العرض العماني"مدق الحناء" يفتتح مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي

المسرحية العمانية تجسد التوق إلى الحرية بوصفها غاية فطرية لدى الإنسان الذي لطالما غالب وصارع حتى يتحرر من كل قيد.
السبت 2019/02/16
لا بديل عن الحوار

خمس مسرحيات خليجية من عمان والكويت والسعودية والبحرين والإمارات تتنافس على جوائز الدورة الثالثة من مهرجان المسرح الخليجي المقام حاليا في الشارقة، والذي ينتظم مرة كل عامين تحت رعاية الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وبتنظيم من إدارة المسرح بدائرة الثقافة.

 الشارقة – احتضن قصر الثقافة بالشارقة، مساء الخميس، افتتاح فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان الشارقة للمسرح الخليجي في تظاهرة فنية كبرى جمعت صناع المسرح في دول مجلس التعاون الخليجي من مخرجين وممثلين ونقاد وفنيين، وذلك في حضرة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.

والمهرجان الذي يقام مرة كل عامين أتت دورته الثالثة التي تتواصل حتى التاسع عشر من فبراير الحالي، كعادتها احتفاء بجديد المسارح في دول الخليج وبالمتجدد والأصيل من الرؤى والمفاهيم المسرحية والأفكار والمظاهر الفنية من مختلف الأجيال، مع إتاحة تبادل للخبرات من الملتقي الفكري الذي يصاحب المهرجان ويقدم إضاءة فنية ونقدية موازية للعروض المقدمة، فضلا عن “مجلس المسرح الخليجي”، الذي يجمع ثلة من المسرحيين للحديث عن راهن ومستقبل الممارسة المسرحية في الخليج.

وتشارك دولة الإمارات العربية المتحدة في المهرجان، الذي يعد الأضخم في المنطقة، بمسرحية “سيمفونية بلا أوتار” كتبها إسماعيل عبدالله ويخرجها محمد العامري لفرقة مسرح الشارقة الوطني، وتأتي الكويت ممثلة بمسرحية “الصبخة” من تأليف وإخراج عبدالله العابر عن فرقة مسرح الخليج العربي، وتشارك البحرين بمسرحية “نوح العين” من تأليف جمال صقر وإخراج أنور أحمد لفرقة مسرح أوال، فيما تحضر سلطنة عمان بمسرحية “مدق الحناء” من تأليف عباس الحايك وإخراج يوسف البلوشي عن فرقة مسرح مزون، أما السعودية التي توجت بجائزة أفضل عرض في الدورة الماضية فتشارك بمسرحية “حبوس” من تأليف صالح آل زمانان وإخراج نوح الجمعان لفرقة مسرح الوطن.

عرض ينتصر للحرية بعيدا عن الدماء وتدخل الغرباء
عرض ينتصر للحرية بعيدا عن الدماء وتدخل الغرباء

موروث شعبي

يرأس لجنة تحكيم  المهرجان المخرج المصري عصام السيد وتضم في عضويتها الكاتبة الجزائرية ليلى بن عائشة ومصمم السينوغرافيا الإماراتي وليد الزعابي والمخرج العراقي رياض موسى سكران والناقد المغربي محمد لعزيز.

ويأتي الملتقى الفكري المصاحب للمهرجان تحت عنوان “المسرح الخليجي والموروث الشعبي”، بمشاركة الإماراتي مرعي الحليان، والسعودي سامي الجمعان، والعماني جاسم البطاشي، وعبدالله يوسف، ويوسف الحمدان، وعبدالله سويد من البحرين، وسكينة مراد وفيصل القحطاني من الكويت.

وافتتح المهرجان في نسخته الثالثة بمسرحية “مدق الحناء” التي كتبها السعودي عباس الحايك وأخرجها العماني يوسف البلوشي وقدمتها فرقة مزون العمانية، وتناول العرض قضية مدينة تعيش تحت سطوة ما أطلق عليه “الوجيه” الذي تولى أمرها بعد اختفاء وجيهها الأسبق “برهان” وعدم عودته، يرى هذا الوجيه أن المدينة وما عليها من بشر وبحر ومزارع وأرزاق وقوانين ملك خاص له يتصرف فيه كما يشاء، ويمارس هذه السطوة المستبدة بحماية مسلحة لا تتوانى لحظة عن الدفاع عنه والتصدي لمن يحاول الخروج عليه، فيما أهل المدينة من البحارة خائفون لا يستطيعون مواجهته، يأمرهم باستكمال سفينة، هم يرون أنهم أحق بالسفينة وما يمنحهم البحر من أرزاق منه، وهو يرى أنها ملكه وأنهم ما لم يستكملوها سوف يكملها ويبحر بها مع الغرباء.

