العاهل المغربي يوجه بإقرار مدونة أخلاقيات ملزمة للنواب

الملك محمد السادس: الديمقراطية ليست وصفة جاهزة أو نموذجا قابلا للاستيراد.
الخميس 2024/01/18
الملك محمد السادس حريص على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة

حملت الرسالة التي توجه بها العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى البرلمان بمجلسيه، مجلس النواب ومجلس المستشارين، مضامين مهمة في علاقة بما قطعته المملكة من أشواط كبرى في بناء الديمقراطية التشاركية، مبرزا الحاجة إلى ضرورة تعزيزها، وهذا لن يتحقق من دون تغليب المصالح العليا للوطن على غيرها من الحسابات الحزبية، وتخليق الحياة البرلمانية.

الرباط- دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى تخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة أخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم، وتحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية.

جاء ذلك في رسالة وجهها إلى المشاركين في الندوة الوطنية المنعقدة تخليدا للذكرى الستين لقيام أول برلمان منتخب في المملكة، والتي انطلقت أشغالها الأربعاء في العاصمة المغربية الرباط.

وقال الملك محمد السادس إن النموذج البرلماني المغربي أُسس وفق رؤية سياسية متبصرة تقوم على التدرج ومراكمة الإصلاحات الدستورية المتواصلة، والحرص على مشاركة القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحية.

محمد الغلوسي: الرسالة تعكس عدم رضا عن أداء النخبة السياسية
محمد الغلوسي: الرسالة تعكس عدم رضا عن أداء النخبة السياسية

وأضاف في الرسالة التي تلاها رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي أن هذه الرؤية تنبع من الإيمان بأن الديمقراطية ليست وصفة جاهزة، أو نموذجا قابلا للاستيراد، وإنما هي بناء تدريجي متأصل، مستوعب للتعددية والتنوع.

واعتبر العاهل المغربي أن العمل البرلماني وديمقراطية المؤسسات التمثيلية حققا نضجا كبيرا على مستوى الاختصاصات وممارستها، إلا أنه بالرغم مما تم تحقيقه في هذا المجال فإنه يجب مضاعفة الجهود للارتقاء بالديمقراطية التمثيلية إلى “المستوى الذي نريده لها، والذي يشرّف المغرب”.

وشدد على أنه ينبغي التأكيد على الدور الحاسم الذي يجب أن يضطلع به البرلمان في نشر قيم الديمقراطية وترسيخ دولة القانون، وتكريس ثقافة المشاركة والحوار، وتعزيز الثقة بالمؤسسات المنتخبة، خالصا إلى أن تلك رهانات ينبغي العمل جديا على كسبها، خاصة في سياق “ما ينجزه المغرب من أوراش إصلاحية كبرى ومشاريع مهيكلة، سيكون لها بالغ الأثر لا محالة، في تحقيق ما تطلع إليه من مزيد التقدم والرخاء لشعبنا العزيز”.

وأكد الملك في رسالته على ضرورة تغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين على غيرها من الحسابات الحزبية.

واعتبر محمد الغلوسي، المحامي ورئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن الرسالة الملكية الجديدة يمكن ربطها بخطاب عيد العرش الماضي حول الجدية، وتعكس وجود قلق من أعلى سلطة في الدولة وعدم رضا عن أداء النخبة السياسية بالبرلمان، وهي نخبة حولت العمل السياسي وسيلة للاغتناء غير المشروع وقضاء المصالح الشخصية وضرب كل القيم المتعارف عليها على مستوى الممارسة الحزبية والسياسية.

ولفت الغلوسي في تصريح لـ”العرب”، إلى أن “الرسالة الملكية الموجهة إلى البرلمانيين بمثابة توجيه إلى الأحزاب السياسية وكافة المؤسسات لاستحضار كل ما يتعلق بتخليق الحياة العامة، ومن ضمنها البرلمان، وأن تكف الأحزاب السياسية عن المناكفات الفارغة، وأيضا القطع مع تزكية أشخاص للانتخابات تحوم حولهم شبهات فساد أو ذمتهم غير بريئة، وتوجه الدولة إلى التشدد مع هذه الممارسات المخلة بالثقة العامة التي تعطي مؤشرات سلبية للمؤسسات المنتخبة”.

