العربي غادي آيزنكوت عين إسرائيل القلقة من الشمال

السبت 2014/12/20
سيكون على رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد التأهب خلال فترته القادمة

ليست المرة الأولى التي يصل فيها يهودي عربيٌ إلى منصب رفيع، فقد كان السباق ديفيد ليفي، وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، والذي اشتهر بأولاده وبناته الاثني عشر، واليوم يأتي دور غادي آيزنكوت - الذي يحمل اسم “آيزنكوت” ويعني “الغزال” باللغة الأمازيغية القديمة، على حد تعبير إيلي بيتون الخبير في شؤون اليهود المغاربة - الذي وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على تعيينه رئيسا لأركان الجيش خلفا للجنرال بني غانتس، لكن آيزنكوت ليس عسكرياً مثل غيره، سيما وأنه المكلف بإدارة ملف من أخطر ملفات أمن إسرائيل وهو العلاقة مع دمشق.

كان غادي جندي مشاة عادياً في الجيش، ولكنه التزم همّته على الصعود، من خلال عمله المكثف على ذاته وخبراته، قال عنه رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” نفتالي بينيت: “آيزنكوت رجل قيّم ومتواضع ومبدع حازم”، فعمل مؤخرا كرئيس لفرع عمليات قوات القيادة الشمالية الإسرائيلية، ونائبا لرئيس هيئة الأركان العامة.


قائد كتيبة


دخل غادي الجيش الإسرائيلي في العام 1978، في الكتيبة 51 في لواء غولاني الشهير، ليترأس الكتيبة ذاتها بعد وقت قصير، وبقي في البحر العسكري الإسرائيلي يخوض غماره في حروب إسرائيل العديدة، وعلى رأسها حربها على لبنان، فتولى مهمة قيادة وحدة عسكرية هامة أثناء وجود الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان ثم في لبنان كله.

وبقي يدور في حلبة الشمال، حيث الجولان وسوريا وحزب الله، حتى تم تعيينه قائدا للواء غولاني في العام 1997، ولواء غولاني لمن لا يعرف هو أحد أبرز قطاعات الجيش الإسرائيلي ويضم نخبة النخبة في القوات المسلحة العبرية، كان قد تأسس في العام 1948، على يد ديفيد بن غوريون، غولاني هو اللواء رقم واحد كما يسميّه الإسرائيليون، مقرّه منطقة الجليل الفلسطينية، ويطلق الجيش على مراكز تدريب لواء غولاني اسم “قرية الجحيم” نظرا لصعوبة تدريباتها وخطورة عملياتها، لكن الأخطر في اللواء هو أن بنيته الأصلية مكوّنة من العسكريين خريجي المدارس الدينية اليهودية المتطرفة، ويعدّ خزانا للعسكريين العرب والدروز حيث تبلغ نسبتهم فيها 35 بالمئة.

وكان لواء غولاني رأس حربة الجيش الإسرائيلي في كل حروبها، فهو من احتل هضبة الجولان في العام 1967، وخاض حرب العام 1973، واقترب من العاصمة دمشق لولا التهديد الذي تعرّض له من قبل الجيش العراقي ـ اللواء السادس المدرّع الذي كان قد وصل إلى التدخل في سوريا وإنقاذ دمشق.


آيزنكوت الهادئ


يقال عن آيزنكوت، الذي ولد لأسرة مغربية في طبريا ونشأ في إيلات جنوب إسرائيل، أنه لم ينفّذ أي عمليات أمنية أو عسكرية سرية، وكان عمله في الضوء، على مستوى الجيش، أنجز أطروحته في الدراسات العليا تحت عنوان لافت “شخصية حسن نصرالله”، وتمتع بالتوازن والهدوء وعدم الانجرار وراء ردات الفعل، بل بالميل إلى التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى.

أدى آيزنكوت مهماته بدقة، وأعصاب متماسكة، ويروي عنه يوآف ليمور وعوفر شيلح في كتاب “أسرى لبنان” أنه قال بعد اختطاف الجنديين الإسرائيليين على يد قوات حسن نصرالله في جنوب لبنان في العام 2006: “ليس باستطاعتنا دخول الحرب والقتال وجها لوجه والعمل بدافع الغضب”.

