العزلة الاجتماعية أثناء الطفولة تسبب أضرارا ببعض خلايا المخ

يحذر الأطباء وخبراء علم النفس من خطورة العزلة الاجتماعية خصوصا على الأطفال. ويشيرون إلى أن جائحة كورونا قد تعمق من هذه العزلة وأنها فرصة لفهم عواقب أو تأثيرات العزلة الاجتماعية بشكل عام على السلامة العقلية. كما أكدوا وجود مجموعة فرعية من خلايا المخ في منطقة القشرة الأمام جبهية تتأثر بشدة جراء العزلة الاجتماعية في الصغر.
نيويورك- يتفق العلماء على أن الوحدة أو العزلة الاجتماعية تمثل خطرا كبيرا على السلامة العقلية للإنسان.
وبالرغم من أن العالم في الوقت الحاضر أصبح أكثر اتصالا عبر المنصات الرقمية، على اختلاف أنواعها، صار لدى الشباب وصغار السن الذين يعيشون في مجتمعاتنا شعورا متزايدا بالانعزال، كما أن جائحة فايروس كورونا المستجد، التي فرضت على الكثير من الدول إغلاق مدارسها وتطبيق إجراءات مختلفة للتباعد الاجتماعي في إطار جهود التصدي للمرض، قد عززت من الحاجة إلى فهم عواقب أو تأثيرات العزلة الاجتماعية أو الوحدة بشكل عام على السلامة العقلية.
وقد أكد خبراء علم النفس على ضرورة الاهتمام بالصحة النفسية للأفراد، لاسيما في ظل الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة فايروس كورونا المستجد على العالم.
وقالوا إن أكثر فئات المجتمع تأثرا بها هم الأطفال على وجه الخصوص، وهنا تقع المسؤولية على عاتق الأسر للمساهمة في توفير الدعم النفسي لهم للتخفيف من الآثار السلبية للجائحة إلى أن تزول.
وأشاروا إلى ضرورة تخصيص وقت للتحّدث مع الأطفال ومشاركة الحقائق معهم بطريقة بسيطة يمكنهم فهمها، إلى جانب طمأنتهم ومنحهم شعور الأمان.
وفي حين أن الدراسات السابقة تؤكد أن العزلة الاجتماعية في سن الطفولة لها آثار مدمرة على الوظائف العقلية والسلوكيات الخاصة بالفصائل الثديية المختلفة عندما تصل إلى سن البلوغ، إلا أنه تظل هناك حاجة لتسليط المزيد من الضوء على هذه المشكلة من ناحية آليات عمل الدوائر العصبية داخل المخ.
وتوصل فريق من الباحثين من كلية طب إيكان في منطقة ماونت سايناي قرب مدينة نيويورك في الولايات المتحدة، من خلال دراسة أجريت على مجموعة من فئران التجارب، إلى وجود مجموعة فرعية من خلايا المخ في منطقة القشرة الأمام جبهية تتأثر بشدة جراء العزلة الاجتماعية في سن الصغر، وذكروا أن هذه الخلايا مسؤولة بشكل أساسي عن تنظيم السلوكيات الاجتماعية اللازمة لضمان التفاعل الاجتماعي الطبيعي في سن البلوغ.
وسلطت هذه الدراسة التي نشرت نتائجها في الدورية العلمية “نيتشر نيوروساينس” الضوء على أهمية دور هذه الخلايا التي تقوم بتوصيل الإشارات العصبية إلى الجزء المسؤول عن وظيفة المكافأة، وهي مجموعة من الهياكل العصبية المسؤولة عن التحفيز، داخل المخ. ويرى فريق الدراسة أنه إذا ما تم تطبيق نتائجها على البشر، فإنها قد تؤدي إلى اكتشاف علاج لمشكلة الاضطرابات النفسية المرتبطة بالانعزال.
