العداوة بين الإخوة بذرة يزرعها الآباء ويحصدها الأبناء

يؤكد خبراء علم الاجتماع أن تعامل الوالدين مع أبنائهم هو سر نشوء طبيعة العلاقة التي ستجمعهم لاحقا، فإن كان التعامل بينهم على قدم المساواة فإن النتيجة ستثمر علاقة حب واحترام، أما إذا تم تفضيل أحدهم على الآخر فإن الكراهية والعداوة ستحلان محل الحب والتفاهم. وأشاروا إلى أنه ومن دون قصد قد يعمل الآباء على زرع الكره أو الغيرة بين أبنائهم، ويأتي ذلك عبر المقارنات الدائمة وإشعارهم بأن أحدهم أفضل من الآخر.
عمان – يعد الأخ بمثابة العضد والناصر والمعين لأخيه حتى ولو لم يكونا شقيقين، لكن قد يغير الآباء عن غير قصد هذه المعادلة ليصبح الأخ عدوا لأخيه: يصرخ في وجهه، يحتقره ويزدريه، ويتحين الفرصة للاستيلاء على حقوقه إن أمكن له ذلك.
ويشير خبراء علم الاجتماع إلى أن كثيرا من الآباء يفضلون ابنا على أخيه؛ يخصونه بالثناء والإطراء والأحضان والقبلات والاهتمام والإنصات، وهذا ينشر الكراهية والحقد بين الأخوين.
كما أن هناك الأب الذي ينحاز لواحد من أبنائه في مشاحناته مع إخوته، مما ينزع المشاعر الطيبة من قلوبهم جميعا.
ويؤكد الخبراء أن سلوك بعض الآباء وإن كان عن غير قصد يحز في نفس أبنائهم فيشعرهم بالتفرقة، وهو ما يمكن أن يؤثر على طبيعة العلاقة بينهم لاحقا.
وأشار التربوي الأردني الدكتور محمد أبوالسعود إلى الأسباب التي تؤثر في حياة الأطفال، ومنها طريقة تعامل الوالدين مع أبنائهم.
وقال أبوالسعود “أحيانا ومن دون قصد يعمل الآباء على زرع الكره أو الغيرة بين أبنائهم، ويأتي ذلك عبر المقارنات الدائمة وإشعارهم بأن أحدهم أفضل من الآخر، على سبيل المثال”.
كذلك الشعور بالمنافسة المستمرة بين الإخوة لإظهار أفضل ما عندهم، وهذا يخلق عداوة بينهم، بحسب أبوالسعود، وهنا تأتي أهمية التشجيع والتقدير وإظهار مشاعر الحب وتقوية أواصر العلاقة بينهم.
ويرى أبوالسعود أن جميع هذه السلوكيات تنفعهم وتخلصهم من الأنانية وتقلل من المشاكل التي لا تتوقف في سن معينة، مبينا أن الخلافات البسيطة تبقى طبيعية، وذلك ضمن حدود معينة.
ويشير خبراء علم النفس إلى أنه أحيانا يكون الآباء مسؤولين عن الغيرة الشديدة بين الإخوة، ذلك لأنهم لم يستطيعوا أن يعدلوا بينهم كأن يفضّلوا الذكور على الإناث، وحتى في مثل هذه الحالة فإن العادات والتقاليد التي لا يحكمها دين هي المتهم الأول، كما أن الأب في الأسرة العربية أحيانا لا يعير العلاقات بين أبنائه اهتمامه فقد أصبح مشغولا عنهم، والإخوة والأخوات لكل منهم مصالحه التي إذا تعارضت مع قرينه، فإنه لا يجد حرجا في الوصول إليها ولو على حساب الباقين.
ويفسر الدكتور حسن سعيد أستاذ علم النفس هذه الظاهرة بانحدار بعض القيم داخل المجتمعات العربية، وتفشي الحب الشديد للمال وانتشار سموم القنوات الفضائية في التهوين من شأن العلاقات الأسرية والإنسانية، ما خلق لدى الإخوة والأخوات ميولا نفسية وقدرا من الاستعداد للخروج على هذه العلاقات.
وقال سعيد إن الغيرة في حد ذاتها سلوك سلبي يخلقه التعارض بين مصالح ورغبات الإخوة، الذين يتسابقون من أجل ذواتهم في الوقت الذي ضعف فيه الرادع النفسي داخلهم، بسبب اضمحلال دور الأب والأم، كما أن تعارض الحاجات النفسية والإنسانية يؤدي إلى ردود أفعال عكسية، حتى لو كان ذلك بين هؤلاء الإخوة والأخوات المنتمين لأسرة واحدة، فتصبح الغيرة بينهم مرضا نفسيا منتشرا كالوباء.
