العرب وعقدة التتويج النهائي

مهما يكن من أمر فإنّ أنس جابر حولت كرة المضرب إلى رياضة شعبية تشاهدها كل الطبقات الاجتماعية بعد أن كانت مقتصرة على الفئات البرجوازية والميسورة.
الثلاثاء 2022/09/13
إنجاز تاريخي

أنس جابر لاعبة خرافية في تاريخ التنس، لكن لديها “عقدة الفينال” أي العجز عن التتويج النهائي، والاكتفاء برتبة الوصيف كما رأينا في دورة أميركا المفتوحة وخسارتها أمام البولندية إيغا شفيونتيك.

ومهما يكن من أمر، فإنّ هذه اللاعبة الاستثنائية قد فعلت بكرة المضرب ما فعله بافاروتي بفن الأوبرا في إيطاليا: حولتها إلى رياضة شعبية تشاهدها كل الطبقات الاجتماعية بعد أن كانت مقتصرة على الفئات البرجوازية والميسورة.

أصبح التونسيون يتجمعون في المقاهي لممارسة متعتهم الوحيدة هذه الأيام وهي مشاهدة ومناصرة “وزيرة السعادة” كما يلقبونها وهي ترفع اسم بلدهم عاليا في المحافل الدولية، وتمحو ما علق به من توصيفات سيئة السمعة في السنوات العجاف.

وبالعودة إلى “عقدة الفينال” فإن العجز عن بلوغ التتويج النهائي يعود إلى حواجز نفسية متأصلة لدى شعوب العالم الثالث، بالإضافة إلى إرادات دولية متمثلة في مظلوميات تحكيمية أحيانا، وبعيدا عن نظرية المؤامرة التي كثيرا ما نتكئ عليها لتبرير عجزنا وتقصيرنا.

أما أنس جابر فيكفيها فخرا أن تُصنف الثانية عالميا في رياضة لا تحظى بالشعبية في العالم العربي، ويحتكرها العرق الأبيض من سكان أوروبا وأميركا وأستراليا ثم إنها مثلت المرأة التونسية والعربية كأفضل ما يكون التمثيل في الوقت الذي تنتشر فيه جرائم الشرف والثأر والإرهاب والتخلف، وتهز صورة الأنثى في مجتمعاتنا.

أنس جابر فازت بالرقم 2 وهو رقم صعب ومربك في كل شيء أي أنها على مشارف النصر الساحق وعلى مسافة خطوة نحو القمة، ولكن لماذا يرافقنا إحساس دائم بأن البطولة المطلقة وما تعنيه من تسيّد العالم في مجال من المجالات، ليست صناعة عربية؟

تبدو الإجابة عن هذا السؤال أشد إرباكا مما كنت أتوقع، إذ أن الحسم في إعلان الانتصار الساحق، يحتاج إلى استعداد ذهني كبير.. ومن هنا تأتي “عقدة الفينال” أو العجز النفسي عن الفوز بالبطولة النهائية، وذلك لعدم وجود سابقة الريادة.

يتجرأ العرب على مقارعة شعراء العالم لوجود المتنبي في تاريخهم، ويطمح الروائيون في الجوائز العالمية لوجود نجيب محفوظ، أمّا أن يُتوجوا كأبطال لكرة المضرب فأمر مستبعد لأنه لا وجود لسابقة اسمها “أنس جابر” في تاريخهم.

ما فعلته هذه اللاعبة التونسية هو أنها جعلت الحلم مشروعا ومنحت من سوف يأتي بعدها الجرأة على التفكير في الفوز بالبطولة.

نجحت أنس في أن تكون مصدر إلهام على امتداد أفريقيا والعالم العربي، أدخلت البهجة إلى النفوس المكدرة، كسرت الصورة النمطية للمرأة في منطقتنا وطارت بنا نحو الحلم.

طارت وحلقت حقيقة، وليس كعباس بن فرناس الذي اكتفى بشرف المحاولة ومجرد الإيحاء بأن الطيران ممكن ذات يوم.

20