ويقول الباحث هيروفومي موريشيتا أستاذ علم النفس وطب الأعصاب في إيكان “علاوة على تحديد الدوائر العصبية الخاصة في القشرة الأمام جبهية التي تتأثر بصفة خاصة بالعزلة الاجتماعية أثناء الطفولة، كشفت الدراسة أيضا أن هذه الخلايا تمثل هدفا واعدا لعلاج اختلالات السلوكيات الاجتماعية عند بعض المرضى”.
وأوضح في تصريحات أوردها الموقع الإلكتروني “ساينس ديلي” المتخصص في العلوم “من خلال تحفيز بعض خلايا القشرة الأمام جبهية في سن البلوغ، نستطيع علاج بعض أنواع الاضطراب الاجتماعي الناجم عن العزلة الاجتماعية في سن الصغر”.
وخلص فريق الدراسة إلى أن الفئران الذكور التي تتعرض للعزلة الاجتماعية لمدة أسبوعين بعد الفطام مباشرة تصاب بمشكلات في آلية الربط بين القشرة الأمام جبهية الوسطى ومنطقة المهاد البطيني داخل المخ، وهو ما يؤثر على تفاعلاتها الاجتماعية في سن الكبر.
وأوضح الباحثون أن العزلة الاجتماعية في الصغر تؤدي إلى ضعف عملية تحفيز خلايا القشرة الأمام جبهية وقدرتها على إرسال الإشارات إلى المهاد البطيني وغيرها من الخلايا العصبية ذات الصلة.
وجود مجموعة من خلايا المخ في منطقة القشرة الأمام جبهية تتأثر بشدة جراء العزلة الاجتماعية في سن الصغر
ومن أجل تحديد ما إذا كانت جهود استعادة أنشطة الخلايا القشرة الأمام جبهية في سن الكبر يمكن أن تؤدي إلى إصلاح أو علاج الاختلالات الاجتماعية، قام فريق الدراسة بتوظيف علم البصريات الوراثي لتحفيز خلايا عصبية بعينها داخل المخ، كما استخدم الباحثون علم الكيمياء الوراثي في هذه الدراسة. وفي حين أن علم البصريات الوراثي أتاح لفريق الدراسة تحفيز خلايا عصبية معينة عن طريق نبضات ضوئية، استطاع الباحثون من خلال علم الكيمياء الوراثي التحكم كيميائيا في مجموعات الخلايا محل الدراسة.
وعن طريق توظيف علوم البصريات والكيمياء الوراثية، استطاع الباحثون تسريع التفاعلات الاجتماعية بين فئران التجارب بمجرد معالجتها بالنبضات الضوئية والمواد الكيميائية التي حقنت بها. وقال موريشيتا “لقد تحققنا من وجود الخلل الاجتماعي في فئران التجارب قبل بدء عملية التحفيز، ثم قمنا بمراجعة السلوكيات الاجتماعية للفئران أثناء عملية التحفيز، ووجدنا أن الاختلالات في السلوكيات الاجتماعية قد انعكست”.
وبالنظر إلى أن الاضطرابات في السلوكيات الاجتماعية تمثل عنصرا مشتركا في الكثير من الأمراض العصبية والنفسية، مثل التوحد والانفصام، فإن تحديد الخلايا العصبية في القشرة الأمام جبهية سوف يساعد في تحديد المناطق التي يتعين استهدافها بالعلاج داخل المخ لعلاج سلسلة من الاضطرابات النفسية.
وأضاف الباحثون أن الدوائر العصبية التي تم تحديدها في الدراسة يمكن علاجها باستخدام تقنيات مثل التحفيز المغناطيسي داخل الجمجمة أو التحفيز المباشر عبر الجمجمة. وأجريت هذه الدراسة البحثية بمساعدة منح من المعاهد الوطنية للصحة والمعهد الوطني للصحة العقلية ومؤسسة سايمونز للأبحاث في الولايات المتحدة.