظيم داعش بمحافظة ديالى شرقي العراق، مشروع حلمهم بدخول القفص الذهبي لأسباب متعددة أبرزها الأزمة الاقتصادية وحالة عدم الاستقرار الأمني.
وقال محمد أحمد، وهو شاب في الـ28 من عمره ويسكن قرية محررة قرب المقدادية (40 كم) شمال شرق بعقوبة مركز محافظة ديالى، “عدت قبل عامين لمنزلي بعد فترة نزوح دامت أربع سنوات، ووجدته مدمرا بنسبة 50 في المئة، أما البستان الذي يمثل مصدر رزقنا الوحيد فقد تحولت أشجاره المثمرة إلى حطب يابس”.
وأوضح أن والده مريض ولديه أربعة إخوة صغار، ما دفعه للعمل في محل لبيع المواد الغذائية لتأمين لقمة العيش لأسرته. وأضاف “لم أعد أفكر بالزواج لأن وضعي لا يسمح لي بذلك”، مؤكدا أنه ليس حالة استثنائية بل هناك العديد من شباب القرى والمناطق المحررة التي تضررت من الإرهاب يعانون نفس المشكلة.
أما عثمان الجبوري، وهو شاب بلغ الشهر الماضي (30 سنة) وعاد إلى منطقته الواقعة في أطراف بلدة السعدية (60 كم) شمال بعقوبة، بعد رحلة نزوح استمرت سنوات، فقال “أعمل الآن في كردستان شمالي العراق لأن فرص العمل في مدينتي محدودة جدا أو معدومة”.
وتابع “مهمتي الأساسية الآن توفير لقمة عيش لأسرتي المؤلفة من سبعة أفراد”. وسكت للحظات ثم واصل حديثة قائلا “الفقر لا يبني منزلا وعندما أنجز مهمتي في العناية بأسرتي بعدها سأفكر بالزواج”، واصفا الزواج بأنه “مشروع حلم مؤجل حاليا”. وتعد السعدية أول بلدة في ديالى سقطت في قبضة التنظيم المتطرف، وهي تمثل إحدى أكبر بلدات حوض حمرين شمال شرق ديالى.
وبدوره قال شاكر بلال، وهو شاب نازح من إحدى قرى جلولاء (70كم) شمال شرق بعقوبة ويبلغ من العمر (27 سنة)، “أنا خاطب وزفافي مؤجل منذ ثلاث سنوات لأنني أحاول إكمال بناء منزل أسرتي الذي دمر في عام 2014”. وأشار بلال إلى أن الفقر والعوز والإرهاق هي عوامل دفعته إلى تأجيل زفافه وتحقيق حلمه بالزواج.
واجتاح التنظيم الإرهابي في صيف عام 2014 مناطق واسعة من شمال وشمال شرق ديالى وسيطر على عدة مدن وقصبات وقرى لبضعة أشهر وقام بهدم المنازل وحرق بساتين المواطنين الذين لا يؤيدونه، وما تبعها من حالة عدم استقرار في بعض تلك المناطق ما عطل جوانب الحياة، قبل أن تتمكن القوات العراقية من استعادتها، مما أدى إلى نزوح أكثر من 100 ألف أسرة، لا يزال بعضها في مخيمات النزوح.
ويسعى شباب تلك المناطق بعد استعادتها إلى البحث عن أي عمل لتوفير لقمة العيش لأسرهم، وتأجيل كل أحلامهم بدخول القفص الذهبي وتشكيل أسرة جديدة. ويؤكد المختصون أن تداعيات العزوف عن الزواج في المناطق التي كان بها التنظيم، وأطلق عليها اسم “المناطق المحررة”، خلقت مشكلة أخرى وهي ارتفاع نسبة العنوسة بين النساء.
وقال صلاح مهدي مدير مكتب حقوق الإنسان في ديالى لوكالة الأنباء الصينية “شينخوا”، “إن انخفاض معدلات الزواج في المناطق المحررة حقيقة نلمسها منذ سنوات”، لافتا إلى أن المعدلات هي أدنى بنسبة 70 في المئة مقارنة بفترة ما قبل اجتياح داعش لتلك المناطق.
وأضاف مهدي “الأسباب الرئيسية وراء ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج، هي الفقر المدقع، والبطالة، وحالة عدم الاستقرار الأمني الذي أدى إلى ضرر نفسي دفع الكثير إلى تأجيل فكرة الزواج”.
وتابع مهدي أن “عددا ليس بقليل من شباب المناطق المحررة يعمل خارج ديالى أو خارج مناطقها، كون 70 في المئة من هذه المناطق هي زراعية ودمرت فيها الزراعة بعد 2014 والتي تعد المصدر الرئيسي للآلاف من الأسر”.
