العدالة متوارية على الشاشات وبانتظار النهايات السعيدة

أفلام ملهمة ومحفزة مقتبسة من قصص حقيقية تحث المشاهد على المتابعة وتتبع الأحداث.
الأحد 2021/10/10
أفلام لها حبكة خاصة

تنهل التجارب السينمائية من الوقائع والقصص الحقيقية ويمنحها ذلك المزيد من المصداقية وقربا من الجمهور العريض الذي ينشد هذا النوع من القصص السينمائية الواقعية.

وما بين ما هو واقعي وما هو افتراضي وجمالي ومتخيل ثمة فاصلة يجب ملؤها بالمزيد من الإتقان في ما يتعلق بالعديد من الشخصيات التي تواجه قدرها، وحيث تتراوح مهارات المخرجين وكتاب السيناريو بين التدرج في كشف الحقيقة وبين منح المشاهدين مساحة من التوشيق، لكي يمضوا في تتبع الأحداث ووصولا إلى النهايات السعيدة.

كان هنالك جدل كبير قد رافق إظهار حقائق الحرب على العراق والتي وصلت إلى المحاكم، ومثال ذلك في المشهد الأول من فيلم “أسرار رسمية”، حيث تقف امرأة أمام محكمة إنجليزية ومحلّفين، ويعلن القاضي سيلا من الاتهامات التي تلاحق تلك المرأة الشابة، ومنها أنها أفشت أسرار الدولة بتعمد، مما يعد إضرارا عن قصد بالدولة ومؤسساتها، ثم يسألها سؤالا محددا، هل تجدين نفسك مذنبة؟

وقبل أن تجيب سوف ينتهي المشهد لنعود إلى الحياة اليومية للسيدة كاثرين غان (الممثلة كيرا نايتلي) وهي بصحبة زوجها ياسر (الممثل آدم بكري)، بينما العالم يكاد يقطع أنفاسه استعدادا لغزو العراق.

وبالنسبة إلى كاثرين فإن العملية برمتها ملفقة تماما وهي ترصد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير كيف يلقي بالأكاذيب يمينا وشمالا للترويج لفكرة الحرب على العراق.

دراما المحاكمات تقترب من الشكل المسرحي ولذا فدور المخرج وقبله كاتب السيناريو باتجاه انتشالها من الرتابة

من جهة أخرى وفي سياق التحوّلات الدرامية بدت جلسات المحكمة أكثر إقناعا لجهة اختيار الممثلين، وفي كل تلك الجلسات كانت كاثرين تواجه مصيرها وقدرها بمفردها دون أن يقف معها أحد، حتى زوجها لم تسمح له بمرافقتها خوفا من القبض عليه مجددا وترحيله، وكذلك أصدقاؤها وصديقاتها، كلهم ابتعدوا عن تلك المواجهة الخطيرة.

على أن ما لم يكن في الحسبان أن تجري تلك المرافعة، فيسحب ممثل الادعاء مرافعته وتتنازل الحكومة عن اتهاماتها لكاثرين بالخيانة وإفشاء أسرار الدولة وسط دهشة الجميع، وحيث خرجت كاثرين بريئة لتؤكد للعالم وأمام الصحافة أنها لو أتيحت لها الفرصة لفعلت ما فعلته مجددا.

لكن العودة إلى كلاسيكيات هذا النوع من الأفلام، ومنها فيلم “اثنى عشر رجلا غاضبون” (1957) من إخراج المخرج المبدع سيدني لوميت، سوف تقدم لنا صورة أخرى لنوع من المحاكمات تصل فيها الشخصيات إلى حافة النهاية كما في إجماع 11 محلفا من أصل 12 على إدانة صبي مهاجر من بورتوريكو بالقتل المتعمد، وهو مثال من أمثلة عديدة لذلك النوع من المرافعات القائمة على حبس الأنفاس وتشريح النوازع البشرية والدوافع السياسية، وغيرها تلك التي تتحكم في هذا النوع من السجالات التي تجري في قاعات المحاكم.

في المقابل فإن فيلم “محاكمة شيكاغو” يقدم عيّنة مختارة من تلك الحقبة من التاريخ المعاصر للولايات المتحدة من خلال سبعة من أشرس المعارضين لحرب فيتنام، والذين انتظموا في تيارات وجماعات مناوئة للحرب، وبما في ذلك تنظيم المظاهرات الحاشدة، وخاصة إبان انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي في العام 1968. إنه وجه آخر لأميركا شاهده العالم أجمع أو على الأقل سمع عنه، وجهها العنفي وحيث هجمات قوات الأمن ورجال الشرطة والشرطة السرية لا تتوقف عن استهداف التجمعات المناوئة للحرب.

ولتجذير قوة الصراع في تلك المحاكمات التي استغرقت شهورا، فقد حشدت الحكومة من جانبها أعتى أدواتها الاستخبارية وطواقمها من المدعين العامين الشرسين لغرض الإيقاع بالمحتجين وإثبات كونهم مجرد عناصر للشغب والتخريب وتعمّد التصادم مع أجهزة الأمن ورجال الشرطة، يتقدمهم القاضي جوليوس هوفمان (الممثل فرانك لانغيلا) في تجبّره وغطرسته.

التجارب السينمائية من الوقائع والقصص الحقيقية تمنح المزيد من المصداقية وقربا من الجمهور العريض الذي ينشد هذا النوع من القصص السينمائية الواقعية

يشتبك المعارضون السبعة في صراع لا تعرف نهاياته، لاسيما وأنه يأتي متزامنا مع التغيير الحاد في النظام السياسي بانتهاء حقبة الرئيس جونسون وبدء حقبة الرئيس نيكسون، وما تخلل ذلك من حملات متصاعدة ضد حرب فيتنام، ولهذا يمكن رسم الكثير من ملامح البيوغرافيا الشخصية المرتبطة بزعماء الحراك، والذين ليسوا بالضرورة منسجمين مع بعضهم البعض في أداء مهمتهم.

وإذا عدنا إلى الكلاسيكيات أيضا، فإن فيلم “تشريح جريمة قتل” (1959) يقدم لنا دراما اجتماعية مختلفة تختلط فيها الجريمة بدراما المرافعات والمحاكم، وحيث يتولى محامي بلدة صغيرة في ولاية ميتشجان بول بيجلر (جيمس ستيوارت) قضية تتعلق بفريدريك مانيون (بن جازارا) وهو ضابط في الجيش الأميركي متهم بقتل نادل من الدرجة الأولى يعتقد أنه اغتصب زوجته، وحيث يعتمد الفيلم على وقائع حقيقية كان قد سطرها المحامي الشهير جون فويلكر.

في هذه الدراما التي تمتزج فيها دوافع الشخصيات مع نزعة الأخذ بالثأر والمنحى العاطفي والإنساني وكالعادة في السجالات الحامية في أروقة المحاكم، فإن الغموض الذي يكتنف مسار المحاكمة قد دفع إلى المزيد من السجالات المضنية باتجاه الكشف على الحقيقة.

واقعيا إننا أمام مسارات متعددة لدراما متنوعة تقترب من الشكل المسرحي في تطوير لغة الحوار وفي الدراما المتصاعدة، وهنا يأتي دور المخرج وقبله كاتب السيناريو باتجاه انتشال هذا النوع من الرتابة وليس بالضرورة باتجاه النهايات السعيدة، بل باتجاه ما هو أكثر إقناعا.

15