العراق يلتمس من الكويت تخليصه مؤقتا من عبء التعويضات

بغداد - عكست رسالة وجّهها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، مجدّدا الاهتمام الذي توليه الكويت للوضع في العراق.
ويصل ذلك الاهتمام، بحسب مراقبين، إلى حدّ القلق والانشغال في أوقات الأزمات على غرار الأزمة المركّبة ذات الأبعاد الصحية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي يعانيها العراق حاليا. وذلك بسبب الخشية من تأثير عدم استقرار العراق على أمن الكويت واستقراره.
وتضمّنت الرسالة التي حملها، الأحد، وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح إشارات إلى مجالات التعاون والتنسيق المطلوب التركيز عليها من قبل البلدين ومن ضمنها مَجَالاَ الأمن والاقتصاد.
وقالت مصادر سياسية مواكبة لزيارة الوزير الكويتي إلى بغداد، إنّ توطيد العلاقات بين الكويت والعراق وتكثيف التعاون بينهما من العناوين العريضة المطروحة باستمرار على طاولة النقاش بين مسؤولي البلدين، من دون التوصّل بالفعل إلى ترجمتها إلى برامج عملية بخطط تنفيذية واضحة.
لكنّ العنوان المحدّد للزيارة، بحسب المصادر ذاتها، هو تأجيل سداد باقي التعويضات المفروضة على العراق بقرار أممي جرّاء غزوه للكويت مطلع تسعينات القرن الماضي، وذلك بطلب من بغداد التي تعاني ضائقة مالية غير مسبوقة بسبب تراجع أسعار النفط وتأثيرات جائحة كورونا على الاقتصاد، وهي ضائقة قد تصل إلى حدّ عجز السلطات العراقية عن سداد رواتب الموظّفين والمتقاعدين الأمر الذي يهدّد البلد بأزمة اجتماعية خانقة تهدّد استقراره الهشّ، وهو ما لا ترغب الكويت في حدوثه.
وتلفت المصادر إلى أنّ تمكين العراق من مهلة لسداد باقي مبلغ التعويضات يكاد يكون الإمكانية الوحيدة لدى الحكومة الكويتية لمساعدة الجار الشمالي، لأنّ الكويت بحدّ ذاتها تعاني في الفترة الحالية ضائقة مالية بسبب أزمتي كورونا والنفط.
وألزمت الأمم المتّحدة العراق بدفع 52.4 مليار دولار كتعويضات عن الخسائر الناجمة عن غزو جيشه للكويت وذلك عبر إيداع نسبة 5 في المئة من عائدات صادراته من مبيعات النفط في صندوق أممي تم إنشاؤه تحت اسم صندوق الأمم المتحدة للتعويضات.
ويقدّر باقي المبلغ المطلوب من العراق تسديده بحوالي 3.7 مليارات دولار، وهو أمر مستحيل في ظل الظرف المالي الحالي.
وسبق للعراق أن توقّف عن سداد التعويضات سنة 2014 مع انطلاق الحرب على تنظيم داعش الذي سيطر آنذاك على ثلث مساحة البلاد، ثم استأنفت بغداد دفع التعويضات سنة 2018.
وتغيّرت علاقة الكويت بالعراق جذريا سنة 2003 بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين الذي يصنّفه الكويتيون كعدوّ مطلق لغزوه بلادهم، ومع ذلك فإن عوامل مركّبة لا تزال تلقي بظلالها على علاقات البلدين، إذ تحكم العراق منذ السنة المذكورة طبقة سياسية معروفة بولائها لإيران ومن ضمنها أشخاص متشدّدون طائفيا يظهرون العداء لبلدان الخليج ومن ضمنها الكويت.
تأجيل دفع التعويضات هو الإمكانية الوحيدة لدى الكويت لمساعدة العراق في ظل الأزمة المالية التي يعانيها البلدان معا
ولا يخلو الداخل الكويتي من جهات سياسية ناقدة بشدّة لتجربة الحكم الحالية في العراق ومعترضة على توسيع العلاقات مع بغداد، حتى أنّ التساهل في موضوع التعويضات لا يسلم عادة من انتقادات حادّة.
وأفاد المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بأنّ مصطفى الكاظمي بحث، الأحد، مع وزير الخارجية الكويتي تحديات الأمن المائي وملف الإرهاب.
ووفقا للبيان ذاته، فقد أكّد الوزير الكويتي على أنّ أمير البلاد “مهتم بتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في السرّاء والضرّاء، وضرورة تجنيب الأجيال القادمة مشاكل الماضي والحاضر”.
وناقش الجانبان بحسب البيان تحديات الأمن المائي وملف الإرهاب بوصفه تحديا مشتركا بين دول المنطقة، فضلا عن مناقشة الأزمة الاقتصادية وتدهور أسعار النفط العالمية.
وبيّن الوزير الكويتي أنّ “معالجة الأزمة الاقتصادية تتم عبر ثلاثة مستويات، هي التحرك على المستوى الدولي ومع المؤسسات الدولية والحلفاء المشتركين في مجال التعاون التنموي والاستثماري، وأيضا التحرك على المستوى الإقليمي عبر التعاون مع مجلس التعاون الخليجي، حيث يمكن استثمار التعاون من خلال الربط الكهربائي، وغيرها من المجالات”.
وتطرح قضية الربط الكهربائي بين العراق وبلدان الخليج بكثافة خلال الفترة الحالية حيث تبحث بغداد عن مصدر بديل للكهرباء والغاز الإيرانيين اللذين قد تتعذّر على العراق مواصلة استيرادهما مستقبلا إذا أصرّت الولايات المتّحدة على عدم استثنائه من العقوبات الشديدة التي تفرضها على طهران.
وقال رئيس الوزراء العراقي بشأن محادثاته مع مبعوث أمير الكويت إنّ هناك تواصلا مستمرا مع المسؤولين الكويتيين، مؤكّدا على “أهمية تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي بين البلدين بما يخدم استقرار المنطقة وازدهارها وتنشيط التعاون التجاري وبما يعمل على تجاوز الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا”.
وأشار الكاظمي إلى أنّ “لدى البلدين فرصة تاريخية لتطوير العلاقات الثنائية بينهما، ومعالجة ملف الحدود بالطريقة التي يتم من خلالها التحرر من مخاوف الماضي، ووفق مبدأ حسن النية”.
وبيّن أهمية تفعيل اللجنة المشتركة بين البلدين وتذليل العقبات البيروقراطية التي تواجهها وتفعيل مقررات مؤتمر الكويت ولجان متابعته.
كما أكّد استمرار حكومته “في التعاون بشأن قضية الأسرى الكويتيين في حرب الخليج عام 1991، وإعادة ما تبقى من الأرشيف الأميري في العراق”.
ويعتبر تمتين العلاقات مع بلدان الخليج أحد الخطوط العريضة لسياسة رئيس الوزراء العراقي الجديد ضمن مساعيه لإحداث التوازن في علاقات العراق بمحيطه وإزالة الخلل المتمثّل في الارتباط الشديد بإيران والذي يصل إلى حدّ التبعية، لكنّ المهمّة العاجلة أمام مصطفى الكاظمي تتمثّل في إنقاذ البلد من أزمته الخانقة وإيجاد التمويلات اللازمة لذلك عبر إقناع البلدان القادرة على مساعدة العراق بشكل عاجل بجدوى تقديم المساعدات.