وأكدت نتائج بحوث نفسية أن الغيرة تنتشر أكثر بين بني الجنس الواحد، أي بين الإخوة الذكور أو الأخوات الإناث، أكثر من انتشارها بين جنسين مختلفين. ويمكن أن تصبح الغيرة مرضا مزمنا، لذلك يصبح لكل فعل رد فعل، فإذا شعر أحد الإخوة بغيرة أخيه أو أخته تجاهه، فإنه يستدعي كل طاقاته النفسية والجسدية التي يحشدها وكأنه في معركة حربية، والدليل على ذلك أنها أحيانا تصل إلى جرائم وربما حوادث قتل أو شروع فيه.
وتؤكد الدكتورة دينا أبوالعلا أستاذ علم الاجتماع أن البحوث الاجتماعية والجنائية أثبتت أن أكثر من 15 في المئة من جرائم العنف الأسري سببها الغيرة التي تكون بين الإخوة والأخوات، وأن أكثر من 10 في المئة من هذه الجرائم تتطور إلى قتل أو الشروع فيه، ولا ترتبط بفئات عمرية معينة، رغم أن بعض علماء الاجتماع يرون أن الشعور بالغيرة بين الإخوة يتولّد في مرحلتي الطفولة والمراهقة اللتين تتصفان بالميول العدوانية أكثر من غيرهما من مراحل النمو الإنساني.
ويرى الخبراء أنه على كل أب أن يتفهم أن الخلافات بين الأبناء مظهر من مظاهر تكوين الشخصية وميكانيزم للتأكيد على أهمية الذات، وهي أمر إيجابي للغاية، خاصة في مرحلة المراهقة التي تتبلور فيها الشخصية.
وينصح الخبراء الأب بإهماله التدخل في مشاحنات أبنائه بما يساعدهم على النضج؛ حتى لا يتحول النزاع البسيط الذي يهدف لتأكيد الشخصية النامية إلى حقد حقيقي، وسيجد أن الخلاف انفض من تلقاء نفسه.
وقالوا إن الأب يمكنه منع الخلاف بين الإخوة من الأساس إذا تمكن من تهدئة أعصاب أبنائه وامتصاص غضبهم بقدر الاستطاعة؛ وذلك بإعطاء الابن الذي يأتي شاكيا من أمر ما حرية الحديث لأطول فترة ممكنة؛ بهدف التخلص من المشاعر السلبية التي تنتابه والموافقة عليها، شرط عدم التهوين من المشكلة نفسها.
إذا شعر أحد الإخوة بغيرة أخيه تجاهه، فإنه يستدعي كل طاقاته النفسية والجسدية التي يحشدها وكأنه في معركة حربية
وأضافوا أنه على الأب أن يعمل على تشجيع أبنائه على التعبير عن مشاعرهم بأساليب لا تنطوي على عنف وبذلك يبذر فيهم بذرة جيدة.
وينصح خبراء علم النفس الآباء بأن يكونوا القدوة أمام أبنائهم الذين إذا تطور بينهم الخلاف إلى تشابك بالأيدي؛ فلا يتدخلوا ولا يقفوا مكتوفي الأيدي ولا يصبوا هجومهم على الطرف المعتدي بضربهم له، إنما يحاولوا أن يوجهوا الطرف المعتدي إلى الأسلوب السليم للخلاف، ولفت نظره إلى أنه يمكن أن يوضح لأخيه ما يغضبه منه دون تشابك بالأيدي أو تلفظ بألفاظ غير مهذبة؛ حتى لا يتعود على ذلك، ويخبره أن هذا هو الأسلوب الحضاري لإبداء الرأي.
كما ينصحون بالحرص على عدم المقارنة بين الإخوة كنوع من أساليب اللوم والعتاب، خاصة أثناء نشوب الخلاف أو تبادل الاتهامات؛ فهي تأتي بنتيجة عكسية.
ويرى الخبراء أن المقارنة الإيجابية بين الأبناء يمكن أن تتم في وقت تكون فيه أعصاب الأبناء والآباء هادئة، ويكون الحكم موضوعيا وقابلا للمناقشة الهادئة من دون أي انفعالات.
كما أن المساواة بين الأبناء هي محاولة لإرضاء كل الأطراف، وتعني المعاملة العادلة كلٌّ حسب متطلباته واحتياجاته، وكذلك العواطف. فعلى الآباء توزيعها بعدل وعدم وضع الأبناء في قوالب ثابتة؛ مثل: إن الأخ الأكبر مسؤول عن إخوته، أو الضغط على أحدهم ليتعلم هواية ما دون استشارته، فدور الأب التحفيز والتشجيع لا غير.