ولذلك فقد حافظ آيزنكوت على صمته الطويل تجاه مواقف إسرائيل السياسية كي يبقى العسكري المنفّذ فقط والذي لا يريد خلط الأوراق، وفي عهد رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، كلّف آيزنكوت بمنصب ملحق عسكري خاص به وبآريئيل شارون، ثم حين أصبح وزيرا للدفاع دفع به إلى الأعلى في سلّم الترقيات، حتى أنه درس في الجامعة بعد أن ارتفعت رتبته العسكرية، فالتحق بقسم التاريخ في جامعة تل أبيب، وتابع دراساته العليا في كلية الحرب في الولايات المتحدة الأميركية.

آيزنكوت بقي يدور في حلبة الشمال، حيث الجولان وسوريا وحزب الله، حتى تم تعيينه قائداً للواء غولاني في العام 1997، وهو أحد أبرز قطاعات الجيش الإسرائيلي ويضم نخبة النخبة في القوات المسلحة العبرية، أسسه في العام 1948، ديفيد بن غوريون


علاقات مع السوريين


خلال توليه منصب السكرتير العسكري الخاص لباراك، دخل آيزنكوت حسب الإعلام الإسرائيلي في الفترة ما بين عام 1999 و2001 مفاوضات سرّية وخاصة مع سوريا، مستفيداً من خبراته الطويلة في الجبهة السورية، كقائد للواء غولاني المطل على دمشق، وكذلك من خلال التنسيق المسبق الذي كان قد اطلع عليه وعايشه أثناء وجوده في لبنان، ما بين الجيشين السوري والإسرائيلي، ليتولى بعدها قيادة القطاع العسكري المشرف على الضفة الغربية الفلسطينية.

ورغم أن الإسرائيليين يرون أن نتنياهو كان يعمل طيلة الوقت خلال الشهور الماضية، على عرقلة وصول آيزنكوت إلى منصب رئيس الأركان، بسبب رغبته في شخصيات أكثر يمينية، إلا أن آيزنكوت كان قد أرسل لرئيس الوزراء نتنياهو رسالة شهيرة قبل سنوات طالبه فيها بعدم شنّ هجوم عسكري ضد إيران للجم برنامجها النووي، فقد نقلت “هاآرتس” أن آيزنكوت يرى أن ضربة كهذه ضد إيران، قد تفتح الباب لحرب طويلة الأمد وستضّر بالعلاقات الإسرائيلية الأميركية، فكان رأيه مخالفا لتحذيرات رئيس الوزراء الذي طاف العالم وهو يشرح خرائط ومخططات المشروع النووي الإيراني والجهود الإسرائيلية القائمة لعرقلته.

وقد وقّع نتنياهو على اسم آيزنكوت قبل ثلاثة أشهر فقط من الانتخابات التشريعية المبكرة، التي ستجرى في إسرائيل، وستحدّد شكل المرحلة القائمة، في ظل صراع كبير على المستقبل، تقوده كل من تسيبي ليفني من جهة، والذهنية القديمة كما تسمى ويقودها نتنياهو بنفسه، ليبدو أن الجيش الإسرائيلي كان هو من أرغم نتنياهو على القبول بآيزنكوت لهذا المنصب الكبير.


ماكين إسرائيل


آيزنكوت، مقاتل ميداني، شهد الحروب والمعارك والمغامرات العسكرية وسقوط القتلى والأسرى، والتقدم والانسحاب والكر والفر في الحياة العسكرية الإسرائيلية، ليبدو كما لو أنه نسخة إسرائيلية للسيناتور الأميركي جون ماكين، اشتهر بأنه “خبير الحرب على حزب الله”، وأكثر ما يعرف به من مآثر، كانت قبضته الحديدية ضد الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية حين قاد لواء “الكرملي” ولواء “أفرايم” العامل في الضفة الغربية، وطارد واعتقل وقتل الشباب الفلسطينيين الذين تظاهروا ورشقوا الجيش بالحجارة.