◙ الرسالة الملكية بمثابة توجيه إلى الأحزاب وكافة المؤسسات لاستحضار كل ما يتعلق بتخليق الحياة العامة

وبخصوص مدونة السلوك الأخلاقي التي طالب بها الملك محمد السادس خدمة لتخليق الحياة العامة والالتفات إلى المشاريع الإصلاحية الكبرى، شدد الغلوسي على أنه كان على الأحزاب أن تبادر من تلقاء نفسها إلى وضع هذه المدونة لأنها بمثابة حماية لسمعتها وتجسيد لأدوارها ولأهدافها المسطرة لبرامجها المتعلقة بالمواطنة ودولة الحق والقانون، وقد تقاعست عن مثل هذه المدونة لأن هناك بعض الهيئات السياسية هيمن عليها أصحاب المال والذمم المشبوهة دون تعميم.

ونظم برلمان المملكة المغربية بمجلسيه، مجلس النواب ومجلس المستشارين، ندوة وطنية ناقشت موضوعين أساسيين يتعلقان بالتطور الدستوري لبنية ووظائف البرلمان ودعامات وتحديات وآفاق العمل البرلماني، حيث تناول الباحثون والمختصون، خلال الجلسة الأولى، نظام الثنائية البرلمانية في المغرب، والعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتقييم السياسات العمومية، فيما تطرقت الجلسة الثانية إلى العلاقة بين البرلمان والممارسة الديمقراطية، والبرلمان المنفتح، والتحديات المرتبطة بالعمل البرلماني.

وأكد رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب، في ندوة سياسية، أنه علينا المحافظة على قيمة هذه المؤسسة الدستورية، ويجب أن يكون التخليق مسؤولية تتحملها جميع المؤسسات الوطنية، كما أن هناك حاجة ملحة إلى فَلترة الأشخاص الذين تمت تزكيتهم للترشح إلى المؤسسات المنتخبة، موضحا أنه لا يمكن إعطاء التزكية لأي كان، لأن الأحزاب تبحث فقط عن الشخص الذي يمكن أن يأتي بعدد أكبر من الأصوات في الانتخابات.

وخاطب الملك محمد السادس في رسالته البرلمانيين بالقول إن المقاربة التشاركية تشكل دومًا منهجا في بلورة الإصلاحات الكبرى التي شهدتها البلاد في عدة محطات فاصلة في تاريخها الحافل بالمنجزات والتطورات الإيجابية. وأن المؤسسة التشريعية كانت في صلب هذه الإصلاحات المهيكلة، وإذا كانت هذه المنهجيةُ تعكس الوجه الإيجابي الآخر للديمقراطية المغربية وتَفَرُّدِها، وفق العاهل المغربي، فإن الهدف الأسمى يظل هو ترسيخُدولة الحق والمؤسسات، على أساس فصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة.

وشهدت الساحة البرلمانية في المغرب خلال الفترة الماضية هزات عدة حيث تم التحقيق مع عدد من البرلمانيين، وعزل آخرين، بسبب تورطهم في قضايا جنائية، فيما يتم الاستماع إلى آخرين في ظل شبهات تحوم حولهم في عدد من الملفات، مع إحالة طلبات بعزل 119 منتخبا في عدد من البلديات، ضمنهم برلمانيون، بسبب ارتكابهم مخالفات قانونية.

وبموجب هذه الطلبات التي وضعها محافظو الأقاليم المغربية صدر 83 حكما إداريا و65 حكما استئنافيا وقرار واحد من النقض، فيما بلغت الأحكام الرائجة 5 ابتدائية و8 أمام محكمة النقض وحكما واحدا استئنافيا، كما كشف آخر تقرير لوزارة الداخلية حول منجزاتها لسنة 2023.

وفي سياق المتابعة القضائية لمجموعة من البرلمانيين في قضايا جنائية مختلفة، وإسقاط عضوية بعضهم بسبب إدانتهم بشكل نهائي، أكد رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام أن الممارسات السيئة التي سقط فيها منتخبون وبرلمانيون تنزع المصداقية عن الأحزاب التي ينتمي إليها هؤلاء، مشددا على أن الرسالة الملكية دقت ناقوس الخطر وأثارت انتباه النخبة الحزبية وغيرها إلى أن الممارسة السياسية وصلت إلى مستوى غير مقبول ولا بد من تصحيحها والبحث عن تجويد النخب وعن الأطر ذات المصداقية والاستقلالية والكُفؤة والنزيهة.

وفي رسالته الموجهة إلى البرلمان حث الملك محمد السادس على ضرورة تحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، فضلا عن العمل على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة، وتعزيز ولوج النساء والشباب بشكل أكبر إلى المؤسسات التمثيلية.

4