نحن أمام ثلاثة أطراف متصارعة تريد امتلاك السفينة، الوجيه وعصابته المسلحة وأهل المدينة “أم الخير” البحارة البسطاء الخائفون ممثلون في العراف الأعمى وابنته وبائعة الحناء وولديها اللذين يعمل أحدهما ساعدا أيمن للوجيه وجانب من أهل المدينة، والطرف الثالث المجهول الهوية، لكنه الغائب الحاضر، والفاعل لدى الجميع، خاصة الوجيه الكثير التهديد بالاستعانة به.

يتحدى العراف أو العارف الوجيه ويضحي “صخر” أحد أبناء المدينة بحياته في مواجهته رافضا أن تكون السفينة للوجيه وغربائه، لكن “هجرس” ابن بائعة الحناء ومساعد الوجيه والطامح إلى الوجاهة يقتله، وذلك في خيار صعب، فإما أن يقتل برصاصة الوجيه نفسه أو يقتل صخر صديقه وجاره، لذا فإن القاتل والمقتول ضحيتان، يندم هجرس ندما يدفعه للتخلص من يده التي داست على الزناد ويتحول حزنه إلى هلوسات، خاصة بعد موقف أمه، لينتهي الأمر بموته وانفجار أمه حزنا عليه.

ويسرق الغرباء السفينة ويبحرون بها، فيما ينادي الوجيه أهل مدينته لينقذوها، لكن دون جدوى ليغرق في الهلوسات، على وقع مدقات الحناء التي تتعالى معبرة عن انتهائه.

يوسف البلوشي تميز في المسرحية باستخدامه المتقن لجماليات الموروث الشعبي العماني
يوسف البلوشي تميز في المسرحية باستخدامه المتقن لجماليات الموروث الشعبي العماني

مرونة المخرج يوسف البلوشي على خشبة المسرح واستغلاله لفضائه بحرفية عالية لم يتركا فيه أي مساحة لم تستغل، ما أكسب المشاهد قدرة فائقة على التعبير. الفضاء لم يكن محايدا، بل حمل طاقة دلالية مجازية، وجاء ذلك متوافقا، بل ملتحما مع جماليات استخدام الموروث الشعبي العماني، موسيقاه وأغانيه وطقوسه.

60 ممثلا

تمكن البلوشي من العرض لم يكن فقط لتشكله عناصر سينوغرافيا من إضاءة وديكور وموسيقى وملابس وأدوات كالمدق والهون، إنما أيضا في تحكمه في هذا العدد الضخم من الممثلين (60 ممثلا) بسلاسة وليونة حركتهم وأدائهم على الخشبة.
قد تكون هناك بعض الانفعالات المفتعلة، لكن لا يمكن أن ننكر أنه قدم ممثلين نظن أنهم سيكونون في الغد القريب نجوما، مثل زينب البلوشي التي لعبت دور الأم باقتدار بارع، وبلقيس البلوشى التي لعبت دور الطفلة المتطلعة مع والدها عيسى الصبحي إلى مستقبل يملأه هواء الحرية، وعبدالحكيم الصالحي الذي قام بدور هجرس وهو الدور الأكثر صعوبة في العرض، وغيرهم.

لكن ما الرسالة التي يحملها العرض ويستهدف بها جمهوره؟ إنها التوق إلى الحرية بعيدا عن الدم، وأن هناك دائما الغرباء المجهولين الذين يتربصون بالحاكم والمحكوم معا، ومن ثم عليهما معا أن ينتبها لخطورة ذلك، ولكي ينتبه كل منهما للآخر لا بد أن يكون ثمة متنفس وقبول للحوار بعيدا عن الاستبداد والقمع والسلاح والاستقواء بالغرباء.

يقول المخرج العماني يوسف البلوشي في تصريحه حول عرضه إنه “يجسد التوق إلى الحرية بوصفها غاية فطرية لدى الإنسان الذي لطالما غالب وصارع حتى يتحرر من كل قيد، ساعيا إلى السلم والسعادة في مجتمعه”.

13