عزوف الشباب عن الزواج ولّد مشكلة أخرى تتمثل في ارتفاع معدلات العنوسة في صفوف الفتيات
ومن جانبه أقرّ عبدالخالق العزاوي، عضو البرلمان العراقي عن ديالى، بارتفاع معدلات الفقر والبطالة في المناطق المحررة بسبب التدمير الذي خلفه التنظيم المتطرف وخاصة الزراعة، ما انعكس بشكل كبير على المستوى المعيشي لسكان تلك المناطق.
ويرى أن حل هذه المشكلة الاجتماعية يتطلب تحسين الوضع الاقتصادي، قائلا “إن تحسين البيئة الاقتصادية للمناطق المحررة كفيل بمعالجة كل الإشكالات على المستوى الاجتماعي”.
وتقدر السلطات المحلية نسبة الدمار الذي لحق بالمرافق الاقتصادية والقطاعات المهمّة في المناطق التي سيطر عليها التنظيم المتطرف بنحو 70 في المئة، وهي نسبة عالية جدا تظهر حجم الضرر الكبير الذي تكبدته تلك المناطق. وفي وقت سابق كشف مكتب حقوق الإنسان في محافظة ديالى أن معدلات العنوسة في المحافظة وصلت إلى أرقام هي الأعلى في تاريخ المحافظة.
وقال مهدي إن “معدلات العنوسة في ديالى هي الأعلى في تاريخ المحافظة وفق الرصد الميداني”، لافتا إلى “العزوف عن الزواج من قبل الشباب هو السبب الرئيسي”.وأشار إلى أن “80 في المئة من العوانس في ديالى ليس لديهن أي دخل شهري”، مؤكدا “ضرورة إعطاء نسبة أكبر لشمولهن برواتب الرعاية الاجتماعية”.
وأكدت عضو مجلس النواب العراقي عن محافظة ديالى ناهدة الدايني، في تصريح سابق لـ”شينخوا”، أن “المناطق المحررة في ديالى والتي يزيد تعداد سكانها عن 300 ألف نسمة تشهد عزوفا غير مسبوق عن الزواج وبلغت معدلات الانخفاض في الزواج خلال 2018 قياسا بالفترة التي سبقت أحداث يونيو 2014 نحو 90 في المئة”.
وأشارت إلى أن “عزوف الشباب عن الزواج لم يعد حالات فردية بل ظاهرة تجتاح المناطق المحررة بالكامل ولأسباب متعددة أبرزها الفقر المدقع والبطالة وهجرة أعداد ليست قليلة من الشباب إلى محافظات أخرى بحثا عن فرص عمل، ناهيك عن الضغوط والتحديات الأمنية التي دفعت الكثيرين للتخلي عن فكرة الزواج”.
ولفتت إلى أن “عزوف الشباب عن الزواج ولّد مشكلة أخرى تتمثل في ارتفاع معدلات العنوسة في صفوف الفتيات داخل المناطق المحررة”، مؤكدة أن هذه المناطق تمر بظروف عصيبة جدا من ناحية البعد الاقتصادي والقلق الأمني الذي أثّر بشكل سلبي على حياة الأسر باتجاهات مختلفة”.
ونبهت إلى أن “الشباب يدفعون فاتورة تلك الأوضاع”، مشددة على “ضرورة الانتباه إلى أهمية دعم بناء الأسر في المناطق المحررة وتوفير فرص عمل للشباب العاطلين لأن الفقر سبب مباشر للمشاكل والأزمات”.
وقال إبراهيم الشمري المختص في علم الاجتماع، إن “البيئة المجتمعية في المناطق المحررة بديالى وغيرها تعرضت إلى ضرر بالغ خاصة مع حركة النزوح الهائلة وفقدان شرائح واسعة لمصادر الرزق”.
وأضاف الشمري “لم يكن أمام الشباب سوى خيار واحد وهو إنقاذ أسرهم من خلال البحث عن فرصة عمل، ولم تعد فكرة الزواج وبناء أسرة تخطر ببالهم، لأن الأمر يحتاج إلى قضية في غاية الأهمية وهي الاستقرار النفسي والمادي”. وأكد أن نسبة غير قليلة من الشباب عزفوا عن الزواج، واصفا ذلك بالمشكلة الحقيقية التي سيكون لها تأثير على المجتمعات في تلك المناطق.
وتابع “العزوف عن الزواج يشكل مصدر تهديد لمجتمعات المناطق المحررة، لكن هذه المشكلة غير ظاهرة حاليا، وهناك أشبه بالتكتم عليها، لكن القضية مستمرة خاصة في المناطق الساخنة التي ما زالت تعاني من نسبة عزوف عالية”.