استراتيجية الضاحية


ابتكر آيزنكوت برنامجا عسكريا عرف بـ”استراتيجية الضاحية” في القتال، وقد اشتق اسمه من الضاحية الجنوبية في بيروت، وتتمثل بإلقاء آلاف الأطنان من المتفجرات على المناطق السكنية لتطهيرها من الأهداف مهما كان الثمن البشري الذي من الممكن أن يسقط أثناء العمليات، بينما يكون الهدف ليس هجوميا، بل ردعيا، وقد تم تطبيق استراتيجية الضاحية تلك في حروب إسرائيل ضد لبنان وغزة، وقال آيزنكوت عن نظريته تلك إن “ما حدث في الضاحية ببيروت في العام 2006 سيحدث في كل قرية تطلق منها الصواريخ على إسرائيل، ولن تكون هناك رحمة قلوبنا عندما يتعلق الأمر بضرب البنية التحتية الوطنية للدولة”.

آيزنكوت يصبح رئيسا للأركان قبل 3 أشهر فقط من الانتخابات المبكرة، لتحدد شكل المرحلة القائمة، في ظل صراع كبير، تقوده كل من تسيبي ليفني ونتنياهو

سيكون على رئيس الأركان الجديد، التأهب خلال فترته القادمة، إلى احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة باتت قريبة، وقد ظهرت مؤشراتها بسبب انسداد أفق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وتوسع الاستيطان وتصاعد أعمال العنف ومقتل أحد وزراء الحكومة الفلسطينية على يد جنود الاحتلال، آخذا بعين الاعتبار ضرورة إعادة تأهيل الجيش الإسرائيلي للقيام بشن حرب برية، بعد فشل الضربات الجوية على غزة، والاستعداد لاحتمال اندلاع حرب في الجبهة الشمالية أو تدخل عسكري إسرائيلي في سوريا، وكذلك العثور على صيغة للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني.

وتنشغل الصحافة الإسرائيلية بآيزنكوت، وتحليل معاني اسمه المفترضة، وأصوله حتى ما قبل مئتي عام مضت، فقد شكّل تعيينه صدمة للشعب، وحاولت الصحف الإسرائيلية البحث في دلالات الاسم بالرجوع إلى لغات عالمية مختلفة، وعادت بعض الصحف إلى أصول القبائل في شمال أفريقيا في واحات طنجة لمعرفة ما معنى الكلمة، فعثرت على قبيلة أمازيغية تدعى “آزنكات”، ولكنها استبعدت أن يكون أصل الرجل واسمه ألمانيا، كما قال أحد الحاخامات الإسرائيليين الذي عملوا سابقاً في تدريس اللاهوت في هولندا لصحيفة “هاآرتس”: “من غير المعقول أن يكون آيزنكوت من أصل ألماني فالكلمة بالألمانية تعني (فضلات بشرية) حديدية، وهذا أمر غير مقبول!”.


عربي في تل أبيب وآخر في طهران

يقابل صعود آيزنكوت، صعود سابق ولافت لعربي آخر في فك الكماشة المطبق على المشرق العربي، إنه علي شمخاني الذي أصبح المسؤول الأول سياسياً وأمنياً عن المنطقة وتنسيق الحرب الدائرة فيها، وتوجيهها لما فيه صالح إيران ومشروع توسّع نفوذها في كل الاتجاهات، ويمرّ ظهور هذا وذاك دون أن يجري استثماره من قبل المحاور العربية التي تتلقى الضربات بعد سقوط العاصمة العربية الرابعة بيد طهران التي زارها وفد حماس، وعبّر أحد قياديي كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس مؤخراً عن شكره وامتنانه لإيران التي قدمّت وتقدّم الدعم الكبير لحركته.

ولا غرابة إذا أن يصرّح آيزنكوت أن سيطرة حماس على السكان المدنيين قد يثبت بأنّه ميزة جيّدة لإسرائيل، يقول رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد: “لديهم التزامات أخرى ينبغي الوفاء بها مثل توفير الأمن الأساسي للمواطنين، إيقاف الفوضى في الشوارع، دفع الرواتب، حيث ليس لديهم حتى الآن مصدر للأموال. إنهم يحتاجون الآن إلى وقت وهدوء من أجل تحقيق الاستقرار في الساحة المحلية في السلطة والسيطرة على مراكز القوة. لذلك فإن مصلحتنا هيمنة حماس على غزة”.

12